كولومبيا والمكسيك أكثر المتضررين
الأزمة المالية وتأثيرها على أميركا اللاتينية

نهى احمد من سان خوسيه
تحاول حكومات في أميركا اللاتينية مثل حكومة كوستاريكا وكولومبيا وباناما التقليل من شأن انعكاسات أزمة السوق المالية في الولايات المتحدة الأميركية، لكن بعضها فرض مراقبة صارمة على المصارف محاولة منها لعدم الوقوع في الأزمة نفسها التي وقعت فيها الأرجنتين في التسعينات عقب الفضيحة المالية التي ما زالت آثارها إلى الآن.

فالحكومة في سان خوسيه ربطت نقدها الكولون منذ سنوات بالدولار مما جعله رهينة لكل المؤثرات وهذا خفض سعر صرفه في الأيام الماضية حوالى عشرة في المئة. والأمر ليس أفضل من باناما، لان الحكومة هناك تخشى على اكبر مشروع بدأت به منذ أكثر من عام، وهو توسيع قناة باناما لتنافس قناة السويس ، والمستثمرون في هذا المشروع أيضا نخبة من أصحاب الملايين الأميركيين والمؤسسات المالية الأميركية. وتدهور الوضع المالي الأميركي قد يضع علامة استفهام حول مصير المشروع.

إلا أن محللين ماليين يقولون ما زالت الأزمة عند أبواب البلدين ولم تدخلها بعد والوضع الاقتصادي ما زال بمنأى عن التأثيرات السلبية، لكن الأمر مختلف مع كولومبيا.

فمشكلة السوق المالية الأميركية تهدد هذا البلد بشكل واضح، لان الولايات المتحدة في مقدمة البلدان التي يجمعه معها شراكة تجارية مهمة، أو يمكن القول إنها الأساس للتجارة الخارجية.

لكن يقول المحلل المالي كارلوس اوبيرا ما زالت كولومبيا بعيدة من مخاطر الأزمة ولن يكون لها التأثير المباشر، والدليل على ذلك عدم تضرر البورصة أو قطاع المصارف كما هو الحال في المكسيك. رغم ذلك يخشى من تراجع الطلب الأميركي على الثروات الطبيعية الكولومبية وبدأ بالتراجع بشكل طفيف ، وإذا ما تواصل وزاد فهذا يهدد النمو الاقتصادي الكولومبي ويهدد بالركود الاقتصادي إضافة إلى احتمال تراجع الاستثمارات الأميركية فيه وتجميد كل طلبات القروض الموقعة، لكن بالدرجة الأولى توقيف توقيع معاهدة التجارة الحرة بين البلدين.

وما تخشاه الحكومة الكولومبية أيضا تراجع الطلب الأميركي على المواد الخام التي تشكل العامود الفقري لصادراتها وانخفضت أسعارها، خاصة الألمنيوم والبلاتين والذهب والفحم حجري والنفط، إذا ما زادت خطورة الأزمة المالية الأميركية.

والمصارف في المكسيك كما يبدو ليست محصنة بشكل جيد لمواجهة أزمة خطرة مثل أزمة المال الحالية .

ويعتقد خبير المصرف أورلاندو بادارو قد تكون سنوات الخير قد انتهت، إذ إن نسبة 85 في المئة من الصادرات المكسيكية الخارجية مرتبطة بالولايات المتحدة.عدا عن ذلك فان الكثير من المكسيكيين اقترضوا في السنوات الماضية مبالغ كبيرة من المصارف معتمدين في تسديدها على التحويلات المالية التي تأتيهم من أقاربهم المهاجرين في الولايات المتحدة وبدأت تتراجع الآن.

ودفع هذا الوضع وزير المال المكسيكي اوغوستو كارستنس الى الاعلان بصراحة والقول انه ضرب من الخيال إذا اعتقدنا أننا غير متأثرين بالأزمة المالية الأميركية. وهو لا يستبعد ان يتوقف التصدير إلى الولايات المتحدة ويتوقف تدفق السياح الأميركيين إلى بلاده.

