كالمعتاد مع كل إرتفاع لنسبة الكولسترول بالدم أضطر الى إستعمال الحبوب لمدة شهر للمساعدة على تخفيضها قبل أن تضربني الجلطة القلبية نتيجة تراكم الدهونات، وأنتقل من هذه الدنيا التي أصبحت عندي لا تساوي شروة نقير بسبب ما أراه وألمسه يوميا من شيوع الفساد في مختلف مرافق الحياة وتجرد تجار هذا الزمن الزفت من ضمائرهم الإنسانية والجشع الذي يعمى عيونهم من الإلتفات الى معاناة الناس..
لقد أصبح تجار اليوم رؤوسا للفساد والإفساد في كردستان مستفيدين من الشراكة التي تجمع الكثيرين منهم مع متنفذي السلطة ما يسمح لهم بتجريعنا نحن المواطنين السم الهارف كل يوم، سواء بالمواد الغذائية التي يستوردونها وهي غير صالحة حتى لإطعام الكلاب المسعورة الضالة، أو من خلال الأدوية التي يستوردونها من باعة العربات المتجولة بالخارج، وإلا فإن تلك الأدوية تزيد من وطأة الأمراض التي نعاني منها بدلا من أن تعالجها؟!.
قبل شهرين إرتفع الكولسترول بدمي فذهبت الى الطبيب ووصف لي دواءا مخفضا للكولسترول، ودفعت ثمن علبة الحبوب بإثنا عشر ألف دينار ما يعادل عشر دولارات وهي تحتوي على 30 حبة. بعد إكمال الحبوب ذهبت لإجراء الفحص الدوري فوجدت بأن الكولسترول الذي كان نسبته 220 قد وصل الى 360؟!. راجعت الطبيب مرة أخرى فأكد لي بأن الحبوب التي إستعملتها كانت منتهية الصلاحية، فوصف لي نوعا آخر أكد لي بأنها أصلية ومن منشأ أوروبي.. وهذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها بوجود أدوية أصلية وعادية، ولكن في كردستان بلد العجائب وبتحكم تجارها الفاسدين بكل مفاصل الحياة أصبح كل شيء فيها واردا.. إشتريت الدواء بـ 58 ألف دينار ما يعادل خمسين دولار تقريبا، قال لي الصيدلي بأنه دواء تركي والذي إستعملته سابقا هو دواء إيراني المنشأ؟!!.
وعندما دخلت في جدال مع صاحب الصيدلية حول غلاء أسعار الأدوية، قالquot; هذه العلبة هي الصغيرة 10 ملغم، والكبيرة منها 20 ملغم تباع بثمانين ألف دينار؟!. وقارن تلك الأسعار مع راتب الموظف أو المتقاعد وما يمكن به شرائه من الأدوية في حال تعرضه للمرض.
قد تكون كردستان هي البقعة الوحيدة بالعالم التي يتجرد تجارها من ضمائرهم وذلك بسبب غياب الرقابة الحكومية على البضائع المستوردة، ولعلها تكون من قلة دول العالم التي يتولى فيها التجار مهمة إستيراد الأدوية وأكثرهم بطبيعة الحال لا يحملون أية شهاة أو كفاءات علمية، وحتى لو عندهم ذلك فما عندهم ضمير، وإلا كيف يستوردون مثل هذه الأدوية الفاسدة يغتنون بها دون أن يحسبوا أي حساب لصحة المواطن.
ثم كيف تسمح الحكومة للتجار بأن يضطلعوا بهذه المهمة التي تتعلق بحياة البشر وهي مهمة أعتقد بأنها مسؤولية الحكومة والدولة حصرا وليس حفنة من التجار الجشعين الذين يتلاعبون بحياة الناس للحصول على ملايين الدولارات الحرام.
رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني ومعه رئيس الحكومة برهم صالح وكذلك البرلمان الكردستاني يعملون جميعا اليوم من أجل إصلاح الأمور بالإقليم، وقد تعهدوا جميعا بالقضاء على الفساد في جميع مرافق الحياة الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، وأنا أدعوهم من هذا المنبر الى ترك كل الأمور الأخرى وحصر جهودهم فقط على هذا الجانب المهم المتعلق بحياة البشر وهو تأمين سلامة الغذاء والدواء للمواطن.
