إيلاف من لندن: في هذه الحلقة الثانية عشرة من مذكرات الرئيس السنغالي "السنغال في القلب"، يقول ماكي صال إنه أن الاوان لكسر الصورة النمطية السلبية الشائعة عن أفريقيا، مشيرًا إلى أن هناك من يقول إننا سنصبح عبيدًا للصين لأنها ستحكم قبضتها على زمام الاقتصاد الأفريقي.

على صعيد آخر، قال الرئيس صال إن السِّنِغال دولة علمانيَّة ليست لها أيَّة صبغة دينيَّة، وإن كان الدُّستور يوضح أن عليها مُصاحبة النَّاس في أداء شعائرهم التَّعبُّديَّة ومساعدتهم على أدائها في أفضل الظُّروف. في هذا الإطار، يضيف الرئيس السنغالي، تقوم الدَّولة في بعض الأحيان ببناء المساجد والكنائس، مثل المزار المريميِّ في بوبانغين للمواطنين السنغاليين المسيحيين.

إنَّها لَعلمانيَّة، يقول الرئيس صال، يجب فهمها، بصفة إيجابيَّة. فالدَّولة لا تتدخَّل في أمور الشَّعائر التَّعبُّديَّة، ولكنَّها تواكب المواطنين لأدائها.

وفي ما يلي الحلقة الثانية عشرة.

الولايات المتَّحدة الأفريقيَّة

آن الأوان لكسرِ الصُّوَر النَّمطيَّة السَّلبيَّة الشَّائعة عن أفريقيا. إن الدُّول الأفريقيَّة لا تعيش على مَدِّ يدِ التَّسوُّل إلى أغنياء العالم. علينا أن نُخرِجَ أنفسَنا من هذه الدَّائرة الجهنَّميَّة لطلبِ المعونات، ونسعى إلى توفير شروط الاستدانة مِن الأرصدة الماليَّة العالميَّة المُخصَّصة للتَّنمية.

إنَّ هذه الاستدانة هي مَا قامت به أوروبَّا بعد الحرب، وكما تفعل الآن دول في آسيا واميركا. فإن بعض الدُّول بإمكانها الوصول، بالفعل، إلى الاستدانة من هذه الأرصدة الماليَّة العالميَّة، أمَّا نحن، فالرَّقابة علينا شديدة للغاية، والشُّروط كثيرة. لا بُدَّ من أن تكون تلميذًا طيِّعًا في هذا الأمر أو ليبراليًّا في ذلك.

إنكم لا تجذبون المستثمرين

في بعض الأحيان، تكون الشُّروط المفروضة للاستدانة من هذه الأرصدة، تخالف مصالحنا الحيويَّة، من قبيل "إذا حاولتم حماية بلدكم بقوانين أكثر صرامة، يقولون لكم: "إنَّكم، بهذه الشُّروط، لا تجذبون المُستثمرين إلى دولتكم، ومن ثمَّ فإنَّ دولتكم لن تجدَ نقاطا جيِّدة عند التَّقييم".

في مجال الماليَّة العالميَّة، يبدو كأنَّنا في حلبة مُلاكمة، فُرِضَ علينا فيها استعمال يدٍ واحدة في وشاح! مهمَّة الاستدانة أسهل على الدُّول الأوروبية مِنَّا بكثير. لا يمكن مقارنة الدُّول الأوروبية، في هذا المجال، مع دولنا الَّتي حصلت على الاستقلال منذ خمسين سنة. وبعضُها حصلَت على إستقلالها منذ أقلَّ من ثلاثين سنة.

إنَّ بعض الوكالات جائرةٌ وغير مُتسامحة مع أفريقيا. وأعتقد أن هناك بعض الجهود الَّتي تُبذَل في هذا المجال من جميع الجهات، وبالتالي يجب علينا أن نستمرَّ في هذا الطَّريق، لكن مع تغيير قوانين اللُّعبة في أسرع وقت مُمكن.

تصور نمطي.. سنصبح عبيدًا للصين

إنَّ مفتاح هذا التَّغيير يبقى كامنًا في الوحدة الأفريقيَّة. هناك صُوَر نمطيَّة جديدة مفادها أننا سنصبح عبيدًا للصِّين، وأنَّ هذه الاخيرة ستحكم قبضتها على زمام الاقتصاد الأفريقيِّ.

