من مفكرة سفيرة عربي في اليابان
تقدمت علوم الفضاء، وتكنولوجيات الطيران، خلال القرن العشرين، ليهبط الإنسان على سطح القمر، ويرجع بجزء من رماله وحصاه. كما تحولت الرحلات الفضائية، في القرن الواحد والعشرين، لرحلات سياحية، لتحقق المرأة المسلمة سبقا، بسفر انوشة انصاري في رحلة فضائية سياحية، كأول امرأة سائحة في تاريخ العالم، وبتكلفة عشرين مليون دولار. ويدرس علماء الفضاء في اليابان، تطوير مصعد فضائي، ينتهي بمحطة فضائية تبعد عن الأرض مائة ألف كيلومتر، لتكون نقطة انطلاق لرحلات الفضاء المستقبلية، لخفض سعر هذه السياحة. ويحاول الباحثون الاستفادة من هذه الرحلات لكشف أسرار الكون ونشأته، ودراسة طرق جديدة للحصول على موارد طبيعية نادرة، وبناء مستعمرات بشرية فضائية، بعد أن يزدحم كوكب الأرض، ويزداد تلوثه، وترتفع حرارته، ويقل أوكسجين هوائه، وتستنفذ موارده، وتزداد كوارثه. وقد حققت اليابان في شهر يوليو الماضي إنجازا علميا وتكنولوجيا فضائيا متميزا، فما هو هذا الانجاز؟ وما هي أهميته وتأثيره على مستقبل البشرية؟
نشرت صحيفة اليابان تايمز، في الشهر الماضي، خبر موافقة الحكومة اليابانية على طلب وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجية اليابانية، بتوفير ميزانية تقدر 16.5 مليار ين ياباني، كميزانية لتطوير مشروع هايابوسا-2، والذي يضم خطة لإرسال سفينة فضائية إلى كويكب quot;1999جيه يو 3quot;، والهبوط على سطحه، وأخذ عينات منه. ومن المقرر أن تبدأ هذه الرحلة في عام 2014، على أن يتم الهبوط على سطح الكويكب في عام 2018، والرجوع إلى الأرض في عام 2020. فلماذا ترسل اليابان مركبة فضائية لهذا الكويكب؟ وما نوع المحرك الذي سيبحر المليارات من الكيلومترات بدون توقف أو صيانة أو طاقة أو بشر؟
لقد أرسلت وكالة الفضاء اليابانية في عام 2003 مركبة هايابوسا-1 (الصقر-1) الفضائية إلى كويكب، سمي باسم عالم الفضاء الياباني أوتكوكاوا، وهو كويكب بيضاوي، ويبلغ طوله 0.63 كيلومتر وعرضه 0.25 كيلومتر، ويبعد عن سطح الأرض 300 مليون كيلومتر، ويدور حول الشمس مرة كل عام ونصف، ويقع مداره بين الأرض وكوكب المريخ. وقد وصلت مركبة هايابوسا-1 للكويكب في شهر نوفمبر من عام 2005، ورجعت للأرض في شهر يونيو الماضي. وقد استغرقت رحلة المركبة سبع سنوات بعد تعرضها لمشكلات آلية، وقطعت مسافة قدرت بستة مليار كيلومتر، لتأخذ صور شعاعية ولونية، وتدرس شكل الكويكب، ودورانه، وسطحه، وألوانه، وتركيبته، ونوعية أحجاره، وتاريخه. وهبطت المركبة على سطح الكويكب لمدة ثلاثين دقيقة، ونجحت كبسولته الصغيرة (16 بوصة) بسحب بعض من ذرات تربته، بعد أن تعطل ملقطه الآلي. وقد احترقت المركبة، حسب تصميمها، بعد انتهاء مهمتها، حين دخولها غلاف الجو الأرضي، بتعرضها لحرارة 4900 درجة فرنهايت، بينما تمكنت الكبسولة المغطاة بطبقة عازلة من ألياف الكربون المقاومة للحرارة، النزول بمظلة في جنوب استراليا. وقد كلفت هذه الرحلة التاريخية 200 مليون دولار، وهي الرحلة الأولى في التاريخ لمركبة هبطت على سطح كويكب ورجعت للأرض بعينة منه.
