يقول الخبير السياسي عابد شارف إن السبب الحقيقي لنشوب العنف في الجزائر يتمثل في غياب الأفق السياسية والاجتماعية لدى الجزائريين لا سيما عند الشباب، هؤلاء لم تعد لهم مشاريع، طموحات وأحلام، وفي المحصلة الطريق مسدود، وسيكولوجيا هيمن الجمود، لذلك أتى الغضب عنيفًا.
عابد شارف |
الجزائر: يعلن الخبير السياسي البارز quot;عابد شارفquot; أنّ الجزائر ستدفع ثمنا باهظا وتسير نحو فكاك على الطريقة الصومالية أو السويدية، إذا لم تتخذ سلطاتها إجراءات ضرورية لتجاوز إفرازات التكسير الاجتماعي والسيكولوجي الذي حصل في المرحلة الماضية.
وفي حديث خاص لـquot;إيلافquot;، يشدد شارف على أنّ الجزائر ورغم رصدها مخصصات تربو عن 286 مليار دولار للتنمية، إلاّ أنّ الأخيرة مغيّبة وتقتصر على تبديد الريع النفطي، ويبرز شارف منع السلطات للأحزاب وتفصيلها لجمعيات على مقاسها، ما أوصل البلد إلى حالة من الجمود، وتحدث شارف عن هذا الملف بمعضلاته المتعددة، وإليكم نص الحوار:
bull;كيف تقرأون المظاهرات الأخيرة التي جابت 20 ولاية جزائرية؟
-المظاهرات كانت تعبير عن غضب في الشارع وفي المجتمع، غضب كان يبحث عن حجة، كنا نراه يومياً في كل مناطق البلاد، هذه المرة أتت أسباب شملت مناطق كثيرة فجاءت الأمور على الشكل الذي حصل في مجتمع كان من الغضب ولم يكن بوسعه تجنب تلك الأحداث.
bull;بشأن المكان والتوقيت وخلفية المظاهرات، هل حقيقة كان السبب هو الزيت والسكر، أم أنّ الأمر يتعلق بزيت سياسي وسكر من نوع آخر؟
-في اعتقادي، لا توجد أزمة زيت وسكر حتى وإن كان ارتفاع الأسعار وصل إلى درجة صعبة، لكن ليست هي بالسبب الحقيقي، هذا الأخير يتمثل في غياب الآفاق السياسية والاجتماعية لدى الجزائريين لا سيما عند الشباب، هؤلاء لم تعد لهم مشاريع، طموحات وأحلام، وفي المحصلة الطريق مسدود وسيكولوجيا هيمن الجمود، لذلك أتى الغضب عنيفا، ليس بدرجة مشروع منسجم بمطالب سياسية واضحة، هو تعبير عن غضب وكفى.
bull;ألا تعتقدون أنّه كان من الأجدر بالسلطة أن تعقد لقاءا مع مختلف الفاعلين للخوض فيما حملته احتجاجات الأيام الثلاث؟
-لست أوافق هذا الرأي، السلطة لها مصالح سياسية واقتصادية كبيرة تحكمها، فهناك مليار دولار من واردات السكر، بينها فائدة بين مائتين إلى ثلاثمائة مليون دولار يجنيها هؤلاء الناس، فلما يعقدون اجتماعات؟.
الأمر لا يهمهم بقدر ما يهمهم الحفاظ على المكسب، وهذه القضايا تعالج بمنطق المصالح.. مصالح سياسية، اقتصادية، اجتماعية، هكذا يجري معالجتها.
السلطة تضحك على نفسها، والجمعيات امتداد للإدارة
bull;كلامكم يقودنا إلى الخوض في أدوار المنظمات والجمعيات والأحزاب التي كانت غائبة عن الأحداث، أين كانت من ذاك التدافع، في بلد يحصي ما لا يقلّ عن مائة ألف جمعية؟
-ليس هناك جمعيات، هناك جانب مهم جدا في الجزائر مفاده أنّ السلطة تمارس الكذب على نفسها من خلال خلق جمعيات وإعطاءها المال، ثمّ بعد ذلك تظنّ أنّها تتحاور معها، السلطة تتحدث مع نفسها، والجمعيات لو كانت تنفع لكانت الأمور غير ذلك، الجمعيات امتداد للسلطة، هناك سلطة مركزية تليها ولاية ومديريات وهلّم جرا، والجمعيات تتواجد كمديريات محلية تشتغل عند الوالي وتنفذ ما يقوله لها الوالي، ليست لهذه الجمعيات علاقة مع الشعب إطلاقا، وهي بمثابة امتداد صريح للإدارة والسلطة، تعمل لصالحهما، لأنّها امتداد لهما.
