على الرغم من أزمة الوقود وغياب قطع السيارات بغزة بسبب الحصار، افتتح معرض للسيارات التراثية في قطاع غزة يحتوي على ثلاثين سيارة تراثية تم جمعها من داخل القطاع تعود لحقبات زمنية مختلفة وتتوسطه طائرة لياسر عرفات، في محاولة لمخاطبة العالم بلغته الجديدة وبكل الوسائل المتاحة للمقاومة.

تمنى الشاب احمد حمد (20 عامًا) لو أن طائرة الرئيس الراحل ياسر عرفات كانت تحلق في سماء غزة، وهو من خلف النافذة يحييها بيده المرتعشة كعادته، إلا أن الطائرة حطت في مطار التاريخ فقط، وغدت جزءًا من ماضٍ جميل كان لغزة فيه مطار وطائرات تسافر بأجنحة السلام إلى مدن شتى، وهي اليوم أشبه بحمام فقد جناحيه، عاجزة حتى عن السفر بالسيارة لا بالطائرة، بعد أن أغلقت كل الطرقات بوجهها، وحوصرت في أدق تفاصيل حياتها. وبات المطار الذي يمثل سيادتها بعضًا من ركام يسكنه البوم وتزوره عاصفة أباتشي الاحتلال بين الفينة والأخرى.

شعور بالسعادة يخالطه حزن عميق للصحافي إبراهيم قنن الذي وقف أمام الطائرة يتذكر كيف كانت تحلق في سماء غزة، وتتنقل في العواصم العربية، ولم يعد لها اليوم وجود أو صوت مسموع في ظل تعالي أصوات ال اف - 16 والطائرات الحربية الإسرائيلية.


جانب من المعرض

توسطت طائرة الرئيس الراحل معرضًا للسيارات التراثية في قطاع غزة، افتتحته وزارة النقل والمواصلات بالحكومة المقالة اليوم في مدينة غزة بالتعاون مع تجمع هواة السيارات التراثية وشركة الملتزم للتأمين والاستثمار وبلدية غزة.

واحتوى المعرض على 30 سيارة من موديلات قديمة تتبع حقب زمنية مختلفة وبعض الدراجات النارية تعود للسبعينيات وجيبات وناقلة معدات تعود إلى الثمانينات من القرن الماضي.

وتهافت الشباب إلى صعود الطائرة ومعانقة تاريخهم وماضيهم البعيد والقريب، ورئيس كان يمثل لهم انطلاقة الثورة والوحدة والسلام، يفتقدونه اليوم وقد تأزمت حياتهم بشكل كبير بعد اغتياله العام 2004.


سيارة تعود للعام 1956 ركبها رشدي اباظة وفريد شوقي

ويقول الطالب الجامعي حمد بعد أن التقط صورة من داخل الطائرة: quot;تذكرني بالرئيس عرفات ومكانته في قلوبنا، وأصبحت جزء من ماضي جميل، نحن إليه كثيرًا ونشكو حاضرنا المتعثرquot;.

و زاحم الطالب الجامعي محمد الزناتي أصدقاءه للصعود للطائرة والتقاط صور عليها، ويقول: quot;شعوري لا يوصف لأن اصعد طائرة الرئيس ياسر عرفات، كنا نحبه كثيرًا ويمثل لنا رمزًا فخريًا نعتز به وبتاريخه المشرقquot;.

ولم يكتف الأمر عند هؤلاء الشباب،الذين يجدون في ماضيهم ما يقربهم أكثر من الحاضر الذي ينأى بهم إلى كل ما يفرقهم ويزيد شتاتهم وتمزقهم، بل إن أعضاء من المجلس التشريعي الفلسطيني بغزة وقيادات لحركة حماس قد صعدت إلى داخل هذه الطائرة. ومن على ظهرها أرسلوا رسائل للوحدة الفلسطينية التي تمثلت في جل صورها فترة الراحل ياسر عرفات التاريخية.


سيارة تعود للستينات

وبعد نزوله من الطائرة عبّر فوزي برهوم، الناطق الرسمي بإسم حركة حماس، عن شعوره وهو بداخلها لـquot;إيلافquot; بالقول quot;تذكرنا بالمقاومة والثورة وظلم الإحتلال الإسرائيلي الذي قصف القيادة، وأيضا بالشهداء العظام أمثال الرئيس الراحل ياسر عرفات وأبو علي مصطفى (..).

