في أعقاب الزوبعة التي أثارها موقع ويكيليكس، إثر قيامه بنشر مئات الآلاف من الوثائق والبرقيات الدبلوماسية السرية، بدأ المسؤولون وخبراء الأمن يتدارسون في ما بينهم لإيجاد سُبل تمكنهم من منع تكرار مثل هذه الاختراقات واسعة النطاق من جديد.


بينما حرص مؤسس الموقع، جوليان أسانج، على الدفاع عن إقدامه على نشر الوثائق الدبلوماسية الأميركية السرية، على اعتبار أن ما قام به يعد نصراً للانفتاح، فإن مسؤولي الأمن القومي ينظرون إلى ما حدث على أنها سابقة خطرة من نوعها.

وفي هذا السياق الجدلي، خصصت صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; الأميركية حيزاً للنقاش بغية تسليط الضوء على كافة جوانب الموضوع، ومن زواياه المختلفة، متسائلةً في الوقت ذاته عما إن كانت الأبواب قد فُتِحت أمام طوفان من المؤسسات المماثلة وكشوفات أكثر ضرراً.

وأكدت الصحيفة في البداية أن الضجة التي أحاطت مؤخراً بموقع ويكيليكس، بما في ذلك الاتهامات الخاصة بـ quot;الإرهابquot; والنداءات التي بدأت تدعو إلى اغتيال أسانج، يجب أن تُصنَّف باعتبارها واحدة من أكبر نوبات الغضب خلال السنوات الأخيرة.

وأوضحت الصحيفة أن الأمر كان محرجاً ومحبطاً بالنسبة إلى مسؤولي الحكومة الأميركية وغيرهم، برؤيتهم مئات الآلاف من البرقيات السرية تُنشر وتذاع على الملأ في مختلف بقاع الأرض. لكن النيويورك تايمز رأت أن تهديد أسانج سيكون خطوة من شأنها أن تُهدِر موجة الغضب التي هيمنت على جميع المسؤولين في الولايات المتحدة.

وحين قال أسانج إنه من الآن فصاعداً سيتم تقسيم الجغرافيا السياسية إلى عصور سابقة ولاحقة لزوبعة التسريبات الأخيرة، فإنه قد تطرق إلى شيء مهم، لكنه بالغ في وصف تأثير منظمته على التاريخ. في حين لفتت الصحيفة إلى أن العالم بدأ بالفعل دخول حقبة جديدة، لكن ليس بسبب ويكيليكس، الذي لا يعدو كونه جزءًا من اتجاه أكبر.

وتابعت الصحيفة حديثها بالقول إن الوسائل التي تدخل في عمليات التجسس الإلكتروني قد تطورت بصورة كبيرة بسبب التحول إلى البنى التحتية الشبكية وعادات الشبكات الاجتماعية. ثم أوضحت أن كثيرين يتندمون الآن على فقدان خصوصية الأفراد، في الوقت الذي بدأ يغادر فيه العالم الآثار الرقمية التي كانت تستفيد منها المنظمات الكبرى بدقة متزايدة.

وتساءلت الصحيفة بعد ذلك بالقول: quot;لكن إن كان الأفراد عرضة لهذا النظام الإيكولوجي الجديد، فما الذي يجعل أي شخص يعتقد أن الحكومات أو المنظمات تحظى بمناعة ؟quot;. وبعدها، أوضحت الصحيفة أن تحميل ويكيليكس مسؤولية ذلك مثل تحميل الزلزال مسؤولية تحولات الصفائح التكتونية.

وإن كانت هناك إمكانية بالتأكيد للتخفيف من موجة الغضب الحالية عن طريق تصرفات ويكيليكس نفسه، فإن ما يطلق عليها عبادة الشخصية المحيطة بأسانج، عن طريق صورته المتلاعب بها من خلال برنامج الفوتوشوب وتتواجد الآن عبر موقع ويكيليكس الإلكتروني، تلعب دوراً فحسب في هذا العداء.

وأوضحت الصحيفة في سياق متصل أن الهجمات الإلكترونية التي أقدمت على تنفيذها مجموعة من المدافعين عن الموقع قد ساهمت بشكل أو بآخر في خلق مناخ من الفوضى والسعي وراء الانتقام. وطالبت الصحيفة في الختام منظمة مثل موقع ويكيليكس بضرورة أن تضفي على نفسها الطابع المهني وأن تنتزع شخصيتها قدر الإمكان.

وشددت على ضرورة التزامها بأعلى المعايير الأخلاقية الممكنة. وشددت كذلك على ضرورة أن تعمل بأقصى قدر من الحصافة عند نشرها في المجال العام معلومات سرية بصورة مختلفة تخرج إلى النور فقط على أساس عدوان واضح للقانون أو الأخلاق.

وأكدت quot;نيويورك تايمزquot; في السياق ذاته أن ويكيليكس ليس إلا عرض لظاهرة أكبر بكثير، سيتعين على جميع الحكومات والشركات والأفراد أن يعتادوا عليها. وهو ما سيجعل العالم في احتياج إلى قواعد ومعايير ومبادئ جديدة للتكيف مع هذا الواقع الجديد.