بعد الاشتباكات التي وقعت في منطقة quot;برج أبي حيدرquot; وما خلفته من خوف في نفوس اللبنانيين، تساءلت أوساط سياسية إذا ما كانت الأموال الاميركية، التي قال عنها حزب الله إنها محاولة من الولايات المتحدة لتشويه صورته في لبنان، بدأت تأتي بنتائجها. ورأت هذه الأوساط أن ما حصل مساء الثلاثاء في بيروت إنتكاسة واضحة للصورة التي حرص حزب الله على الظهور بها.

إقرأ أيضًا: عندما يتحوّل خلاف على ركن سيارة الى معارك في بيروت

قبل أكثر من شهرين على الحادث الذي وقع في منطقة برج أبي حيدر في بيروت غروب يوم الثلاثاء الماضي بين عناصر من حزب الله وآخرين من جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الأحباش) وأدى إلى مصرع إثنين من الحزب احدهما مسؤول فيه وواحد من quot;المشاريعquot; اضافة الى جرح عشرات الاشخاص والحاق اضرار كبيرة بعدد من المنازل والمتاجر ودور العبادة، كان quot;حزب اللهquot; قد شنَّ هجومًا على الادارة الاميركية متهمًا إياها بتخصيص ما يقارب نصف مليار دولار لتشويه صورته بين الشباب اللبناني استنادًا الى افادة ادلى بها مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط السفير السابق لدى لبنان جفري فيلتمان أمام الكونغرس الاميركي.

من هنا سارعت أوساط سياسية متابعة غداة المعركة التي وقعت في quot;برج أبي حيدرquot; وجوارها وما خلفته من ذعر وخوف في نفوس العديد من ابناء بيروت الى التساؤل اذا ما كانت الأموال الاميركية المحكي عنها بدأت تفعل فعلها، بعد ان شكل الحديث عن قرار ظني مرتقب صدوره عن المحكمة الدولية الناظرة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما يتردد عن تضمنه اتهاماً لعناصر من الحزب بالمشاركة فيها، عنصرًا داعمًا لها في ظل اتساع رقعة الخلاف بين المؤيدين والداعمين للمحكمة وبين الرافضين والمشككين بها.

مهما يكن من امر وفي انتظار نتائج التحقيق الذي تجريه الشرطة العسكرية اللبناية بعد ان كلفت بهذه المهمة والتي بامكانها جلاء الحقيقة اذا ما مضت بعملها حتى النهاية، فان الاوساط السياسية المتابعة تعتبر ما حصل في برج ابي حيدر انتكاسة واضحة للصورة التي حرص حزب الله على الظهور بها خصوصًا بعد احداث السابع من مايو ايار العام 2008 والقائلة بان السلاح الذي يملكه موجه الى اسرائيل وحدها وهو سلاح مقاومة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى للدفاع عن النفس والارض لا سلاحًا مخبأ في الداخل جاهزًا للاستعمال في الشوارع والازقة عندما يستدعي الامر ذلك.

على وقع هذه quot;الصورة المهزوزةquot; عادت الاصوات البيروتية بصورة خاصة ومعها اصوات قيادات في 14 آذار لتصب جام غضبها على السلاح المستعمل في غير وجهته الصحيحة ولتطالب بإخراجه من العاصمة وجعلها مدينة منزوعة السلاح. وهذا ما عبر عنه بوضوح وحسم البيان الصادر عن كتلة المستقبل النيابية إثر الاجتماع الذي عقدته امس برئاسة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وطالبت فيه ملاحقة مستخدمي السلاح غير الشرعي فيما اكد اكثر من نائب في الكتلة المذكورة على ان الموقف بهذا الخصوص لا رجعة عنه هذه المرة خلافاً لما حصل إثر الاحداث المؤسفة التي شهدتها منطقة عائشة بكار العام الماضي حيث بقي هذا المطلب صرخة في الهواء.

واذا كان المطلب البيروتي هذا واجهته اعتراضات لا ممن دخلوا في quot;قتال شرسquot; عنوانه الظاهر خلاف على ركن سيارة عجز عن حله حلفاء الصف الواحد بل ممن هم بعيدين عن العاصمة ولم يعرف عنهم امتلاكهم السلاح على غرار وزير الطاقة والمياه جبران باسيل صهر رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون الذي استغرب هذا الطرح متسائلاً quot;هل يفهم من جعل بيروت منزوعة السلاح استباحة هذا الاخيرة في مناطق اخرىquot;، فان ما يجري حالياً هو التركيز على كشف ملاباسات الحادث والاجابة عن كم الاسئلة التي طرحت في اليومين الماضيين ومنها دخول طرف ثالث مجهول على خط المواجهة، وتحرك اجهزة استخبارات اجنبية ودولية لحظة وقوع الاشتباك، وكذلك تسجيل حركة سيارات مشبوهة في مناطق القتال ناهيك عن نشاط المتخصصين بإشعال الفتنة بين السنة والشيعة، فيما رد quot;تيار المستقبلquot; أمس عما ذكر في احدى الصحف عن انتشار عناصر منه في الشوارع والازقة بالتزامن مع وقوع الصدام بين حزب الله وجمعية المشاريع نافياً هذا الأمر موضحًا ان في تيار المستقبل اعضاء لا عناصر.

وبين هذا السؤال وذاك ثمة من يتحدث عن وجود quot;اختراق ماquot; في صفوف quot;المشاريعquot; التي هي بالنتيجة جمعية سنية لا يمكنها ان تنسلخ عن الواقع المعاش وان تعرضت بعد اغتيال الحريري لحملة تضييق كادت ان تبلغ الالغاء وجرى اعتقال والتحقيق مع مجموعة منها بتهمة المشاركة في الجريمة قبل ان يطلق سراحها فيما بعد.

وسط هذه الاجواء المضطربة والتصدع الذي اصاب علاقة حليفي الامس تمضي التحقيقات مستندة بصورة خاصة على الافلام والشرائط العائدة الى كاميرات موزعة امام المركز الرئيس للجمعية حيث انطلقت الشرارة الأولى للحادث، التي قالت الجمعية المشاريع انها سلمتها للاجهزة المختصة وفيها تظهر بوضوح تفاصيل الحادث لحظة وقوعه، فيما شدد حزب الله على اجراء تحقيق جدي مكررًا نفيه وجود عناصر غير منضبطة في صفوفه مستغربًا التسرع في الضغط على الزناد، معلنًا ان امورًا كثيرة تكشفت لديه جراء ما حصل من دون الخوض في تفاصيلها على ان يفعل ذلك في وقت ليس ببعيد حيث ان الاولوية الآن لازالة آثار الانتكاسة التي اصابته وأعادت النزاع حول سلاح المقاومة الى نقطة البداية.