قاذفة هاون محلية الصنع في مقر إقامة مقاتل سوري في قرية على الحدود التركية

أصبح اقليم هاتاي التركي قاعدة لوجستية وسوقًا للسلاح ومركز استشفاء للمقاتلين السوريين وانصارهم ناهيكم عن كونه بؤرة للدسائس بشأن تمويل الجماعات الاسلامية ومنبرًا للاختصام بين المجموعات المسلحة.


لندن: quot;كل ما نحتاج الى انتاجه نتعلم انتاجه على غوغلquot;، كما أوضح عامل المصنع الذي تحول قائدًا عسكريًا في المعارضة السورية ومسؤولًا عن مشتريات السلاح في قرية حدودية داخل تركيا حيث يتنقل المقاتلون ويتجول الماعز على طرق جبلية شديدة الانحدار. وعرض صانع العبوات قاذفة هاون خرجت من بين يديه.

السرير في البيت المستأجَر حيث يعيش القائد العسكري مع زوجته وأطفاله الخمسة بينهم صبيان في سن المراهقة انضما الى كتيبة والدهما.

وعلى بعد 50 كلم كان عبد الكافي ابو زيد الذي ضمر جسمه، يتمدد على مرتبة اسفنجية في غرفة النوم داخل منزل من الكونكريت مشلولاً بعد اصابته بشظية في العمود الفقري. وقال ابو زيد (32 عامًا) quot;إن العالم نسيناquot; ثم جرَّ نفساً عميقًا من سيكارته بيأس بادٍ على وجهه الشاحب. ويقدم المقاتلان مثالاً آخر على موقف العالم من النزاع السوري. فهما على الجانب التركي من الحدود التي تمتد أكثر 800 كلم بين البلدين.

وأصبح اقليم هاتاي قاعدة لوجستية وسوقًا للسلاح ومركز استشفاء للمقاتلين السوريين وانصارهم ناهيكم عن كونه بؤرة للدسائس بشأن تمويل الجماعات الاسلامية ومنبرًا للاختصام بين المجموعات المسلحة التي يبدو أنها لا تتفق على أكثر من اسقاط الرئيس بشار الأسد، كما افادت صحيفة لوس انجيلوس في تقرير من الحدود السورية التركية.

ولا يحمل المقاتلون السوريون السلاح داخل الأراضي التركية ولكنه يُخزن مع معدات أخرى في بيوت آمنة منتشرة في انحاء هذا الاقليم الذي تتخلله أحراش الصنوبر وبساتين الزيتون واشجار الرمان. ويُحمل المقاتلون والمدنيون المصابون على نقالات عبر الحدود من سوريا لتلقي العلاج في تركيا. ويتوافد المنشقون من جيش النظام بعد ترك مواقعهم.

وبعد أن ضم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان صوته الى المطالبين بتنحي الأسد يبدو أن السلطات التركية تغض الطرف. ورغم حديث انقرة عن تحشيد قواتها على الحدود منذ أن اسقطت المضادات السورية طائرة تركية الشهر الماضي فإن الجنود الاتراك في المنطقة يبدون مسترخين في الغالب تقتصر مهمتهم على التجوال داخل قواعدهم في الغالب.

وتضم مخيمات بدائية لكنها منتظمة على الجانب التركي من الحدود نحو 30 الف لاجئ سوري. وتتزاحم خارج خيمهم البيضاء الأعلام التركية مع علم الثورة السورية. وقرب احد المخيمات كان شباب يسبحون في قناة زراعية راكدة هربًا من حر الصيف.

ويقيم نازحون آخرون في بيوت آمنة. وفي شقة ارضية مكتظة في بلدة ريهانلي على الطريق الرئيسي الى مدينة حلب كان جرحى يتمددون على مرتبات على الأرض فيما كان معارضون ملتحون يعملون على الكمبيوترات ويتحدثون على سكايب.

ويعمل سوريون آخرون جاهدين في البحث عن دعم لقضيتهم. ويتركز البحث اساسًا على السلاح والتمويل، وكلاهما صعب الحصول عليهما. ويعم شعور بالاحباط في صفوف المقاتلين الذين تعمل تشكيلاتهم بقدر كبير من الاستقلالية وتتألف من عشرات الكتائب ذات الأسماء التي تستلهم ابطال الاسلام وشجاعة الأسود والنسور. ويعمل ممثلون عن الكتائب المختلفة في تركيا باحثين عن كل شيء من الطلقات الى المواد الغذائية والامدادات الطبية.

وقال معارض من محافظة حماة قدم نفسه باسم ابو علي أنه quot;في مهمةquot; ولكنه لم يفصح عن طبيعة مهمته، كما هو معهود في هذه المنطقة وإن كان الحديث يدور حول السلاح والمال، أو بالاحرى شحتهما.

ويقول ابو علي، مثله مثل آخرين، تحدثوا لصحيفة لوس انجيلوس تايمز إن الكتائب الوحيدة المجهزة تجهيزًا حسنًا على مستوى التسليح والتمويل هي الكتائب التي تنتمي الى جماعات اسلامية. واعرب كثير من المقاتلين السوريين عن الاحباط بسبب هذا الموقف قائلين إن الاسلاميين يمثلون أقلية صغيرة من مقاتلي المعارضة.

وذهب ابو علي متحدثًا عن الكتائب الاسلامية والدعم الذي تلقاه من دول خليجية الى quot;أنها تتظاهر بالتدين لنيل المال من الخليج وهي تختفي وراء الدينquot;.

