العام الحالي عام انتخابات مهمة في عدد من الدول الكبرى: أميركا، روسيا، فرنسا، ألمانيا. وهناك أيضا الانتخابات الإيرانية الصورية!
بالنسبة للدول الغربية المذكورة، فإن الأزمة المالية ndash; الاقتصادية ستكون المحور الرئيس في هذه الانتخابات، وخصوصا ما يخص مكافحة البطالة وتوفير الأعمال.
القضايا الخارجية أيضا تثار، وستثار، في معمعة الانتخابات القادمة. وبقدر ما يخص أوباما، فلعل الورقة الخارجية الرئيسة التي يعتمد عليها هي تصفية بن لادن. وقد أثيرت اتهامات لبعض دوائر إدارته بكونها سلمت أسرارا دقيقة لمخرجة الفيلم المنوي إنتاجه عن الحدث المذكور. وبرغم أن المفترض إنتاج وعرض الفيلم بعد الانتخابات، لكن ليس مستبعدا أن يقعا في عشيتها، فتكون quot; ضربة معلمquot;.
لقد علقنا في حينه على أهمية مقتل بن لادن، سياسيا ومعنويا ورمزيا، وقد كان ضربة مهمة للقاعدة والإرهاب الإسلامي عموما. ولابد من التذكير بأن الخطة كانت موضوعة زمن جورج بوش، وكانت الأجهزة الخاصة في عهده تعد لذلك، ولكنها أخطأت بوضع ثقتها بالمخابرات الباكستانية والجيش الباكستاني، ومشاركتهما في الموضوع، فتسرب الخبر للقاعدة وبن لادن ولم تنجح الخطة. ويعتمد أوباما أيضا على الانسحاب من العراق وكأنه جاء إيفاء بوعوده الانتخابية مع أن الانسحاب جرى تنفيذا لاتفاقية اعتمدت زمن الإدارة السابقة.
دشن أوباما عهده وهو يعتقد أن كل شرور العالم وتحديات الأنظمة الخارجة على القانون الدولي- مثل كوريا الشمالية ونظام الفقيه ndash; كانت بسبب سياسات جورج دبليو بوش، وأنه- أي اوباما- سيكون قادرا على إعادة المتمردين الخطرين للصواب عبر التفاوض المباشر معهم بلا شروط. وكان ما كان من مفاوضاته بلا شروط مع إيران، ونعرف أن الذي ربح هو النظام الإيراني بعد ثلاث سنوات من ذلك quot;الحوارquot;، مما اضطر إدارة أوباما لللجوء لسلاح العقوبات مرة بعد مرة وإن كانت هذه العقوبات غير رادعة. وأما نظام كوريا الشمالية، فيواصل التحدي النووي واستباحة وإفقار شعبه.
والآن، ونحن في عام الانتخابات الأميركية، فإننا نجد أمامنا التالي: واشنطن تتوسل للحوار مع طالبان، ويعتقد أنها ستطلق سراح عدد من كوادر طالبان الموجودين قي غوانتينامو وتسلمهم لقطر لتسلمهم بدورها لطالبان بعد أن تم فتح مكتب لطالبان في قطر. إن ما نعتقده هو أن طالبان لن ترضى بأقل من الانسحاب السريع لجميع القوات الأجنبية والعودة لفرض هيمنتها على أفغانستان، ربما بشراكة مع كرازي يكون فيها مجرد دمية لا غير. وتجد طالبان أفغانستان سندا قويا من طالبان باكستان، والحركتان تتلقيان دعما من المخابرات الباكستانية. وقد وصل التوتر في العلاقات الأميركية ndash; الباكستانية حدا مقلقا. والمشكلة هنا أيضا هي حيازة باكستان على القنبلة النووية، التي قد تقع في أيدي القاعدة أو طالبان بعد ان كانت باكستان قد سلمت إيران أسرارا تقنية مهمة عن كيفية صنع القنبلة.