حضور هذه الدَّولة في قارَّتنا ليس أمرًا جديدًا. فالبعثات الصِّينيَّة وُجِدَت في أفريقيا منذ أربعين سنة. في عهد ماو تسي تونغ، كان الصِّينيُّون موجودين، اذ جاؤوا ليساعدوا بعضَ الدُّول في قضايا مُتعلِّقة بالتَّحرُّر.

في البداية، كانت هذه العلاقة سياسيَّة، ثمَّ أصبحَت اقتصاديَّة تِبعًا للتَّطوُّر الجبَّار الَّذي حقَّقته الصِّين. ومنذ أكثر من عقد من الزَّمن، أدركَت بكِّين القدرات الدِّيمغرافيَّة والاقتصاديَّة الكامنة في أفريقيا.

الصِّين تستثمر في أفريقيا كما أنَّها تستخدم مصادرها الماليَّة للمساهمة في تنميتِنَا؛ إذ لا بُدَّ من بناء طرق وجسور ومُستشفيات ومولِّدات للطَّاقة. وكلُّ هذا يتطلَّب الكثير من المال.

فالصِّين تقوم بدورها حقًّا، كما أن لها، أيضًا، مصالحها الَّتي تدافع عنها. كلُّ دولة عندها مصالح تدافع عنها، هذه حقيقة بديهيَّة، ونحن أيضًا نسعى جاهدين لتكونَ مصالحُنا موضوعة في الحُسبان.

سنغاليون يلوحون بالأعلام الصينية والسنغالية عند وصول الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى دكار في 21 يوليو 2018

يكمن الفَرق بين أوروبا والصِّين، في أن هذه الاخيرة الأخيرة، لا يهمُّها في تعاملها معنا إلَّا الجانب الاقتصاديَّ.

فيما يتعلَّق بالمسائل المجتمعيَّة والثَّقافيَّة، نحن نختلف مع الأوروبيين في بعض الأحيان. وكلُّ دولة يجب أن تتمكَّن مِن تطبيق قوانينها دون أدنى عائق. هناك قضايا مُجتمعيَّة وثقافيَّة يجب حَلُّها في إطار المرجعيَّات الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة لكلِّ دولة. لكن الصِّينيِّين لا يتدخَّلون، بتاتًا، في هذا المجال لفرض رؤاهم الخاصَّة.

حسنات التعامل مع الصين

من حسنات التَّعامل مع الصِّين أيضًا، أنَّها تُقدِّم قروضًا طويلة الأجل تتراوح ما بين 25 و 30 سنة، كما تكون هذه القروض بنسب مائوية ضعيفة من الفوائد، مع مُدَّة دفع طويلة، يمكن إنجاز المشروع خلالها.

الرِّهان الحقيقيُّ يكمن في نقلِ التِّكنولوجيا، وأن يكون المهندسون الأفارقة قادرين على إنجاز هذه الأشغال الإنشائيَّة الضَّخمة، وأن يسمح استغلال مصادر الثَّروة في أفريقيا بتحقيق تقدُّمها الذَّاتيِّ.

أمَّا مع العالَم الغربيِّ، فإنَّ الإجراءات طويلة جدّا، ففي بعض الأحيان، يتطلَّب تحضيرٌ أوَّليٌّ لبناء منشأة كبيرة مدَّة ثلاث إلى خمس سنوات. ويتعلَّق هذا التَّحضير بتحديد الوضع الرَّاهن، والتَّمويل الفعليِّ، وإقامة الميزانيَّة، وتقديم العروض التَّنافسيَّة. وهذه الإجراءات تستغرق وقتًا طويلًا، بينما المشكلة تكمن في أن الَّذين انتخبوكَ، يطلبون منكَ نتائج سريعة ومرئيَّة وملموسة.

لا بُدَّ من التَّذكير، بقوَّة وبصفة مُستمرَّة، بأنَّ الإجراءات الَّتي مِن شأنها إصلاح الأمور، بعمق، وتحسين حياة النَّاس، بصفة أساسيَّة، لا يمكن أن تتحقَّق في يومٍ واحد.

