أتى إعلان الحكومة الجزائرية عن استيراد 2.5 مليون طن من الإسمنت مطلع الخريف المقبل لسد حاجيات البلاد ليفجّر الجدل مجدداً حول مدى قدرة الصناعة المحلية على تحقيق الاكتفاء الذاتي، طالما أنّ الخطوة تتناقض مع تأكيد الجهات الرسمية على وفرة ما تنتجه الجزائر من مواد البناء.
الجزائر: يرى حسين جماي أحد ناشطي قطاع الإنشاءات العامة في الجزائر أنّ قرار سلطات بلاده باستيراد ما يربو عن الثلاثة ملايين طن ونصف من الأسمنت خلال أقل من عام، أمر غير مفهوم، تبعاً لكون وزير السكن والعمران نور الدين موسى، شدّد قبل فترة على أنّ الإنتاج المحلي كاف لتجسيد المشاريع كافة التي يتضمنها المخطط الإنمائي (2010 ndash; 2014).
ويقدّر جماي أنّ اللجوء كالعادة إلى الاستيراد، يعني ببساطة عجز المصانع الـ12 الموجودة في الجزائر، عن تلبية حاجيات البلاد من معدات البناء، خصوصاً مادة أساسية بحجم الأسمنت، شأنها في ذلك مادة الحديد التي سقطت في مستنقع الندرة والمضاربة، ما جعلها تُباع بضعفي سعرها الحقيقي، في صورة تختصر اختلال ميزان العرض والطلب، على حد تعبير محدثنا.
ويحيل جماي على وضع منظومة إنتاج مواد البناء، بالقول إنّه وفقاً لتقرير رسمي، جرى الإقرار بمعاناة مؤسسات القطاع من عديد السوالب بسبب ارتفاع كلفة الأعباء وجمود الأسعار، ما أجبر 85 % إلى الاستنجاد بقروض مصرفية، ويواجه 14 % منهم مشاكل في الحصول عليها.
كما يرى أحمد بن قعود رئيس الاتحاد الجزائري لمقاولي البناء والعمران في تصريح لـquot;إيلاف، أنّ معطيات الميدان تكذب تأكيدات الحكومة بانتفاء وجود أزمة في مواد البناء، ويستدل بن قعود بكون مشكلة الحديد جمّدت بشكل كبير ربع ورش الإنشاءات العامة، وأدت أيضاً إلى سير أخرى بإيقاع بطيء جداً، رغم كل التطمينات الرسمية بكون الإنتاج المحلي سيشهد نقلة نوعية، لا سيما بعد الإعلان عن رصد مخصصات بقيمة 780 مليون دولار لإنعاش المصانع المملوكة للحكومة ودفع استثماراتها.
في الجهة المقابلة، يجزم محمد بن مرادي وزير الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار، بعدم صحة التخمينات القائلة بوجود عجز، ويعزو الوزير سببية الاستيراد إلى حتمية الاستجابة للطلب الكبير والمتزايد على مستوى الورش الكبرى مثل مشروع الطريق السيار شرق/غرب، وغيره من المشاريع السكنية والخدماتية المتضمنة في المخطط الإنمائي الجاري تنفيذه.
ويلفت المسؤول الحكومي إلى بلوغ إنتاج بلاده من الأسمنت 18.2 مليون طن خلال العام الأخير، بينها 63 % أنتجتها مؤسسات مملوكة للحكومة، ويشرح بن مرادي أنّ بلاده تراهن على مخطط لتطوير استثمارات مجمع اسمنت الجزائر، لذا رصدت غلافاً بقيمة 141 مليون دينار لبلوغ طاقة إنتاجية تربو عن العشرين مليون طن سنوياً من الأسمنت، و7 ملايين طن من مواد البلاط، وقد أبرمت إدارة المجمع اتفاقيات تمويل بشروط تفضيلية مع اثنين من المصارف.