لقد كتبنا سابقا عدة مقالات عن باكستان، وكان مشرف لا يزال رئيسا ومقربا من واشنطن فيما أدي مقتل بينزير بوتو لانفجار أزمة داخلية كبرى. وقد كثفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من الضغوط على مشرف لإجراء الانتخابات التي أدت لإزاحته ومجيء حكومة مترجرجة وغير محصنة تجاه ضغوط الجيش والمخابرات التي احتضنت بن لادن وأسكنته قرب العاصمة. وقد أدلى رئيس الجمهورية زرداري بتصريحات هامة لصحيفة quot; لو فيجاروquot; الفرنسية في عددها بتاريخ 15 ديسمبر 2008، أبدى فيها مخاوفه من تطورات الأوضاع الباكستانية. وقد اعترف فيها بأن باكستان هي quot; رجل آسيا المريضquot;، وأنها مصابة بسرطان الإرهاب. وقد طالب بمساعدة الغرب للتغلب على الصعوبات السياسية والأمنية والاقتصادية التي تواجهها بلاده. أما اليوم، فإنه وحكومته عرضة لابتزاز الجيش والمخابرات، وتحولت علاقة التحالف مع الولايات المتحدة لما يشبه علاقات عداء. وهكذا تكشفت الأمور عن كونها ليست بالبساطة التي كان اوباما يفهمها بمثاليته اليسارية وبهوسه في فعل عكس بوش في كل شيء.
خلال الأعوام الثلاثة الأولى من عهده، لم يعر أوباما الأهمية نفسها التي كانت الإدارات السابقة تعيرها للتحالف مع دول الأطلسي، ولم يقم بزيارات دول غربية إلا في العام الماضي، واعتذر عام 2010 عن عدم قبول دعوة لحضور اجتماع رؤساء الاتحاد الأوروبي، كما لم يشارك في احتفالات برلين بمناسبة ذكرى سقوط جدار برلين. وفي الخطة الإستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها نرى التوجه الرئيسي إلى آسيا والمحيط الهادي، وخاصة العلاقات المزدوجة مع الصين- تعاونا ومنافسة حادة.
لقد وعد اوباما في القاهرة بولادة الدولة الفلسطينية خلال عام، وها نحن والمفاوضات في مأزق والاستيطان مستمر. ولعل الإدارة الأميركية لعبت دورا سلبيا في هذا الوضع بإبداء اللين المفرط تجاه إيران كدولة تعرقل الحل السلمي مع الضغط على إسرائيل في البداية للقبول بوقف الاستيطان قبل التفاوض، أي ربط التفاوض بهذا الشرط مع أن التفاوض لا يكون تفاوضا إن جرى بشروط. وقد انتقد عبد الرحمن الراشد في حينه رفض الجانب الفلسطيني العودة للمفاوضات إلا بشرط وقف الاستيطان. النتيجة اليوم، أن الإدارة الأميركية أغضبت، في وقت واحد، إسرائيل والفلسطينيين والعرب. فمرة كانت تزايد لحساب الفلسطينيين، ثم تتراجع أمام ضغوط الكونغرس، ونعرف خطابه حول المشروع الفلسطيني عن اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين كعضو.
وفيما يخص المنطقة عموما، فإن أميركا تركت العراق وهو في أعمق أزمة سياسية منفتحة على كبريات الأخطار. وتركت إيران وهي تصعد من نشاطها النووي، وإذ نسمع تصريحات أميركية متناقضة ومتضاربة يوميا عن النشاط الإيراني هذا. وكما كتبنا عام 2009، فإن الإدارة الأميركية قد تتعايش مع القنبلة الإيرانية برغم كل العقوبات ولغة التهديد والتحذير. وليس من الصدف أن يصرح كارتر منذ أيام بأن لا خطر من حيازة إيران على القنبلة ما دامت لإسرائيل أسلحة مماثلة. ومهما يكن، فإن أوباما ليس على استعداد لاتخاذ موقف حاسم من إيران قبل الانتخابات، فهمه الأول اليوم هو تجديد الرئاسة.