الرئيسان الصيني شي جين بينغ والسنغالي ماكي سال يصلان لحضور حفل افتتاح ساحة للمصارعة بنتها شركة صينية في دكار، في 22 يوليو 2018

كيف يُمكنك أن تُبرهن للنَّاخبين أنَّك تستحقُّ ثقتَهم، وأنت في عجزٍ تامٍّ وكامل عن إنجاز شيء ملموس خلال ولاية انتخابيَّة كاملة؟ الغريب أن يكونَ عجزُك هذا راجعًا إلى الأوضاع المفروضة عليك! لأجل هذا، علينا أن ننفتحَ على جميع دول العالم. وبهذا الانفتاح، ستكون الاستثمارات أكثر وأسرع وأيسر.

تربطُنا علاقات متينة مع دول منظَّمة التَّعاون الاقتصاديِّ والتَّنمية، الَّتي تُشكِّل لنا شراكة تقليديَّة مع الولايات المتَّحدة. إنَّ أُسطولنا الجوِّيُّ يتكون مِن طائرات بويينغ وإيرباص، وطائرات كنديَّة الصُّنع، مثل بومباردي، وبرازيليَّة الصُّنع، مثل امباراير. . إلخ. لقد دخلنا منذ فترة في الاقتصاد المُعولَم.

وتبقى الدَّائرة الثَّالثة لنا هي أفريقيا بكلِّ دولها الأربع والخمسين. بدأنا، بالفعل، في المساعي لإيجاد مُحيطٍ للتَّبادل الحُرِّ، سيكون الأكبر مِن نوعه في العالم. هذا المحيط سيحتاج إلى عملة مُوحَّدة له.

ليس هذا هو أهمَّ شيءٍ في الوقت الرَّاهن، بل إنَّنا سنسعى لإيجاد سوقٍ مُوحَّد للمنتجات المصنوعة في أفريقيا. ورغم أن قارتنا تخطو خطواتها نحو الوحدة، بيد أنَّها خطوات بطيئة، لأنَّها كانت تُعاني من صعوبات كثيرة.

من المهمِّ إتاحةُ الفرصة لأفريقيا كي تستمرَّ في هذه الجهود الرَّامية إلى تضافر الطّاقات ودعم وحدتِها وتقوية الاندماج بين بلدانها. وهذا الحُلم هو الَّذي يُعرَف باسم"الولايات المتَّحدة الأفريقيَّة". هذا الأمرُ سيأخذ وقتًا، لا شكَّ، لكننا سنصل إليه حتمًا.

أسلافنا وضعوا المعالِم خلال منظَّمة الوحدة الأفريقيَّة. ومنذ سنة 1991، تطوَّرنا نحوَ الاتِّحاد الأفريقيِّ الَّذي يتمتَّع بسُلطة أقوى بقليل، مع مفوضيَّة على مستوى القارَّة. في 2 مارس 2018، وقَّعَ الاتِّحاد الأفريقيُّ في كيغالي على ورقة ميلاد للولايات المتَّحدة الأفريقيَّة، وإنشاء محيط للتَّبادل الحُرِّ في جميع الدُّول الأفريقيَّة.

عندما تدخل هذه الإجراءات في حيِّز التَّنفيذ، فإنَّ البضائع ستكون خاضعةً لمعايير مُحيط مُشترَك، دون رسومٍ جُمركيَّةٍ ولا ضرائب.

الإسلام المُتنوِّر

السِّنِغال بلدٌ مُسلم بنسبة 95 في المائة، لكن ذلك لا يجعل مِنَّا، بأيِّ حالٍ من الأحوال، دولة إسلاميَّة. مع كلِّ هذا، إنكارَ واقع التَّديُّن في السِّنِغال لا يمكن تصوُّره. فهذا يعني إنكارَ أمرٍ واقعيٍّ وأساسيٍّ في مجتمعنا وتاريخنا وثقافتنا.

منذُ عشرين سنة، كانت مسألة الأصوليَّة الإسلاميّة مطروحة على السَّاحة الأفريقيَّة. وإزاء هذه الظَّاهرة، أخذَت دول كثيرة احتياطاتها اللَّازمة وهي تقول "إن مثلَ هذا الأمر ليس موجودًا عندنا، ولن يصلَ إلينا".