ويعترف المجلس الوطني السوري بتلقيه نحو 15 مليون دولار غالبيتها من الحكومتين السعودية والقطرية. ودفع المجلس مؤخرًا رواتب الكتائب المنتمية الى الجيش السوري الحر في منطقة حلب، كما قال المتحدث باسم المجلس محمد سرميني لصحيفة لوس انجيلوس تايمز.

وأكد المتحدث باسم جماعة الاخوان المسلمين زهير سالم أن الجماعة قدمت تمويلاً quot;لبعضquot; المجموعات المعارضة وان هذا الدعم محدود quot;ولا يعتمد على الانتماءات الحزبية السياسيةquot;. واضاف سالم الذي كان يتحدث من لندن أن المال يأتي من تبرعات خاصة وليس من أي حكومات أو مؤسسات أو شركات.

وقرب مخيم سوري في قرية بخشين التركية قال مقاتل قدم نفسه باسم ابو ياسين إنه ونحو 100 من رفاقه في كتيبة اسلامية اسمها درع الثورة يتلقون منذ ثلاثة اشهر ما يعادل 120 دولارًا في الشهر لكل منهم مقابل خدماتهم. واعرب عن اعتقاده بأن هذا المال يأتي من دول خليجية ويُدفع من خلال جماعة الاخوان المسلمين. وقال ابو ياسين لصحيفة لوس انجيلوس تايمز quot;نحن كتيبة اسلامية ولهذا السبب نتلقى مساعدةquot;، مشيرًا الى أنه يوزع وقته بين القتال في سوريا وعائلته في المخيم.

ويرى محللون أن الأفضلية المالية التي تتمتع بها الجماعات الاسلامية يمكن أن تضعها في موقع أقوى لاستلام السلطة في حال سقوط نظام الأسد. وأن من اسباب تلكؤ الغرب في تقديم دعم حقيقي للمعارضة هو قلق واشنطن وعواصم غربية أخرى من العناصر المتطرفة في صفوف المعارضة المسلحة.

ويكثر الحديث في هذه المنطقة عن ضباط من وكالة المخابرات المركزية الاميركية يتحققون من أهلية كتائب المعارضة السورية المسلحة للتمتع بأموال دافعي الضرائب الاميركيين. ويبدو أن الجميع يريد قطعة من الكعكة ولكن الوصول الى الكعكة ليس سهلاً. فإن quot;كل شيء ضبابيquot;، على حد وصف محمد شيخ الزور الذي كان يبيع معدات ثقيلة في الولايات المتحدة قبل ان يترك عمله ويعود الى وطنه سوريا للقتال. وجاء شيخ الزور الى تركيا، مثل آخرين غيره، باحثًا عن الدعم لكتيبته التي أُطلق عليها اسم quot;كتيبة الشجعانquot;.

وقال شيخ الزور أنه يجري اتصالات بواشنطن واسطنبول وبعث برسالة في البريد الالكتروني الى ممثل عضو مجلس الشيوح جون ماكين المعروف بتحمسه لدعم المعارضة السورية المسلحة. واضاف انه لم يتلقَ وعودًا محدَّدة مؤكدًا أن الجماعات الاسلامية تستحوذ على كل المساعدات، بحسب صحيفة لوس انجيلوس تايمز.

فالحرب حتى بنسختها المصغرة عبر الحدود في سوريا لعبة لا يتحمل الفقراء اثمانها. واسطع مثال على ذلك أن سعر القاذفة الصاروخية أو آر بي جي التي تشكل سلاحًا اساسيًا بيد الثوار، يبلغ نحو 1200 دولار في السوق السوداء. ويتذكر شيخ الزور معركة اخيرة اخفقت 13 قذيفة آر بي جي حققت اصابات مباشرة في تعطيل دبابة روسية الصنع من طراز بي 72. ويعني هذا هدر اكثر من 15 الف دولار في عملية واحدة لم تتكلل بالنجاح.

وفي قرية حدودية قريبة يعمل ابو عبد صانع قذائف الهاون على ايجاد بدائل محلية للأسلحة التقليدية. ومنذ اشهر يقوم ابو عبد الذي يقود مجموعة مسلحة في محافظة اللاذقية، على تصنيع اسلحة وعبوات في منزل منزوٍ بين الروابي التركية على بعد اقل من كيلومترين عن الحدود السورية. وقال ابو عبد لصحيفة لوس انجيلوس أن من بين 35 رجلاً في كتيبته لا يحمل اسلحة تقليدية إلا 11 مقاتلاً، مؤكدًا مقتل أو اعتقال 24 رفيقًا من اللاذقية.

وأوضح ابو عبد أن سعر الكلاشنكوف في السوق السوداء لا يقل عن 1000 دولار أو خمسة اضعاف سعرها قبل عام. ويبلغ سعر الطلقة اكثر من دولارين. والى جانب قاذفات الهاون يتخصص ابو عبد في تصنيع العبوات الناسفة باستخدام الديناميت أو البارود أو المتفجرات البلاستيكية او الأسمدة الكيمياوية، أو أي منها يكون متوفرًا في السوق السوداء. ويقدر ابو عبد أنه استخدم 5 اطنان من هذه المواد لتصنيع عبوات وقنابل بعضها معبأ في اسطوانات غاز.

وكما في العراق حيث استُخدمت العبوات الناسفة بنجاح فتاك ضد القوات الاميركية، فإن المتفجرات محلية الصنع تمكنت من تعطيل حركة القوات السورية متيحة للمناطق quot;المحررةquot; أن تتمتع بقدر من الأمان رغم تفوق النظام في السلاح والمعدات. وقال ابو عبد: quot;سمعنا وعودًا بالسلاح المرة تلو الأخرى ولكننا لا يمكن أن نستمر في الحلم بمجيئهاquot;.