سجل تراجع في حرية الرأي والتعبير في الكويت. ويقول تقرير أميركي إن الحكومة الكويتية لا تزال متقلبة وشديدة الحساسية تجاه الانتقاد، سواء من الحكومات الأجنبية، أو من الجهات الدولية، أو الناشطين المحليين والكُتَّاب مستشهدا بالمحاكمة التي خضع لها أخيرا الصحافي محمد الجاسم .
في الوقت الذي كانت تعد فيه دولة الكويت حالة استثنائية لما يحدث في منطقة الشرق الأوسط التي تشيع فيها ممارسات السجن والتعذيب ضد الصحافيين الذين لا يلتزمون بالمنهاج الحكومي، حيث لطالما كانت نقطة مضيئة بالنسبة إلى حرية الرأي والتعبير، يرصد تقرير تنشره اليوم مجلة فورين بوليسي تراجعا ً في هذا الجانب داخل البلاد التي يبلغ عدد سكانها 3 ملايين نسمة، ويصدر فيها ما يزيد عن 15 مطبوعة يومية.
وفي هذا السياق، تقول المجلة الأميركية إن وسائل الإعلام الليبرالية نسبيا ً والحوار العام في الكويت بات في تراجع. وتشير إلى أن الحكومة هناك باتت لديها رغبة متزايدة للعمل بطرق من شأنها أن تُكذِّب سمعة البلاد الخاصة بقدرتها على استيعاب وتحمل النقاشات السياسية الساخنة. وتلفت في هذا الشأن إلى تلك المحاكمة التي بدأت الشهر الماضي للصحافي محمد الجاسم، المتهم بتهديد الأمن القومي وتعريضه للخطر. حيث يواجه الجاسم، الذي يعد واحدا ً من أكثر منتقدي الحكومة صخبا ً، ما يزيد عن 20 تهمة منفصلة لقذفه وتشهيره بمسؤولين حكوميين من خلال كتاباته وتصريحاته.
ثم تقول فورين بوليسي إنه واستنادا إلى آخر التهم التي وجهتها الحكومة إلى الجاسم، والتي رفعت التهم إلى جرائم متعلقة بالأمن الوطني، فقد ظل الجاسم محتجزا ً لمدة 49 يوما ً قبل أن تتم محاكمته، بما في ذلك إقامته الموجزة داخل مستشفى عسكري بعد أن أضرب عن الطعام لمدة أسبوع، قبل أن يُطلَق سراحه بكفالة.
وفي محاكمته، التي ستتواصل في أيلول/ سبتمبر المقبل، سيجبر الجاسم على الدفاع عن نفسه من التهم المنسوبة إليه، والتي تقول إنه كان يقوم بالتحريض على قلب نظام الحكم ويحاول تفكيك أسس المجتمع الكويتي. وقد وُجِّهت تلك التهم إلى الجاسم بسبب المقالات المنشورة على مدونته الشهيرة التي تصدر باللغة العربية وتحمل اسم quot;ميزانquot;، وبسبب ما يقوم بتأليفه من كتب، بما فيها ذلك الكتاب الذي يحمل اسم quot;روح الدستورquot;. وبعد أن بدأت تظهر مطالب تنادي بالإفراج عنه في وسائل الإعلام المحلية وعبر التظاهرات التي يقوم بها الناشطون، أصدرت الحكومة أوامر لمنع الصحافة من تغطية محاكمته. ورغم الإفراج عن الجاسم منذ ذلك الحين بكفالة، إلا أن قرار منع الصحافة من تغطية القضية ما زال ساريا ً.
إلى هنا، تؤكد المجلة الأميركية واسعة الانتشار أن تلك القضية جاءت لتثير تساؤلات خطرة بشأن الالتزام الذي قطعته الحكومة الحالية على نفسها بشأن التحرر التدريجي. ورغم النظر إلى حرية التعبير باعتبارها واحدة من أبرز الإنجازات التي جرى تحقيقها في البلاد، والنظر كذلك إلى انتخاب أربع سيدات في البرلمان خلال الانتخابات التي أجريت في البلاد خلال شهر أيار/ مايو عام 2009، على أنها خطوة أخرى تدل على حدوث إصلاح ديمقراطي في البلاد، إلا أن أعضاء البرلمان وجماعات المجتمع المدني تواصل جهودها لتحقيق مزيد من التغيير. لكن المحاولات التي يقومون بها في هذا الجانب ما زالت تُوَاجَه بقدرة أمير البلاد وأبرز أعضاء أسرته الحاكمة على البقاء في السلطة لعرقلة أي إصلاحات، حسبما زعمت المجلة.
وتمضي الصحيفة لتقول إن مقاضاة الجاسم تعد جزءًا من التعدي المستمر خلال السنة الماضية على حرية الكويتيين في التعبير، والحق في التجمع السلمي، وحق انتقاد أداء الموظفين العموميين. ثم تتحدث المجلة عن الواقعة التي قامت من خلالها السلطات الكويتية في آذار/ مارس الماضي باعتقال وترحيل أكثر من 30 مواطنا ً مصريا ً من المؤيدين للرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي، الذي يعد من دعاة الإصلاح في مصر، والمرشح لخوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ثم تشير المجلة إلى قضية خالد الفضالة، رئيس التحالف الوطني الديمقراطي في الكويت، ذلك الحزب السياسي الليبرالي، الذي حوكم خلال الآونة الأخيرة أيضا ً بتهمة القذف والتشهير الجنائي برئيس الوزراء الكويتي، من خلال التعليقات التي أدلى بها خلال تجمع جماهيري واتهم فيها رئيس الوزراء بغسل الأموال. وبعد أن وجدت المحكمة أن فضالة مذنب وأصدرت بحقه حكما بالسجن لمدة ثلاثة أشهر، أمرت إحدى محاكم الاستئناف في الثالث عشر من شهر تموز/ يوليو الجاري بإطلاق سراحه، معتبرة ً فترة العشرة أيام التي قضاها عقوبة كافية. وفي اليوم نفسه، تمت تبرئة ساحة الجاسم من تهمة جنائية سابقة خاصة بقذف رئيس الوزراء.
وفي الختام، تقول المجلة إنه وعلى الرغم من أن الأحكام الأخيرة تظهر أن القضاء قد بدأ ينتبه للأمر، إلا أن دحر التعدي على حرية التعبير، والنشطاء الكويتيين، ووسائل الإعلام، لا يزال تحت التهديد. ولا تزال الحكومة الكويتية أيضا ً متقلبة وشديدة الحساسية تجاه الانتقاد، سواء من الحكومات الأجنبية، أو من الجهات الدولية، أو الناشطين المحليين والكُتَّاب. وكما تُبيِّن قضية الجاسم، فقد تحمل مثل هؤلاء الأفراد وطأة ردة الفعل الحكومية، بما في ذلك المحاكمات الجنائية العدوانية لتهم القذف والتشهير التي يتم توجيهها لأولئك الذين يعلقون على عمل المسؤولين الحكوميين، والحملات التي تتم على التجمعات العامة، وأوامر إسكات وسائل الإعلام المحلية.
التعليقات