أمَّا في السِّنِغال، فإن إسلامَنا قائم على أُسس التَّسامح وقبول الآخَر.

أحد المصلين في مسجد "مسالك الجنان" الصوفي في دكار، بعد افتتاحه في 27 سبتمبر 2021

السنغال وطن مبارك

هناك زعماء دينيُّون مسيحيُّون من شمال أفريقيا، قالوا لي: "السِّنِغال وطنٌ مُبارك".

نشأ عندنا نموذجٌ من التَّسامح الدِّينيِّ، انتشر وانتقل في جميع بقاع العالم. ويتمثَّل في قيام تالا سيلا، عُمدة مدينة تياس المسلم بأداء نشيدٍ دينيٍّ مسيحيٍّ بمناسبة اليوميَّات العالميَّة للشَّباب المنعقدة بتاريخ 2018.

أنا بنفسي تابعتُ، عبرَ إحدى القنوات التِّلفزيونيَّة، التَّظاهرة الَّتي تناول عُمدة تياس فيها الكلمة. وتلا صيغة دينيَّة في تمجيد المسيح. وأنا أرى بأنَّ هذا الموقف يُعبِّر، إلى حدٍّ كبير، عن الكيفيَّة الَّتي يعيش بها النَّاس الدِّين في السِّنِغال.

عندما كنتُ الوزير الأوَّل، جرت العادة أن أتلقَّى بمناسبة عيد الأضحى، أعدادًا كثيرة من الأضاحي مِن مختلف مناطق السِّنِغال، وعيد الأضحى مهمٌّ جدًَّا عندنا في أفريقيا الغربيَّة، ويُسمَّى”العيد الكبير”.

ومِن التَّقاليد عندنا، أن يتلقَّى الوزير الأوَّل أضحيات كثيرة ليست لأجلِه هو، ولكن لتوزيعها على الأُسَر المحتاجة وعلى العاملين في مقرِّ وزارته.

روبرت وأضحية العيد

في إحدى السَّنوات، لاحظتُ أن جميع القائمين على الأمن في وزارتي، لم يحصلوا على هذه الأضاحي بمناسبة العيد. عندئذٍ قمتُ بإعادة الأمور إلى نصابها لكي يجد كلُّ واحد من هؤلاء العُمَّال أضحيته، ولكن مع كلِّ هذا، بقي واحدٌ لم يجدها، ولمَّا سألتُ، أجابني، بدلًا عنه، رئيسُه في العمل قائلًا: يا سعادة الوزير الأوَّل، لعلَّك تعني روبرت؟ (غيَّرتُ اسمَه أنا هنا)

فهمتُ مِن ذِكرِ هذا الاسم أن الرَّجل ليس مُسلمًا، لأجل هذا لم يتلقَ أُضحية.

عندئذٍ قلت: "إنَّكم يا إخواني، حرمتموه لأنَّ اسمه روبرت! لا أرى هذا مُنصفًا"، وكانت لهجتي تُشعرهم بالممازحة، ما حملَ الجميع على الضَّحِك، ولكنِّي واصلت قائلًا: "إنَّ عيد الأضحى في السِّنِغال يتخطَّى معناه الدِّينيَّ البَحت إلى معنىً أُسريٍّ اجتماعيٍّ، وحتَّى الَّذين ليسوا مسلمين يساهمون في النَّفقات المُتعلِّقة بهذا العيد مع أقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم. الآن، فإنَّ زميلنا يجب أن يتلقَّى أضحيته".

ثمَّ اقترحت عليه أحدَ الرَّأسين اللَّذين قُدِّما لي شخصيًا، قائلًا: "إمَّا أن تأخذَ أحد هذين الرَّأسين أو أعطيك ثمنَه. وبما أن الرَّجل كان أعزَب، فضَّلَ أخذ الثَّمن. وهذا الفعل منطقيٌّ بالنِّسبة له، ولكن هذه هي الكيفيَّة التي يجب أن يعيش النَّاس الإسلام وفقَها، لا بإقصاء الشَّخص الَّذي لا يُصلِّي مثلَ صلاتنا، نحن نعيش الإسلام في بلدنا، بصفة مُسالمة ومُتسامحة.

