كشفت قوات الأمن السعودية عن أكبر مخطط إرهابي يستهدف شرايين البلد الاقتصادية. تلك الحادثة تعيدنا قسراً إلى نقاش ظاهرة الإرهاب، ورغم أن كاتب هذه السطور-كغيره من المواطنين- تابع كافة تمفصلات الإرهاب، وأرخى آذانه إلى المحللين والخبراء في الاستديوهات، الذين ينعسون في الفنادق المدفوعة الثمن حتى تأتي طامة تجرهم إلى الاستيديو فيهرفون بكلام كثير، فيقولون كل شيء إلا quot;التحليل العلميquot;. نجدهم يتكاثرون كأسراب الجراد على المحطات والفضائيات من ينعتون أنفسهم بالمحللين والخبراء، بينما لا يسمنون ولايغنون من جوع. المهم أن quot;ظاهرة الإرهابquot; رغم مضخات الأجوبة التي تفرزها وسائل النشر والإعلام يومياً إلا أنها-في نظري- لازالت سؤالاً. والجهد الذي يبذل لتحويل مسألة الإرهاب إلى quot;ظاهرة واضحةquot; جهود صحافية تقريرية لا ترقى إلى الجهود العلمية الرصينة.

حدث 11 سبتمبر مثلاً، يعتبر الحدث الأعنف، وهو الحدث الذي أحببنا تجاوزه وتناسيه، رغم دلالاته الفضيعة، ورغم الأسئلة التي ينتجها. وكأنه هو المنعرج الذي انتظره الناس منذ الذعر الذي صاحبهم قبيل ظهور الألفية الجديدة، صحيح أنه أتى بعد الالفية بسنة وتسعة أشهر، إلا أنه كان المنعطف الحقيقي لمسار السياسات ولمسار رؤية الناس لعيشهم وحياتهم، وهذه هي الأحداث الكبرى-كما يقول نيتشه- quot;التي لاتفهم من قبَل من يعاصرونها إنها تكون من الكثافة بحيث لا تكشف الأجيال المواكبة لها مكنوناتهاquot;. والإرهاب بوصفه quot;حدَثاًquot; رمزياً بات مهدّداً لحياة ومصائر الملايين من البشر ولا نزال نحللها تحليلات بدائية بعيداً عن مكنوناتها العميقة وذجورها الفعلية ومحركاتها الأساسية.
تحوّل الأمن إلى هاجس دولي، وكأن البشر يخطّطون لأن يكون نصفهم حرّاس ونصفهم تحت الحراسة، في جوّ من الشك البيني مريب، وكأننا نستعيد رؤية-توماس هوبز- حينما قال quot;بذئبية الإنسانquot; ونستعيد من قال quot;بأصالة الشرّquot; والذين حمل عليهم بول ريكور في كتابه quot;الإنسان الخطأquot; كأن الشر الآن بدأ يعود بعد أن خرج من قمقمه وبدأ يضرب في كل اتجاه، بحثاً عن أي نفسٍ يزهقها إرضاءً لمبادئ فكرية اعتنقها وتربى عليها منذ الصغر من دون مراجعة أو مواربةٍ أو تصحيح.

بات من المهم أن ندرك أن بين quot;التشددquot; و quot;العنفquot; شعرة، فالمتشدد مشروع قنبلة موقوتة من الممكن أن تنفجر في ايّ لحظة، وما لم يكن لدور المؤسسات التربوية والتعليمية دور في تحصين المجتمعات من أن تلد خلايا بمثل هذا الحجم من التفخيخ والعنف، فلن نكون بمنأى عن العنف والإرهاب والبطش. إن quot;الإرهابquot; له أوجه متعددة، له أوجه خفية وعلنية، له أجندة متعددة، ودور الكتّاب والمحللين في الكسف الدائم لذلك المكنون، أما الإرهاب بوصفه quot;بنيةquot; جماعية فيحتاج اكتشافه أو البحث عنه إلى جهود دولية وجماعية لدراسته واجتثاثه.

إشكالية الإرهاب العظمى، كون السياسات العالمية تستغلّه، وتتمنى نموّه، لأن كل حدثٍ يؤمّن مصلحة لها، عبر التغلغل في الشؤون الداخلية للدول، وعبر استخدام تلك الأحداث لتنمية مصالح شركاتها الخاصة، وفتح الجبهات في كل اتجاه من أجل البحث الدائم عن جوّ آخر تنفذ من خلاله أرجل امبراطوريات لخطبوطية، تستغلّ جرائم الإرهاب لنهب مقدرات الشعوب، وإسقاط الأنظمة ونشر الفوضى، تلك علامات أساسية من المفترض أن تكون حاضرةً في أذهاننا أثناء تعاملنا مع سؤال الإرهاب، كما أن سؤال الإرهاب نفسه أيضاً ليس جاهزاً، إنه سؤال بصورته وآليات عمله، ولكن السؤال الفعلي والجوهري حول الإرهاب في السعودية خاصةً لم يطرح بعد، والمعالجات ليست جادة وكلها اجتهادات فردية لا ترقى إلى مستوى المسؤولية العلمية، الدور الآن منوط بمؤسسات الإعلام التي تختلط يومياً مع الناس في بيوتهم أن تستضيف من يعون حجم هذه الظاهرة وخطرها بعيداً عن التسطيح.

[email protected]