وبالنسبة للانتفاضات العربية، فإن نتائجها جميعا لم تكن لصالح التطور الديمقراطي، بل لصالح التيارات والقوى الإسلامية، من سلفيين وإخوان، وحتى جهاديين. ولعل الوضع المصري هو الأكثر إثارة للقلق. وقد مدت واشنطن يديها للإخوان بحرارة، وكأنها مقتنعة بأنهم يكونون ملتزمين باللعبة الديمقراطية، وسيفون بوعودهم. وقد علقنا على مواقف الإسلاميين في مقالات عديدة، ولا حاجة للتكرار. وما نؤكده هو أن المنطقة كلها تدخل عصرا شتائيا إسلاميا، إخوانيا- خمينيا، وأن أحلام الديمقراطية والأنظمة المدنية ستظل أحلاما إلى مستقبل بعيد. وإن الغرب يخطئ تماما حين يخص الإسلاميين وحدهم بالترحيب والرعاية، تاركا وراءه القوى والتيارات العلمانية والتنويرية. إن الاعتراف بنتائج الانتخابات واجب، والحوار مع الإسلاميين الفائزين وارد في العمل الدبلوماسي. أما إهمال القوى اللبرالية والعلمانية وإدارة الظهر لها، فهذا شيء آخر وسلبي للغاية. وهناك أيضا حقيقة أن ثقة الدول العربية، التي كانت تعتبر حليفة للولايات المتحدة، قد ضعفت بالدولة الكبرى بسبب سرعة تخليها عن الحلفاء مع مجاملة الخصوم والأعداء.
أما العلاقات مع روسيا، فالسياسة الروسية الخارجية اليوم تكاد تذكر بأيام الحرب الباردة. وكان أوباما قد قدم تنازلات كبرى لروسيا في موضوع الدرع الصاروخية، التي كان هناك قرار واتفاق بنشرهما في تشيكيا وبولونيا، ولكن تم التراجع مراعاة لروسيا. ومرجح جدا نجاح بوتين في الانتخابات القادمة برغم نشوب موجة معارضة داخلية، لكنها غير موحدة وليست من القوة بحيث تعيق فوز بوتين. وسياسة روسيا الحالية هي في الحقيقة سياسة بوتينية، ومن ذلك الموقف من الوضع السوري، وكما رأينا خاصة في الجلسات الأخيرة لمجلس الأمن. ولكن لو صحت قراءة البعض لهذا الموقف من أنه سيؤدي لإقناع بشار الأسد بالتخلي عن الرئاسة، فسيكون ذلك نجاحا للدبلوماسية الروسية التي تجد ليوم نفسها في وضع حرج جدا بسبب موقفها السوري. وفي الوقت نفسه، سيكون ذلك إنقاذا لسورية والمنطقة من حرب داخلية سورية قد تكون في منتهى الشراسة والدموية. ولكن ألا يبدو من المبالغة تفاؤل البعض باحتمال نجاح الروس في إقناع الأسد بالتنازل، هذا إن كان ذلك حقا ضمن خطتهم السورية؟؟ الأيام القادمة ستحمل الجواب.


الخلاصة: إن العالم وأحوال الدول وسياساتها ومشاكلها أكثر تعقيدا من تبسيط أوباما ومستشاريه لها، وقد عاد ليمارس بعض ما كان بوش الابن يمارسه من سياسات وإجراءات، ومن ذلك أيضا أن معتقل غوانتينامو باق برغم كل صرخات التنديد والتبشيع التي كان يطلقها سابقا ضد وجود هذا المعتقل، واعتباره منافيا للقيم الأميركية ووصمة عار. وأما من قام بتوزيعهم على بعض الدول من المعتقلين، فإن العدد الأكبر منهم عادوا إلى درب الإرهاب القاعدي.
لقد ألحقت الأزمة المالية الأميركية العاصفة ضررا كبيرا بالاقتصاد والدور العالمي الأميركيين، ولكن تذبذب وتنقلات سياسة أوباما الخارجية، وتعدد وتضارب وجهات نظر مستشاريه التبسيطيين- ولاسيما نائبه بايدن- قد ألحق أضرارا أكبر بدور الولايات المتحدة على الصعيد الدولي برغم أنها لا تزال القوة الأعظم. مارس أوباما سياسة ضرب الحلفاء والتودد للأعداء فلم يكسب أحدا.