ولتفنيد مزاعم المنتقدين، يستدل بن مرادي بمؤدى تحقيق ميداني حديث، أكّد الصحوة التي تشهدها صناعة مواد البناء في الجزائر خلال النصف الأول من العام الجاري، بعد حالة من الركود المزمن، وهو انتعاش يُتوقع استمراره خلال السنة الحالية، وذلك بفعل الحركية التي يشهدها كل من قطاعي السكن والإنشاءات العامة، بما يؤشر على إمكانية تحقيق تحول أكبر في آفاق العام 2014.
ويشير التحقيق الذي أعدّه الديوان الجزائري للإحصائيات (هيئة رسمية)، إلى أنّ مواد البناء خلال الفترة السابقة تميّزت بارتفاع الطلب، تماماً مثل أسعار البيع، ويلاحظ معدو التحقيق أنّه بالرغم من ارتفاع أسعار المواد المُنتجة، إلا أنّ الطلب على مواد البناء ارتفع خلال الفترة السابقة، ما أدى إلى تلبية 96 % من الطلبات، فيما ذكر 87 % من مسؤولي المؤسسات الذين جرى استجوابهم، أنّ لديهم مخزونات من المُنتجات المصنعة، ما سمح لـ4 % من المؤسسات بالتصدير، فيما تمتلك 2 % عقود تصدير بالنسبة إلى الأشهر المقبلة.
وأشار التحقيق كذلك إلى استعمال 92 % من القدرات الإنتاجية لمواد البناء، بعدما كانت بحدود 75 % فحسب، بيد أنّ الدراسة الميدانية تنقل على لسان 86 % من رؤساء المؤسسات، اعترافهم بكون مستوى تلبية الطلبات على المواد الأولية، يبقى دون الحاجيات المعبر عنها، في وقت أفيد أنّ 2 % فقط من المؤسسات سجلت نفاذاً للمخزونات، بينما عانت 15 % من المؤسسات انقطاعات عن العمل بسبب أعطال في الكهرباء وصلت مدتها بنحو ستة أيام، ومع ذلك أبدى المنتجون ثقة بقدراتهم على تحسين الإنتاج من خلال تجديد التجهيزات ودون توظيف المزيد من العمال.
وفي مقام رئيس، يرى متابعون أنّ السلطات الجزائرية تعتزم من وراء جنوحها إلى استيراد الأسمنت، لوضع المؤسسات المعنية بمشاريع المخطط الإنمائي، أمام مسؤولياتها وسحب البساط من تحت أي تبرير لتأخيرات محتملة بداعي الندرة، بعد الذي أفرزته أزمة ربيع 2008، وأدت آنذاك إلى تجميد 65 ورشة، والزجّ بمئات العاملين في إجازة إجبارية غير محددة الآجال.
وظلت الحكومة الجزائرية تتحدث مراراً عن تطلعها إلى رفع الإنتاج المحلي، هذا الأخير قد يشهد دفعة مع دخول العملاق الفرنسي quot;لافارجquot; إلى السوق الجزائرية، غداة شرائه مصنعين في الجزائر، ناهيك عن امتلاك quot;لافارجquot; لـ35 % من رأسمال مصنع quot;مفتاحquot; المملوك للحكومة لقاء دفعه 44 مليون يورو، وتخطيط مسؤولي المجمع الفرنسي لإنتاج 15 مليون طن من الأسمنت بحلول سنة 2015، في وقت تعاقدت مجموعة quot;سوناطراكquot; الجزائرية مع المجمع السويسري quot;هولسيمquot; لإنجاز مصنع للأسمنت في محافظة غليزان الغربية في صفقة زادت قيمتها عن 180 مليون دولار، ما سيتيح بحسب خبراء لإنتاج الجزائر من 30 إلى 40 مليون طن من الأسمنت، سيما إذا ما تجسدت مشاريع المجمع الخاص quot;سفيتالquot; لإنجاز وحدات أسمنتية حديثة، وكذا مصنع إنتاج الحديد في محافظة جيجل (460 كلم شرق الجزائر).
التعليقات