السياحة تدخل على مصر 20 بالمئة من وارداتها بالعملات الصعبة، وتراجعها لا يصيب الخزينة المصرية فحسب، بل يؤثر سلبًافي مالية شريحة كبيرة من المصريين يشتغلون في السياحة مباشرة، أو في نحو 70 صناعة متعلقة بالسياحة.


القاهرة: بات تراجع القطاع السياحي في مصر واضحًا للجميع، مع استمرار انخفاض الأفواج القادمة من الخارج، نتيجة لتواصل ضبابية المشهدين السياسي والأمني في البلاد، في أعقاب ثورة 25 يناير.

وهو ما بدأ يعود بالضرر على الأسر المصرية البسيطة التي كانت تستفيد من النشاط السياحي، خصوصًا في الصعيد. فعبد اللطيف، الذي كان يجني قوت يومه من تصنيع تماثيل فرعونية من المرمر، لم يعد يجد ما يعينه على تلبية احتياجات أسرته، نتيجة تراجع دخله بسبب تدهور الأداء السياحي.

وعبد اللطيف ما هو إلا نموذج لكثيرين غيره، تضرروا بشكل كبير من توقف السياح عن القدوم إلى الأقصر. ولم تتوقف خسائر عبد اللطيف عند هذا الحد فحسب، فهو يعمل أيضًا في مجال المعمار، الذي يرتكز على استقرار الأوضاع المالية لأصحاب الفنادق المحليين وكذلك باقي رجال الأعمال الذين يستعينون بخدماته.

لا سياحة بلا أمن

نتيجة لتباطؤ العمل خلال فصل الشتاء، الذي يعتبر ذروة الموسم بالنسبة إلى السياح في الأقصر، اضطرت عائلة عبد اللطيف وعائلات أخرى للارتكاز على إعانات نقدية وبطانيات مجانية من إحدى الجمعيات الخيرية المحلية للخروج من عثراتهم المالية.

وأكدت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في هذا السياق الضيق الذي ينتج من استمرار تراجع النشاط السياحي في البلاد، خصوصًا أنه يوفر فرص عمل مباشرة لحوالى ثلاثة ملايين شخص، ويقدم دخلًا جيدًا لأكثر من 70 صناعة ومصدرا لنحو 20 بالمئة من العملة الأجنبية للبلاد، اللازمة في الوقت الراهن لدعم الجنيه المصري المتراجع.

ونقلت الصحيفة عن عزت سعد، محافظ الأقصر، قوله: quot;نحن من نعاني جراء الأوضاع الحاصلة في البلد، فأيًا كان الذي أقوم به على المستوى المحلي، وأيًا كان ما تقوم به وزارة السياحة، فهي جهود لها سقف معين، ولن نتمكن من إعادة ما كان موجودًا من قبل من دون وجود أمن واستقرار سياسيquot;.

الاعلام مسؤول

الجدير بالذكر أن السياحة تعرضت لموجة تراجع خلال العام 2011 مع سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، وما أعقب ذلك من حالة فوضى عارمة سادت أرجاء البلاد. وعلى الرغم من عودة بعض السياح، إلا أن المسؤولين أوضحوا أن معظمهم من مرتادي الشواطئ، وليسوا سياحًا يقضون 10 أيام أو أكثر ويمكن الاستفادة منهم بشكل أكبر.

كما نوهت الصحيفة بأن كل الاعلام الذي لا يظهر إلا أخبار المواجهات والشغب يساهم في تعميق الأزمة، مضيفةً أن القاهرة هي أكثر من يتضرر جراء ذلك. ونقلت عن هشام زعزوع، وزير السياحة، قوله: quot;إن حدث شيء في القاهرة، يلغي السياح رحلتهم برمتها، ومن بين الأمور التي أحتاج لتغييرها في الوقت الراهن هو ذلك التصور بأن السياح غير مرحب بهم، وأن الشعب المصري عدوانيquot;.

ومن بين الخطط المقترحة لمواجهة ذلك هو بث فيديو حي عن مصر على شبكة الإنترنت، للشواطئ والمقاصد السياحية الشهيرة مثل المتحف المصري، لإظهار حقيقة أن الأمور تسير كلها على ما يرام في كثير من أبرز المناطق الأثرية في البلاد.

يتحولون إلى الهند

وقال ناصر حمدي، رئيس هيئة تنشيط السياحة المصرية: quot;نريد أن نقدم ضمانات تؤكد أن مصر ليست مجرد كيلو متر مربع واحد، تقع فيه الاضطراباتquot;. كما يبذل المسؤولون جهودًا كبيرةً من أجل جذب السياح من أسواق جديدة، لتعويض السياح الأميركيين وغيرهم ممن قرروا عدم المجيء في ظل الأزمة الراهنة في البلاد.

وأفادت الصحيفة بأن المسؤولين بدأوا يحولون واجهتهم إلى الهند، وكذلك إيران، التي بدأت تتحسن علاقاتها مع مصر بعد سنوات طويلة من القطيعة. وختمت الصحيفة بتأكيدها ضرورة العمل لإعادة المياه لمجاريها مرة أخرى، خصوصًا في الأقصر التي تبدو الآن مدينة أشباح، لا تسكنها سوى زخارف ماضيها البراق.