يخوض السيد نوشيروان مصطفى النائب السابق للأمين العام للإتحاد الوطني الكردستاني ( السيد جلال طالباني) الإنتخابات البرلمانية القادمة في كردستان بقائمة مستقلة، بعد أن حول شركته الإعلامية الى ما يشبه منظمة سياسية تمهيدا لتحويلها مستقبلا الى حزب سياسي جديد يراد له أن يكون منافسا إن لم يكن بديلا عن الحزبين الحاكمين حاليا quot; حزبا بارزاني وطالباني quot; وليس طرح نفسه كتيار وسط.


ففي ظل إصطفاف الحزبين الغريمين جنبا الى جنب، وتوقيعهما لإتفاقية تحالف إستراتيجي طويل الأمد، يطرح السيد نوشيروان مصطفى نفسه كتنظيم سياسي منافس للحزبين وليس كتيار وسطي أو ما أصطلح على تسميته في كردستان بـquot; الخط الثالثquot;، وهو تيار ينتظر الشعب الكردي نشوئه بأمل كبير quot;.

لقد مني الجناح الذي كان يقوده السيد نوشيروان داخل الإتحاد الوطني بهزيمة كبرى في الإنتخابات الحزبية الداخلية قبل أعوام، فلم يجد بدا من الخروج من قيادة هذا الحزب وترك موقعه كرجل ثان في هرم قيادة الإتحاد الوطني، ولا أحد يعلم أسباب تقهقره وهروبه من مواجهة الأوضاع الناشئة في تلك الفترة، رغم أنه لم يعلن لحد الآن عن خروجه الرسمي من تركيبة قيادة الإتحاد الوطني الكردستاني.

لقد كان الرجل يتمتع بسلطة قوية داخل قيادة الإتحاد، فماضي الرجل النضالي وعطائه الفكري لا يستطيع أي أحد أن ينكرها له، وقيادته للتيار الإصلاحي داخل الإتحاد الوطني مكنته من حشد عدد كبير من قيادات وكوادر وأعضاء الإتحاد حوله، وكان بإمكانه كقائد إصلاحي أن يصمد أمام التيارات الأخرى لحين إنعقاد المؤتمر الحزبي، ليطرح خططه الإصلاحية ويحسم من خلاله الكثير من المشاكل والأزمات التي بدأت تعصف بالإتحاد الوطني، خصوصا مع سقوط النظام السابق ودخول الإتحاد الوطني في العملية السياسية بالعراق، ومن ثم إضطرار قيادة الإتحاد الى عقد شراكة قوية مع غريمه السابق الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود بارزاني، ولكن لحاجة في نفس يعقوب إنسحب السيد نوشيروان من المواجهة بكل هدوء، مديرا ظهره للمئات وبل والآلاف من أنصاره ومؤيديه الذين إلتفوا حوله، وإتجه نحو إنشاء شركة إعلامية تصدر فقط صحيفة يومية وتدير محطة فضائية وموقعا أخباريا على شبكة الإنترنيت؟؟!!!.


لم أستوعب في البداية خطوة السيد نوشيروان بتأسيس تلك الشركة الإعلامية بعد أن كان يحتل الموقع الثاني في الهرم القيادي داخل الإتحاد الوطني ويمتلك صلاحيات واسعة جدا، بل صلاحيات مطلقة في ظل غياب الأمين العام السيد جلال طالباني عن كردستان بسبب تبوئه لمنصب رئيس العراق، وكنت أنتظر منه على الأقل أن يعلن عن تشكيل حزب جديد تحت قيادته خصوصا وأن جميع المستلزمات والظروف الذاتية والموضوعية كانت متاحة أمام إعلان تأسيسه لحزب جديد تمهيدا لخوض الإنتخابات البرلمانية القادمة في كردستان بقائمة منفردة.


ولكن يبدو أن الرجل كانت لديه أفكارا أخرى لم يطلع عليها أحد، فإختلطت الأمور حتى على أقرب مساعديه، فكيف بكاتب متابع مثلي قد لا يلتقيه إلا لماما أو في المناسبات.


وكنت ألتقي كثيرا بقيادات كانت محسوبة على تياره الإصلاحي داخل الحزب، وكنت ألمس منهم مرارة في حديثهم عن إنسحاب السيد نوشيروان من الإتحاد، وشكوكهم بنواياه وخطواته القادمة، فيبدو أنه قد إنقطع حتى عمن آزروه وساندوا خطته الإصلاحية داخل الإتحاد الوطني.

بقيت معلقا بأمل أن يعود السيد نوشيروان الى صفوف الإتحاد الوطني، خصوصا وأن الرجل كانت له مواقف ووقفات شجاعة في الأوقات العصيبة التي يمر بها الإتحاد خلال سنوات نضاله الطويلة، وأن الإتحاد في الفترة الأخيرة بدأ يواجه تحديات كثيرة مع قرب موعد إجراء الإنتخابات البرلمانية في كردستان، وكذلك إنتخابات البرلمان العراقي، فقد كنت أترقب عودته الى الإتحاد الوطني، خصوصا وأن ملفات كثيرة بقيت معلقة مع بغداد، منها ملفات تتعلق بمكاسب قومية للشعب الكردي، وكذلك ظهور ملامح التغيير في التحالفات السياسية القائمة على المستويين الكردستاني والعراقي، والتي كانت تهدد الإتحاد الوطني ومستقبله السياسي سواء في المركز أو الإقليم، والى حين لقائي به قبل فترة لم أتأكد إلا لحظته من خروجه النهائي عن صفوف الإتحاد الوطني بعد أن أكد لي بشكل قاطع وحازم عدم عودته الى صفوف الإتحاد الوطني مرة أخرى.