وأضاف أن المعرض يؤكد على المقاومة وان الشعب الفلسطيني يحتفظ بتراثه ويبرز معاناته quot;واظهار طائرة الرئيس الراحل كممثل للسلطة الفلسطينية يجسد رسالة الوحدة وانه على الرغم من تفرقنا هناك ما يوحدنا طالما ان المعاناة واحدة والمصير واحد، مشيرًا الى ان هناك ما يجمع الفلسطينين عليه اكثر مما يفرقهم، وعلى الجميع استثمار هذه الاجواء لتحقيق الوحدة الفلسطينية لمواجهة التحديات، حسب قوله.

من جهته، ذكر رئيس تجمع هواة السيارات التراثية بغزة محفوظ الكباريتي أن المعرض يحتوي على 30 سيارة تراثية قديمة، تم جمعها من قطاع غزة وتعود إلى حقب زمنية مختلفة، مشيرًا الى أن المعرض يمثل جزء من تراث الفلسطينيين ويجب المحافظة عليه لمقاومة الذي لا يتوانى عن سرقة التراث الفلسطيني ونسبه إلى نفسه.

وتعود أقدم سيارة في المعرض إلى عام 1938 وهي انكليزية شعبية مصنوعة في بريطانيا صنعت قبل مضخات المياه، وفيما تعود باقي السيارات إلى صناعة ألمانيا وايطاليه وأميركية. وشمل المعرض سيارة تعود إلى رئيس بلدية غزة رشاد الشوا من العام، 1977، وهي من صنع الولايات المتحدة الأميركية وأخرى تعود للستينات، وقد ركبها الفنانيين رشدي أباظة وفريد شوقي أثناء تنقلهم من مصر إلى قطاع غزة.


الناطق بإسم حماس في غزة فوزي برهوم

ويقول الكباريتي إن هذه السيارات تذكرنا بفترات سعيدة في حياة سكان غزة، قبل الاحتلال الإسرائيلي للقطاع العام 1967، حيث كانت الطرق مفتوحة وكانت سيارات غزة تجوب شوارع القاهرة من والى غزة، ومن غزة إلى القدس والضفة الغربية التي توصد كل الطرق والمعابر المؤدية إليهما اليوم.

وأضاف الكباريتي أن عرض طائرة الرئيس الراحل عرفات جاء بإعتباره رمز للشعب الفلسطيني، حيث تم اغتياله و قصف طائرته الخاصة وفيها تذكير بتراثنا التاريخي الذي يعتبر ابو عمار جزء أساسي منه لا يمكن نسيانه أو إغفاله.


سيارة رئيس بلدية غزة رشاد الشوا من الخمسينات

وتحدث الكباريتي لـquot;إيلافquot; قائلاً إن السيارات المعروضة لها مزايا متعددة من حيث متانة الصنع والقيمة الجمالية وسهولة تصليحها حيث لا تزال تعمل حتى اليوم، مشيرا إلى أنه خلال أزمة الوقود وغياب قطع السيارات بغزة بسبب الحصار، تم إعادة استبدال قطع منها وهي تعمل بكفاءة جيدة، وبين ان المعرض يعكس إبداع سكان غزة على الرغم من القيود الظالمة، معربًا عن أمله في تنظيم متحف اثري خاص بتلك السيارات لحفظ التاريخ الفلسطيني من الضياع ومحاولات سرقته وتعريف الأجيال القادمة بالتطور التاريخي للسيارات أسوة بدول العالم التي تعقد المسابقات وتقيم المعارض إعتزازًا بتاريخها.

من جانبه، أشار مدير عام الشؤون الفنية والهندسية بوزارة النقل والمواصلات بغزة المهندس حسن عكاشه إلى أن عرض طائرة الرئيس تعتبر رمز للتراث الفلسطيني فمنذ ولادتنا لم تعرف إلا الرئيس الراحل، وأردنا أن نثبت ذلك في عقول أطفالنا ونعبر عن اعتزازانا وفخرنا بهذا التاريخ، وأضاف أن :quot; المعرض تم الإعداد له والتجهيز منذ 7 أشهر وتنظيمه يهدف إلى مخاطبة العالم بلغته الجديدة وبكل الوسائل المتاحة للمقاومة، وإظهار التراث الفلسطيني كجزء مهم منها لإثبات أحقية الفلسطينيين بالأرض في ظل النزاع القائم بيننا وبينهم عليها، خصوصًا أن المعرض يظهر سيارات أكبر عمرًا من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطينquot;.