إنَّ أفريقيا كانت تدين، أوَّلًا، بالدِّيانة الوثنيَّة التَّقليديَّة، ثمَّ بالإسلام، فالمسيحيَّة.

هناك مَن يتحدَّثون عن الإسلام ويستشهدون بالآيات القرآنيَّة والأحاديث النَّبويَّة كما يحلو لهم. أمَّا الرَّسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكان رجلًا وسطيًّا وعادلًا في كلِّ شيء، لأجل هذا، أعطى الحرِّيَّة كاملة لبقيَّة الأديان في ميثاق المدينة المُنوَّرة. وورد أيضًا أنَّه لمَّا تعرَّض أصحابُه للأذى من أهل مكَّة، أمرَهم أن يهاجروا إلى الحبشة، وقَبِلَ المَلِكُ المسيحيُّ الذي كان حاكمًا في ذلك الوقت أن يستقبلَهم ويحميهم.

نحن في السِّنِغال، لنا حظُّ وجودِ هذا التَّسامح بيننا، بل جعلنا روحَه تسري في مؤسَّسات الدَّولة. هناك أُسَر تجمع في حضنها مسيحيِّين ومسلمين. إن مثلَ هذا الأمر يحدث كثيرًا، والزيجات المُختلطة العقائد ليست أمرًا نادرًا عندنا. وكلُّ إنسان حُرٌّ في خياراته.

نحن تمكَّنَّا من بناء أُمَّة على أساس قِيَم مُشتركة، وهذا جنَّبَنا النَّزاعات القَبَليَّة والعِرقيَّة، لأنَّ الفوارق الرَّاجعة إلى العِرق والقبيلة ليسَت غير قابلة للمحو. مثلًا، أنا مِن عرق تكلور، لكنَّ زوجتي مِن عرق سيرير، وللمرء أن يتساءل: ماذا سيكون عرقُ أبنائنا؟ ومن المهمِّ عدم اعتبار مثل هذه الفروق. فمُواطنونا، مهما كانت أصولهم، سنغاليُّون أوَّلًا وقبل كلِّ شيء. وهذا هو المهمُّ. والشَّيء نفسه هو ما يجب مُراعاته عند توظيف أيِّ إنسان في أيِّ عمل. فالشَّخص الَّذي يوظِّفُه، لا يسأله بتاتًا "هل أنت مُسلم أو مسيحي؟ ". إن مثل هذا ليس من الأمور الَّتي يجب أخذها في الحسبان.

دولة علمانية تصاحب الناس في أداء شعائرهم

مِن النَّاحية الدُّستوريَّة، فإنَّ السِّنِغال دولة علمانيَّة، ليست لها أيَّة صبغة دينيَّة، وإن كان الدُّستور يوضح أن عليها مُصاحبة النَّاس في أداء شعائرهم التَّعبُّديَّة ومساعدتهم على أدائها في أفضل الظُّروف. في هذا الإطار، فإنَّ الدَّولة تقوم في بعض الأحيان ببناء المساجد وكذلك الكنائس، مثل المزار المريميِّ في بوبانغين للمواطنين السنغاليين المسيحيين.

إنَّها لَعلمانيَّة، يجب فهمها، بصفة إيجابيَّة. فالدَّولة لا تتدخَّل في أمور الشَّعائر التَّعبُّديَّة، ولكنَّها تواكب المواطنين لأدائها.

إنَّ التَّمويل الجاري للأمور المتعلِّقة بالعبادة، قائم على قدمٍ وساقٍ ومسموح به، مَا لم يُعرِّض هذا التَّوازن للخطر. نحن مُنتبهون جدًّا لمصادر التَّمويل ولمحتوى خطب الأئمَّة في المساجد. إنَّنا لا نُحبُّ خطبًا تُحرِّض على الحقدِ والكراهية. في هذا الصَّدد، أرى أن مثلَ هذا التَّوجُّه المُتشدِّد لن يجد آذانًا صاغية في السِّنِغال.

