أندري ازولاي، يلقي كلمته في المتحف اليهودي في لندن

أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس أنّ خصوصية الهوية المغربية ترتكز على احترام الأديان السماوية، ومن ضمنها الديانة اليهودية، التي يمتد تاريخها في المغرب إلى ما يناهز ثلاثة آلاف عام، مشكلة بذلك أحد الروافد العريقة، التي انصهرت ضمن هوية وطنية مغربية موحدة، تستمد قوتها من غنى وتعدد روافدها.



قال العاهل المغربي الملك محمد السادس، في رسالة وجهها مساء أمس إلى المشاركين في معرض المغرب، الذي نظمه المتحف اليهودي في لندن، والتي تلاها مستشاره أندري أزولاي، إنّ الخصوصيَّة المغربية تستمد تفردها من تلاقح اليهودية مع الإسلام، في تفاهم وقرب، ما جعل المغاربة يتجاوزون كل التقلبات الظرفية، وذلك بتغليب روح التسامح والانفتاح، في كل الأحوال، وعلى مدى العصور.

وزاد ملك المغرب قائلا‫: quot;‬بفضل هذا التوافق والتعايش، اللذين لا مكان فيهما للتعصب والانغلاق، السائدين، للأسف، في عالم اليوم،عرفت المملكة المغربية كيف تظهر للعالم أنها تمكنت، بعبقريتها وحكمتها، من مقاومة أوهام الانطواء على الذات، ومن النزاعات المأسوية للشرخ الثقافي والديني. وهو ما نؤكد رفض المغرب له، من موقع تشبعه بالقيم الدينية السمحة، والمبادئ الكونية للديمقراطية الحقة.

وذكر ملك المغرب ان غريزة المحافظة على روح الوحدة والوئام، ظلت تؤكد دائما استعداد ورغبة كل من المسلمين واليهود معا، في تجسيد حس وطني راسخ، بلغت أصداؤه، اليوم كما بالأمس، كل القارات. وقال‫: quot;‬في أوروبا والأميركيتين، كما في الشرق الأوسط، وصولا إلى إفريقيا وآسيا، من منا لم تتح له الفرصة، ولو مرة واحدة في حياته، للقاء والاستماع، وتقاسم إحساس وسعادة واعتزاز كل هؤلاء الذين ما فتئوا، جيلا بعد جيل، وهم كثيرون، يحافظون وينقلون تراثهم وتقاليدهم، وتعلقهم المتين بالمغرب، عرشا ووطنا‫quot;، وذلك في اشارة الى يهود المغرب في العالم. واشار عاهل المغرب الى ان هذا الواقع، ليس موجها للاستهلاك أو من باب الخطابة، ‫quot;‬وإنما هو نابع من المعيش اليومي، لمئات الآلاف من مواطنينا، الذين قاوموا النسيان، بإرادة قوية وقناعة راسخة.

‬
وخاطب الملك محمد السادس الحضور قائلا‫: quot;تاريخ جميل وعظيم، هذا الذي يدعوكم هذا المعرض لاكتشافه، اليوم في لندن. وإنه لمن دواعي السرور أن أسجل معكم أنه، في الفترة نفسها أو في غضون أسابيع قليلة من الآن، ستقام تظاهرات مماثلة وتلقائية، في كل من نيويورك وبروكسل وباريس وجنيف، تحكي كلها عن حيوية واستمرارية وقوة مجتمعنا المتعدد الروافد، الراسخ الهوية، المتين البنيان، الذي لا تنال منه عوادي الزمان، واختلاف المكان‫.‬ وهكذا، يقول العاهل المغربي، نسجل في تاريخ المغرب صفحات جديدة، مفعمة بروح الوئام والتآلف، والانفتاح على كل الحضارات، بما يدل عليه ذلك بأن المغرب، بقدر ما حافظ على وحدته الوطنية والترابية، ظل وفيا للتفاعل مع كل الثقافات، في إطار من الاحترام لخصوصية الآخر، في إيمان راسخ بالقيم الخالدة للإخاء والمساواة والعدل والتضامن والسلام، وتوقير حرمة الأديان، وصيانة حوزة الأوطان، واحترام كرامة وحقوق
الإنسان. واضاف ان هذه التظاهرة ليست حدثا عاديا ولا تعكس فقط عمق الأحاسيس المشتركة حول جمالية وفنية الصور المعروضة، بل إن هذا المعرض يعبر، ببلاغة قوية وإقناع عميق،عن واقع تاريخي واجتماعي وثقافي، يعتز المغرب، ملكا وشعبا، بكل تبصر وإرادة وأناة، بامتلاكه والدفاع عنه، ماضيا وحاضرا ومستقبلا‫.‬

وقال ملك المغرب إنه بصفته اميرا للمؤمنين ملتزم بالنهج القويم لأسلافه الميامين، في السهر على حقوق وحريات رعاياه الأوفياء، من مسلمين ويهود، على قدم المساواة، وحريص على صيانة تراثهم، بكل تجلياته وخصوصياته‫.‬ وأوضح ان المملكة المغربية غنية بتنوع روافد هويتها، وبتعدد مكونات تاريخها، التي عرف الشعب المغربي كيف يراكمها عبر العصور‫quot;‬لترسيخ مكانة وقيم بلادنا، في الإصغاء وقبول الآخر، واحترام الخصوصيات‫quot;، مشيرا الى انه ‬انطلاقا من هذا التوافق الوطني، الأصيل والفريد من نوعه، تتحدد وتتبلور الخصوصية المغربية، التي ليست من قبيل الادعاء، ولا ترتبط بموقف سياسي أو دبلوماسي عابر.

ولم ينس العاهل المغربي الإشادة بالاميرة للا جمالة، سفيرة المغرب لدى المملكة المتحدة، على دورها في تنظيم هذه التظاهرة، وايضا بمسؤولي المتحف اليهودي في لندن، ولكل الشخصيات والمؤسسات المرموقة، التي ساهمت بتضافر جهودها، في انجاح هذا المعرض المخصص للصور المجسدة لليهودية، ذات الطابع المغربي‫.‬

يذكر أنَّ الاوساط البريطانية تتابع باهتمام كبير التغيير النوعي في العمل الدبلوماسي المغربي بعد تولي للاجمالة سفارة بلادها، ذلك أنَّ تعيينها اعتبر اشارة مهمة من لدن القصر الملكي المغربي مفادها الرغبة الاكيدة في تنشيط العلاقات مع المملكة المتحدة‫. وهذه ليست المرة الاولى التي يعين فيها المغرب شخصية وازنة في سفارة لندن، اذ سبق للملك الراحل الحسن الثاني ان عين في عقد الستينات من القرن الماضي شقيقته الاميرة للا عائشة سفيرة لدى بلاط سان جيمس. وسبق للاميرة للا جمالة ان درست في لندن وهي ترأس منذ سنوات الجمعية المغربية ‫-‬ البريطانية‫.‬