فقد حقق علماء اليابان هدفين مهمين من هذه الرحلة، أحدهما علمي والآخر تكنولوجي، فسيستطيع العلماء دراسة نشأة الكون من خلال فحص تربة كويكب لم يتعرض لنشاطات بشرية وتغيرات مناخية من قبل. ويفترض بعض العلماء بأن نشأة الكون ترجع للانفجار الكبير للبيضة الكونية الملتهبة، قبل 13.7 مليار سنة، والذي أدى لتكون مليارات من المجرات الكونية بنجومها وكواكبها. واعتقد العلماء سابقا بأن الحياة بدأت في بحار الأرض قبل 3.8 مليار سنة، واضطروا لتغير رأيهم حينما اكتشفوا مادة الكربون في بعض النيازك والنجوم المذنبة، والتي تعتبر دليل على وجود الحياة. لذلك يفترض بعض العلماء بأن أصل الحياة بدأ في الفضاء، وبأن هناك مليارات من الكواكب المسكونة بكائنات ذكية، والتي تبعد عنا التريليونات من الكيلومترات. ويعتقد الباحثون بأن الكويكبات حافظت على تكويناتها منذ نشأة الكون، بعدم تعرضها لنشاطات الجنس البشري، ولو أستطاع العلماء اكتشاف مادة الكربون ومواد أخرى فيها، سيكشفون أسرارا جديدة عن نشأة الكون وبدأ الحياة فيه. كما حقق علماء اليابان هدف تكنولوجي مهم من هذه الرحلة، بتجربتهم وتطويرهم مركبة فضائية وزنها خمسمائة كيلوغرام، ولا يزيد حجمها عن حجم سيارة صغيرة، وبها مستقبلات تحول الطاقة الشمسية لطاقة كهربائية وكهرومغناطيسية. وقد استطاعت هذه المركبة قطع مسافة ست مليار كيلومتر، لتنجح تكنولوجية الرحلات الفضائية الطويلة بمحركاتها الأيونية الأربع، كما طورت تكنولوجية الإبحار الفضائي الذاتي، وحسنت التصوير الفوتوغرافي والشعاعي واللوني الفضائي وآلية إرسال معلوماتها للأرض من بعد مسافة قدرها 300 مليون كيلومتر.
وتعتمد محركات مركبة هايابوسا-1 على جهاز دفع أيونات يعمل بالبلازما، بدل طاقة الوقود العادي. وتختلف جزئيات مادة quot;البلازماquot; عن الوقود العادي بأن ذراتها لا تتساوى عدد البروتونات والالكترونات فيها، فذراتها أيونية ومشحونة كهربائيا، بينما تكون ذرات الوقود العادي متساوية في عدد البروتونات والالكترونات، وخالية من الشحنات الكهربائية. وتؤدي الشحنة الكهربائية في البلازما لزيادة قدرتها على نقل التيار الكهربائي، فتزيد من سرعة جزيئاتها بمرورها في حقل كهرومغناطيسي، لتدفع المركبة بسرعة متصاعدة مستمرة. ويقوم محرك الصورايخ التقليدية بحرق الوقود الكيماوي لينتج طاقة دفع كبيرة، تخرج المركبة من الغلاف الجوي ضد الجاذبية الأرضية، بينما يدفع المحرك الأيوني أيونات البلازما في حقل مغناطيسي يؤدي سرعة دفع ذراته لاختراق الجاذبية الأرضية بسرعة متصاعدة، وبقوة دفع تستمر لعدة سنوات، وتزداد سرعتها مع الوقت. ويعمل العلماء في اليابان على تطوير محرك أيونات أسرع وأقل استهلاك للطاقة، باستخدام مولد موجات الراديو، لتسخين ذرات غاز الأرغون، لتغلي الكتروناته، وتطفر بعضها، لتكون البلازما. وحينما تندفع البلازما من خلف الصاروخ تقوى قوة دفعها بتسخين الايون لدرجة المليون فرنهايت وبمرورها في حقل كهرومغناطيسي. ويدرس علماء اليابان زيادة هذه السرعة باستخدام الطاقة النووية، ليمكن الوصول لكوكب المريخ خلال 39 يوما، والذي يحتاج اليوم لحوالي سنة كاملة. فهل سيحقق علماء اليابان كل هذه الأحلام الفضائية؟ ولنا لقاء.

سفير مملكة البحرين في اليابان