يتعدى قتل المغنية الباكستانية غزالة جاويد كونه مجرد جريمة وسط آلاف الجرائم التيتعج بها بلادها والعالم يومياً. ففيه أيضا رسالة تخويف للجيل الجديد من المغنيات ووأد في المهد لمواهبهن ومساهماتهن الضرورية في المسيرة الفنية ببلدها المحافظ.
بيشاور:في 18 من الشهر الحالي فقد عالم الغناء أحد أهم أصواته عندما أودى قاتلان على دراجة نارية مسرعة بحياة المغنية الباكستانية الشهيرة غزالة جاويد بوابل من الرصاص في أحد شوارع بيشاور. وراح والدها الذي كان برفقتها في هذا المشوار الأخير ضحية لهذا العمل الإجرامي أيضاً.
وقد ترددت أصداء هذه الجريمة التي قطفت غزالة في زهرة شبابها (24 عاما) ليس في باكستان وحدها، وإنما بمختلف أرجاء العالم حيث إستنكر معجبوها سواء من بني جلدتها أو من عشاق الموسيقى العالمية هذا الحادث المؤلم. ذلك أن هذه المغنية صارت صوت الشباب الباكستاني (والأفغاني) وآماله في مستقبل آمن صالح للخلق والإبداع، والجميع أحترمها لشجاعتها في تحدي ظلامية الطالبان.
لكن غزالة، كأنثى، عاشت على حد السكين منذ أن بدأت مشوارها الفني راقصة في اقليم سوات الشمالي الغربي المتاخم لأفغانستان وهي في سن السادسة عشرة. وبلغ بها الضيق حد أنها اضطرت في 2009 - وسط المناخ الديني المتزمت الذي فرضه عناصر طالبان - للفرار مع اسرتها من مسقط رأسها بعدما طالتها شخصياً تهديدات الحركة الأصولية.
وهناك تزوجت جهانجير خان، في فبراير / شباط 2010، وأرغمها زوجها وأسرته على إعتزال الغناء، وإمتثلت لرغبتهم قسراً، لكنها لم تتحمل الحياة معه، فطلبت طلاقها منه في المحكمة في اكتوبر / تشرين الأول 2011 لأنه، من جهة، حاول منعها من الغناء ووضع نهاية لحياتها الفنية، ومن الجهة الأخرى، اكتشفت أن له زوجة ثانية.
ويذكر أن طلب امرأة الطلاق من زوجها أمر يعتبر غريبا، خصوصا في شمال غرب باكستان المغالي في محافظته.
وبالعودة لتفاصيل الجريمة كانت غزالة ووالدها يسيران في أحد شوارع بيشاور بعد مغادرتها صالوناً للتجميل بالمدينة. وفجأة سقط الاثنان في بركة من دمائهما ضحيتين لنيران مكثفة من رجلين كانا يستقلان دراجة نارية مسرعة. وبعد نقلهما الى المستشفى أعلنت السلطات الصحية وفاتها بست رصاصات في جسدها بينما توفي والدها جراء رصاصة واحدة في رأسه. ودفن الاثنان في اليوم التالي بموطنهما في سوات.
ونقلت منافذ الإعلام على الإنترنت عن ديلاوار بنغاش، الناطق باسم شرطة بيشاور، القول إنها لا تعتقد أن عناصر طالبان هي التي تقف وراء الجريمة. ووجهت أصابع الاتهام، بدلا عن ذلك الى laquo;عملية انتقام من زوجها السابقraquo;، جهانجير خان، قائلة إن تحقيقاتها الأولية تشير الى أن laquo;خلافا أسريا داخليا ربما يكون هو الدافع الى الجريمةraquo;. وأضافت شقيقتها، فرحة، صوتها الى هذه الاتهامات.
وكانت غزالة قد لكن المراقبين يشددون على خطأ استبعاد العنصرين الديني والسياسي ممثلين في طالبان، التي فرضت هيمنتها بالكامل على سوات من 2007 إلى 2009، وأشاعت جوا غير مسبوق من الخوف وسط المواطنين. وقد تم لها هذا عبر سلسلة من أعمال القتل الوحشي - بما فيه قطع الرؤوس - ومهاجمة مدارس البنات وإحراق متاجر بيع المنتجات الموسيقية على سبيل المثال.
واستهدفت الحركة الأصولية - بزعامة رجل دين يسمى فضل الله - المغنيات والراقصات بشكل خاص، وهو ما أدى لفرار غزالة. واستمر هذا الوضع الى أن أصدرت الحكومة أوامرها الى الجيش الباكستاني باستعادة laquo;منطقة أصولية مارقة على بعد 60 ميلا فقط من العاصمة إسلام أباد الى حظيرة الدولةraquo;، وهو ما حدث.
وكانت غزالة تغني بلغتها الأم وهي البشتو وأصدرت - إضافة الى أغانيها المنفردة - سبع ألبومات في الفترة 2009 - 2011، كانت بين أفضل المبيعات خاصة وسط المتحديثين بالبشتو في شمال غرب باكستان وفي دول المهجر، متحدية ظلامية الطالبان. وكانت تسجل أغنانيها في دبي
ونقلت وسائل الإعلام عن مغني البشتو الشهير بختيار خاتاك قوله إن مقتل غزالة laquo;خسارة عظيمة في مسيرة ثقافتنا الموسيقيةraquo;. وقال: laquo;الأسوأ من هذه الخسارة نفسها أن مقتلها على هذا النحو المريع يشكل تحذيرا الى سائر الموهوبات في البلاد من مغبة المضي قدما على طريق الفن. وحتى في حال تحديهن لهذا الوضع العسير فستكبح القيود الأمنية والأسرية مساهماتهن المهمة في تراث البلاد الموسيقى... ومن هنا يتخذ هذا الفقد أبعاده الهائلة ويصبح كارثة حقيقيةraquo;
التعليقات