لطالما تساءلت مع نفسي عن الأسباب التي أدت به الى إتخاذ ذلك القرار الخطير في حياته السياسية، فقد حدثت إنشقاقات عديدة في صفوف الأحزاب الكردستانية، ولكني لم أجد في كل تلك الإنشقاقات أن يقودها من هو مؤسس للحزب؟!. فالسيد نوشيروان هو أحد مؤسسي الإتحاد الوطني، وقاد الحزب الى جانب رفاقه في أصعب أيامه، وواجه بكل شجاعة وبسالة تداعيات تلك الإنشقاقات،وبذل جهودا مضنية لإعادة ترميم بيت الحزب الداخلي، فلم أستوعب كيفية إنشقاقه عن الإتحاد وهو أحد مؤسسيه الأوائل، وأحد دعاماته التنظيمية والنضالية؟!.

على كل حال أعلن السيد نوشيروان عن نيته بخوض الإنتخابات البرلمانية القادمة بقائمة منفصلة، وسيمضي في ذلك حسب إعتقادي حتى النهاية، ولا أستطيع أنا أو غيري منعه من هذا الحق الشرعي، ولكن في إطار التساؤل المشروع سأشير الى خطأين كبيرين إرتكبهما السيد نوشيروان أرجو أن يتسع صدره للإعتراف بهما أو رفضهما.

الخطأ الأول، أعتقد بأن السيد نوشيروان طالما يرفع في قائمته الإنتخابية شعار quot; التغيير quot; كان ينبغي عليه أن يحشد أنصاره ويجند مؤيديه لخوض إنتخابات رئاسة الإقليم وليس تضييع أصوات مؤيديه في إنتخابات برلمانية يتنافس عليها أكثر من عشرين قائمة وكيان سياسي.


فلعل السيد نوشيروان وهو أدرى مني بطبيعة السلطة والزعامة في كردستان، ويعلم جيدا بأن الأحزاب الكردستانية تعاني معظمها من التسلط الدكتاتوري، وأن ولاءات قواعد تلك الأحزاب في العادة، إنما هو للزعماء وللقائد الأوحد للحزب وليس للمؤسسات الحزبية أو الحكومية، وبالتالي فهو يدرك جيدا بأنه ليست هناك أهمية كبيرة لنسبة المقاعد البرلمانية أوالحقائب الوزارية مادام زعيم الحزب أو قائده الأوحد هو المرجع الأول والأخير للقرارات، سواء الحزبية أو الحكومية..


والسؤال الذي يطرح نفسه هو، ماذا لو حصلت قائمة السيد نوشيروان ولو إفتراضا على نسبة تؤهلها لتسلم قيادة حكومة الإقليم، فهل في ظل وجود رئيس للإقليم الذي يتمتع قانونيا بصلاحيات مطلقة كانت تلك الحكومة قادرة على إدارة شؤون الإقليم، خصوصا وأن منصب رئيس الإقليم هو أعلى سلطة سياسية في إقليم كردستان؟!.


وهل كان بإمكان تلك الحكومة أن تنفذ برنامجها للتغيير، ورئيس الإقليم هو من حزب منافس له، وهناك مسافات تباعد طويلة تفرق بينه وبين قائمة السيد نوشيروان، فكيف يتسنى لتلك الحكومة أن تجري التغيير الذي ينشده الشعب الكردي والذي أصبح شعار قائمة التغيير التي يقودها السيد نوشيروان؟!.

الخطأ الثاني، كان ينبغي على السيد نوشيروان إن أراد فعلا إجراء تغيير حقيقي في كردستان ووضع العملية السياسية الجارية فيه على مساره الصحيح، أن يتحالف مع قائمة الإتحاد الوطني الكردستاني لخوض الإنتخابات البرلمانية القادمة، ولا أقول أن يعود الى صفوف الإتحاد الوطني طالما أن رغبته ليست كذلك، ولكن كما يقال فإن السياسة، مصالح وفن الممكنات، وليست هناك في السياسة صداقات دائمة أو عداوات مستديمة، فلماذا لم يتحالف السيد نوشيروان مع قائمة الإتحاد الوطني ليخوضا معا الإنتخابات البرلمانية القادمة بقائمة مناقسة للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يعتبرتقليديا الحزب المنافس لكليهما؟!.


أعتقد بأن السيد نوشيروان لو فكر منذ البداية بعقد ذلك التحالف، لما وجد معارضة كبرى داخل الإتحاد الوطني، خصوصا وأن القاعدة العريضة للإتحاد الوطني كانت تنتظر بشغف إعادة اللحمة الى جسد الإتحاد الوطني ولم شمل رفاقه، وأن تلك القاعدة كانت تضغط بإستمرار بذلك الإتجاه بكل قوة الى حين إعلان السيد نوشيروان إنفصاله ورغبته بخوض تلك الإنتخابات بقائمة منفصلة عن الإتحاد الوطني.

في الختام أعتقد بأن السيد نوشيروان يريد بخوضه لتلك الإنتخابات بقائمة منفردة توجيه ضربة قاصمة للإتحاد الوطني الكردستاني الذي كان هو بذاته أحد مؤسسيه، وليس الى أحزاب ما زالت تعتبر أعداءا تقليديين له.


عندما يدرك المراقب السياسي أن السيد نوشيروان مصطفى كان هو مؤسسي الإتحاد الوطني الكردستاني، عندها لا يملك سوى أن يعبر عن دهشته لما آلت إليه الأوضاع السياسية في كردستان، والى مدى تغليب الصراعات الشخصية على الصراعات الفكرية.

شيرزاد شيخاني

[email protected]