كنت قد كتبت في مقال سابق حول تجارة المواد الغذائية الفاسدة التي تعلن الحكومة يوميا عن مصادرة آلاف الأطنان منها على المنافذ الحدودية، فيما تتسرب آلاف الأطنان الأخرى الى أسواق الإقليم من وراء ظهر الحكومة أو تحت أنظار وحماية مسؤولين متنفذين يسعون بدورهم الى السحت الحرام مستعجلين الإغتناء على حساب المستضعفين من أبناء كردستان، ففي كل يوم نقرأ ونسمع عن مصادرة وإحراق تلك الأطنان من المواد الغذائية والتي تأتي بمعظمها من إيران، ولكننا لم نسمع يوما بمعاقبة التجار الذين يستوردون تلك المواد الى أسواق كردستان.ووصفت بمقالي تلك الحالة بجريمة إبادة بشرية، وهي فعلا كذلك لإن إطعام الملايين من البشر بالأغذية الفاسدة ما هي إلا جريمة متعمدة عن سابق إصرار وتصميم يفترض أن يعاقب عليها تجارها بالإعدام ليكونوا عبرة لمن يعتبر. وأعتقد بأنه لو تم إعدام عدد من هؤلاء التجار لما تجرأ الآخرون على إرتكاب مثل هذه الجرائم البشعة التي تؤدي الى إنتشار أمراض لم نسمع بها منذ أكثر من خمسين سنة في كردستان.
اليوم تمتليء أسواق كردستان بالأغذية الفاسدة ما يتسبب بإنتشار مختلف أنواع الأمراض، وعندما يراجع المواطن الذي يصيب بالمرض جراء تناول مثل هذه الأغذية الفاسدة يدفعونه الى إستعمال أدوية منتهية الصلاحية، فهل هناك قتل متعمد أكثر من ذلك؟؟
إن ما يحدث اليوم بكردستان من تسيب واضح في هذا المجال هو كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة وخصوصا في القطاع الصحي بسبب الغلاء الفاحش في أسعار الفحص والعلاج، فإذا تعرض أي شخص الى المرض يضطر الى دفع 15 ألف دينار للطبيب لمجرد الكشف عليه، وهذا الطبيب سيحوله الى المختبر الذي يكون صاحبه شريكا معه، ثم يحوله تارة أخرى الى الأشعة وهو أيضا شريك الطبيب في المورد، وأخيرا الى الصيدلية وصاحبة شريك ثالث للطبيب، ويخرج منها المريض محملا بكميات كبيرة من الأدوية منها غير الضرورية بل بعضها خطيرة لا توصف في الدول المتقدمة مثل المضادات الحيوية التي يصفها الطبيب عندنا لكل مريض دون أي رادع حيث أنها تتسبب في إضعاف مناعة الجسم لذلك يتردد الأطباء بدول العالم من وصفها لمرضاهم،، أضف الى ذلك الأسعار الجنونية للأدوية التي تكلف المواطن مبالغ طائلة فيخرج في كل مرض يصيبه أو أحد أفراد عائلته بمصاريف كبيرة تتجاوز حدود المائة أو المأتين دولار حتى لو كان مصابا بنزلة برد أو إلتهاب بسيط بالحنجرة؟!.
أدعو حكومة الإقليم وقيادته الى التدخل الفوري لمعالجة هذه المشكلة الحياتية وفي مقدمة المعالجات منع التجار من إستيراد الأدوية وحصرها فقط بوزارة الصحة،كما أدعوها الى تشديد الرقابة على المنافذ الحدودية لمراقبة دخول الأغذية وإنزال العقاب الصارم بموردي الأغذية الفاسدة لكي يلمس المواطن الكردستاني جدوى كل هذه الإجراءات الرامية الى معالجة الفساد والإصلاح في إقليم كردستان..
والسلام على من إتبع الهدى.
التعليقات