مؤمن يحمل ملصقًا لسانت سيرين توبا مبكي خارج المسجد الكبير في دكار

علينا أن نبقى حذرين جدًا

مع كلِّ هذا، علينا أن نبقى حذرين جدا، وأن لا ننسى الدَّور المُهمَّ الَّذي تقوم به الطُّرق الصُّوفيَّة، لأنَّها تمكَّنَت مِن تنظيم الإسلام في السِّنِغال بطريقة خاصَّة. أن شعبنا يستعمل قرابة 10 لغات محلِّيَّة، وهذا يُقيم جدارًا في سبيل نشر أفكار التَّعصُّب.

العربيَّة لغة الإسلام، لكن التَّخاطب بين المؤمنين والأئمَّة، يتمُّ بلغاتهم الوطنيَّة. تتمُّ ترجمة رسالة الإسلام إلى لهجاتنا أكثر من قراءتها، مباشرة، باللُّغة العربيَّة.

هذه الطُّرق لها دور مُهمٌّ للغاية، لأنَّها تسمح للنَّاس أن يعيشوا بصفة مُتَّزنة ومُتجذِّرة في واقعنا المحلِّيِّ.

إنَّ التَّطرُّف الدِّينيَّ، يُشكِّل، في كلِّ وقت وزمان ومِن أيِّ تيَّارٍ كان، مشكلة حقيقيَّة. وهذه ليست المرَّة الاولى في التَّاريخ يقوم أُناس بتأجيج مشاعر الكراهية على أساس الخطاب الدِّينيِّ.

فمنذ عقد من الزَّمن أصبحنا نعيش هذه الظَّاهرة في شكل تنظيم القاعدة، ثمَّ الدَّولة الإسلاميَّة (داعش). هؤلاء يستخدمون الإسلام ويتحدَّثون باسمِه، بينما هذا الدِّين لم تعد له سُلطة زمنيَّة قائمة منذ سقوط الخلافة الإسلاميَّة.

إنَّ القرآن الكريم هو المصدر الَّذي يجب الاعتماد عليه لفهم كيفيَّة أداء العبادات والممارسات الدِّينيَّة الَّتي يجب علينا القيام بها. ومع كلِّ هذا، فإنَّ الفخَّ لا يزال منصوبًا، فهناك بعضُ الشَّباب الَّذين يمكن أن يصبحوا ضحايا التَّطرُّف بتأثير بعض التَّيَّارات الفكريَّة المُنحرفة، لكن، بحمدِ الله، فإنَّ أغلبيَّة النَّاس عندنا، لا يتبعون هذه التَّيَّارات.

التربية ومحاربة الاصولية

إنَّ أفضل طريقة لمحاربة الأصوليَّة الدِّينيَّة، هي التَّربية. بفضل التِّقنيات الجديدة، يُمكن للإنسان أن يقرأ القرآن الكريم من جوَّاله الذَّكيِّ والحصول على ترجمته إلى لُغاتنا الوطنيَّة. إن القرآن الكريم كتاب مُقدَّس, علينا أن نقرأه، حتَّى لا نقع ضحايا للتَّأويلات الفاسدة.

لكيلا يقع الشَّباب ضحايا لهذه الانحرافات، يجب علينا أن لا ننسى محاربة البطالة والاستسلام لتأثير الأفكار المُنحرفة والوقوع تحت تأثير الإحباط.

للوصول إلى هذا كلِّه، لا بُدَّ مِن إيجاد تطلُّعات مُستقبليَّة واعدة ومُبهجة للشَّباب، كما يجب على الأولياء أن يهتمُّوا بما يتابعه أولادُهم في الإنترنت، وأن يمارسوا سُلطتهم بكلِّ شجاعة ومسؤوليَّة.

في يوم الجمعة، مع الذَّهاب إلى المساجد، يستعمل السِّنِغاليُّون لباسَهم التَّقليديَّ الفضفاض مع أزرار. أنا أستعمل مثل هذا اللِّباس في أيَّام الجمعة والسَّبت والأحد. أمَّا النِّساء فيستعملنَ الزِّيَّ الأفريقيَّ مع خِمَار رائع.

إن هذا التَّعايش السِّلميُّ وقبول التَّنوُّع والاستعداد للتَّكيُّف، هي أمور سائدة في أفريقيا، بصفة عامَّة، وفي السِّنِغال، بصفة خاصَّة.