ويأتي حديث الوزير الخالي من التفاؤل رغم أن النظام المالي المكسيكي مستقر منذ سنوات بعد أن تجاوز أزمته المالية عام 1994، وزاد التشاؤم عدم استبعاد انريكه كاستيلو رئيس اتحاد المصارف المكسيكية احتمال حدوث مفاجآت غير سارية، فالكثير من المصارف المكسيكية ملك لأجانب أو فروع لمصارف في نيويورك وغيرها.

ولا تتحدث البرازيل وفنزويلا عن التأثيرات التي قد تطال اقتصادها نتيجة الأزمة المالية العالمية، لكن التصريحات التي أدلى بها قبل يومين الرئيسان الفنزويلي اوغو تشافيس و البرازيلي اوغنسيوس لولا دي سيلفا لم تأت من الفراغ.

إذا يأملان بان يتمكن الرئيس الأميركي جورج بوش من تنفيذ خطة حزمة الإنقاذ وحل المشكلة المالية في بلاده بأسرع وقت ممكن. والسبب بكل بساطة أن جزءا كبيرا من نفط البلدين يصدر إلى الولايات المتحدة الأميركية رغم تهديد تشافيس بقطعه عنها. ولان اقتصاد البلدين يعتمد بالدرجة الأولى على إيرادات النفط، يخشيان بدورهما من فقدان زبون مهم حتى ولو كان العدو اللدود. وبغض النظر عن تمنيات الرئيسين فان أزمة أسواق المال الأميركية أطاحت بأسعار المواد الخام وأدخلت القلق إلى نفوس المضاربين في كل أسواق بورصة بلدان أميركا اللاتينية، حتى أن بعضهم يخشى من الدخول في نفق مظلم وخطر، إذ سجلت البورصة البرازيلية منذ بداية الأسبوع تراجعا لأسعار معظم الأسهم حتى ثماني نقاط وفي فنزيلا وصل التراجع إلى حد الخمس في المئة ، كما وان النقد الوطني في الكثير من بلدان أميركا اللاتينية فقد أرضيته فسجل والريال البرازيلي انخفاضا في سعر صرفه وصل إلى خمسة في المئة.

ولقد نصح المليونير اللبناني الأصل كارلوس سليم بلدان أميركا اللاتينية تقوية أسواقها الداخلية وبلدان مثل المكسيك والبرازيل وشيلي والبيرو والتوجه إلى استثمار الأموال في إنشاء الطرقات وتطوير البينة التحتية وتأسيس مصانع إنتاجية صغيرة ومتوسطة وخلق أماكن عمل، لأنها الوسيلة الأنجع لمواجهة أي انتكاسات اقتصادية مقبلة.

وحسب تقرير نشره البنك الدولي فقد بلغ حجم التحويلات إلى منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي حوالى 60 بليون دولار أميركي خلال عام 2007، ما يجعلها أكبر المناطق المتلقية للتحويلات في العالم النامي. غير أن هذا المبلغ لا يمثل إلا زيادة 6 في المئة، وهي نسبة ضئيلة للغاية إذا ما قورنت بالزيادة السنوية في الفترة بين عامي 2000 و2006 والتي بلغت في المتوسط 19 في المئة، وخلص إلى أن بعض الآثار الإيجابية للتحويلات تشمل ارتفاع معدلات الادخار وانخفاض مستويات الفقر وتحسن مؤشرات التعليم والصحة، إلا أن الأمور قد تشهد تغيراً كبيراً إن لم تتخذ الحكومات خطوات عاجلة لتسهيل تدفق التحويلات وتعظيم تأثيرها الإنمائي.

ومن بين النتائج الأخرى ذات الصلة في التقرير ذاته أن بلدان مثل المكسيك والسلفادور وباراغواي، تساعد التحويلات أشد فئات المجتمع فقراً، بينما في بلدان أخرى مثل نيكاراغوا وبيرو وهايتي، تستفيد الطبقة المتوسطة بشكل أكبر من التحويلات.

معظم المهاجرين من المكسيك وأميركا الوسطى يأتون من السكان الذين حصلوا على أدنى مستويات التعليم. وعلى النقيض، يتمتع المهاجرون من بلدان البحر الكاريبي وأميركا الجنوبية بمستويات تعليم أعلى من بقية السكان في بلدانهم الأصلية.