أصدرت محكمة التمييز الباكستانية قرارا بإلغاء مرسوم المصالحة الوطنية المزعومة والذي أصدره الرئيس السابق مشرف لتمهيد طريقه لتولي منصب الرئاسة للمرة الثانية بصفقة تحت الطاولة مع حزب الشعب الباكستاني في 5 من شهر أكتوبر عام 2007 وكان من المقرر الاقتراع للاستحقاق الرئاسي في اليوم التالي رغم مقاطعة مجلس العمل الموحد للانتخابات وإعلان انسحاب 86 نائبا له من جلسة التصويت.

اسلام اباد:وقد ألغى مشرف عن طريق هذا المرسوم آلاف القضايا المالية والجنائية المسجلة ضد السياسيين بين عام 1986 إلى عام 1999 ndash; أي من زمن ضياء الحق إلى زمن نواز شريف-. وأكبر المستفيدين من هذا المرسوم كان الرئيس الحالي زرداري والذي نشر عنه الإعلام الغربي أن لديه حسابات تحتوي على 1.5 بليون دولار في البنوك السويسرية في حين لا تملك ملكة بريطانيا إلا 450 مليون دولار. وكانت المحكمة قد ألغت هذا المرسوم بعد أيام من صدوره مبررة بأنه مرسوم تمييزي معارض للحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور للمواطنين؛ إلا أن مشرف أقال 62 قاضيا وفرض حالة الطوارئ في البلاد في 3 من نوفمبر عام 2007.

ومن المعروف أن حكومة زرداري اضطرت لإعادة القضاة المعزولين إلى مناصبهم بعد حملة شعبية وحركة قوية للمحامين إضافة إلى قيام حزب نواز شريف والأحزاب الأخرى بمسيرة طويلة إلى إسلام آباد خلال شهر مارس الماضي. ومنذ ذلك الحين والمحكمة بدأت عملها كمحكمة حرة تحظى بثقة المواطن، رغم تواجد مخاوف الفاسدين منها. والقرار الأخير جاء بعد أن طلبت المحكمة من الحكومة تمرير المرسوم في البرلمان؛ إلا أن حزب الشعب فشل في ذلك فشلا قلما يوجد له مثال في التاريخ السياسي. والوضع الناشئ من هذا القرار والذي صدف صدوره يوم سقوط باكستان الشرقية عام 1971، يبدو صعبا جدا للحزب الحاكم ولاسيما الرئيس زرداري وأعوانه الذين لا يزالون متشبثون بمناصبهم رغم الضغط الشعبي الشديد لتقديم استقالاتهم بسبب استئناف القضايا ضدهم.

والمستجدات التي تلت صدور قرار المحكمة تشير إلى أن زرداري لن يتمكن من مقاومة الضغوط المتزايدة من الجوانب المختلفة وبينها شريحة من حزب الشعب وحتى رئيس الوزراء أيضا والذي يرغب في حكم نزيه مع استبعاد المستفيدين من مرسوم المصالحة من مجلس الوزراء. والغد يوم السبت يوم هام في هذا الصدد إذ ستجتمع اللجنة المركزية لحزب الشعب برئاسة زرداري لبحث هذا الوضع الصعب، علما أن جيلاني تعرض لانتقاد شديدة خلال الاجتماع السابق للجنة المركزية والذي انعقد الشهر الماضي؛ لأنه انتقد المستفيدين من مرسوم المصالحة وأبدى نيته بتعديل مجلس الوزراء؛ إلا أنه لم يتمكن من ذلك بعد، رغم قيامه ببعض التعديلات من تغيير الحقائب الوزارية.

ويبدو أن الأمور كادت تنفلت من أيدي مخيم زرداري في حين يتقوى رئيس الوزراء مع كل دقيقة تمضي. ومن الجدير بالذكر أنه تم تضمين 247 اسما من أصل 248 اسما كشفت عنها الحكومة في قائمة الممنوعين من السفر إلى الخارج. وقد راح وزير الدفاع شودري أحمد مختار أول ضحية لهذا الحظر عندما لم يسمح له بالمغادرة إلى الصين في زيارة رسمية وأعيد إلى منزله من مطار إسلام آباد يوم أمس الخميس، بينما أصدرت محكمة كراتشي للمحاسبة مذكرة اعتقال وزير الداخلية عبد الرحمن ملك اليوم الجمعة لأنه مطلوب قضائيا في قضية لفساد مالي.

طبعا هذه الأمور أقضت مضاجع المخيم الرئاسي إلا أن الناطق باسم الرئيس فرحة الله بابر يؤكد أن الرئيس سوف يدافع عن نفسه بكل قوة. وبينما يرى الخبراء القانونيون أن طلب استقالات الوزراء المستفيدين من مرسوم المصالحة حالا ليس أمرا ضروريا من الناحية القانونية؛ لأن مجرد الاتهام لا يكفي لسحب أهلية أحد، بيد أن الجميع يتفقون على أن هذا الأمر لازم أخلاقيا. كما وأنه يمكن سحب الأهلية من الوزراء والمسؤولين المستفيدين من هذا المرسوم المزعوم بعد أن يتم إدانتهم في أي قضية. وفي تطور آخر رفضت باكستان تمديد التأشيرات لأكثر من 100 دبلوماسي أميركي حسب مصادر السفارة الأميركية في باكستان، في حين أشار البنتاغون إلى تواجد توتر في العلاقات الباكستانية الأميركية، بينما أكد قائد القوات المسلحة الجنرال كياني لرئيس القيادة المركزية الأميركية الجنرال مولن أنه لا ينبغي طلب المزيد من العمل من باكستان في المناطق القبلية.

وجميع هذه الأمور إذا تشير إلى شيء فهو إن باكستان بدأت تستفيق من سباتها أو غفلتها التي سادت عليها بسبب نشوة الصداقة مع الولايات المتحدة بعد حصول حوادث متكررة لتجول الأميركيين مدججين بالسلاح في العاصمة إسلام آباد ومدينة لاهور.
وترى مصادر أن الذين رفضت باكستان التأشيرات لهم إنهم ليسوا دبلوماسيين أصلا بل متقمصون للوضع الدبلوماسي لتغطية نشاطاتهم تحت غطاء الحصانة الدبلوماسية.
ويبدو من دراسة الوضع السائد في البلاد والتقلبات التي تحصل على الساحة السياسة أن الحكومة لن تتمكن من مقاومة قرار المحكمة وخاصة عندما بدأت تطبيق بعض أجزاء قرارها، في حين أعلن رئيس الوزراء جيلاني أنه سيتم تطبيق قرار المحكمة بمعنى الكلمة.

وإذا حدث ذلك فإن المراقبون يرون أن الرئيس زرداري في نهاية المطاف سيضطر لمغادرة قصر الرئاسة رغم أن الدستور يستثني الرئيس من المحاكمة ما دام رئيسا للبلاد؛ لأن مغادرة أعوانه لردهات الحكم ستتسبب في تهميشه أكثر فأكثر، بينما بدأت الأصوات تتعالى لطلب استقالة الرئيس. ويرى المحللون أن حزب الشعب إذا أراد البقاء في الحكم فليس أمامها إلا استبدال زرداري بشخص نزيه يحظى بمصداقية لدى الشعب وإلا لن تدوم الحكومة طويلا؛ لأنها لم تتمكن إلا من زيادة مشاكل المواطن العادي منذ توليه زمام الأمور خلال شهر فبراير عام 2008.