السلطة سلبت الأحزاب وجودها وثلاثي الائتلاف quot;إدارة للكلامquot;
bull;ماذا عن الأحزاب وما صحة استقالتها عن النهوض بمهامها، هل صحيح أنّ السلطة منعت التشكيلات السياسية عن ممارسة ماهيتها وتأطير الشارع؟
-السلطة منعت الأحزاب من الوجود، فأي حزب يولد في الجزائر ولديه فكره الخاص، يضيّع 95 بالمائة من طاقته في البقاء لأنّه مضطهد يوميا، وليس لديه الوقت لكي ينظّم ويؤطّر، هذه الملحوظة تنسحب على الأحزاب التي لديها فكر سياسي وتحاول أن تدافع عنه، أما الأحزاب الأخرى كالتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم (طرفا الائتلاف الحاكم الذي يضم أيضا جبهة التحرير)، لن أتكلم عنها لأنّهما امتداد للسلطة، بل هي ليست بالأحزاب، هي quot;إدارات للكلامquot;، فالسلطة صنعت هذه الإدارات وكلّفت بها ثلاثي الائتلاف الحاكم الذي يقوم بالتحدث وكفى.
ليس هناك تنمية وما يجري تبديد ريع النفط لشراء السلم الاجتماعي
bull;شكلت الاحتجاجات ضربة غير مباشرة لخطة التنمية في الجزائر، ما جعل الانطباع العام بأنّ برنامج الـ286 مليار دولار ينطوي على اختلالات استفزت انتفاضة المحتجين، ما موطن الخلل؟
-نحن نعيش في بلد يتمتع بوفرة المال، الطلب موجود، ولكن نسبة النمو تتراوح بين 3 و4 بالمائة، مع أنّه يُفترض ببلاد تمتلك مقومات النجاح أن تحقق نسبة نمو بحدود عشرة بالمائة، وبرأيي فإنّ 3 أو 4 بالمائة المحققة حاليا تغطي بالكاد النمو الديمغرافي. ليس هناك تنمية وما يقع في البلد حاليا هو تبذير أموال المحروقات أو توزيعها جزئيا لشراء السلم الاجتماعي، عبر تمكين فريق من النهب وتغطية حاجيات المواطنين من الحليب والسكر وما إلى ذلك، المهم هو السكوت.
bull;سيمثل مئات المتظاهرين أمام القضاء قريبا، ما الجدوى من إجراء كهذا وما الفائدة من الإجراءات الحكومية المتعلقة بخفض الأسعار إن كان التعامل الأمني ومنطق العقاب هو سيّد الموقف؟
-في نظر السلطة، لا يمكن أن لا يعاقب من قام بتخريب الأملاك، وإلاّ فإنّ الباب سيُفتح لأي شخص كي يخرّب ولا يحاسب، لكن لماذا السلطة تفكّر بهذه الطريقة، من المتسبب في هذا الوضع؟ عادة ما يتم إطلاق سراح المعتقلين لتهدئة الوضع، كما يحدث في تونس من تلاعب، أين تقوم سلطاتها بتحرير المعتقلين لأنهم quot;أبناؤها المخطئينquot; وفي الوقت نفسه، تلقي القبض على زعماء سياسيين، بمبرر أنّهم المتسببين في التدمير.
هنا في الجزائر، ثمة محاولات، تجد هذا يقول بإطلاق سراح المحتجزين للتهدئة وفتح حوار بنّاء، بينما يتوخى آخرون العكس بدعوى أنّ هؤلاء تورطوا في السرقة والتكسير، هذا الاتجاه تجده منشطرا أيضا في الصحف المحلية، التي ذهب بعضها إلى إبراز أعمال النهب وإظهار المحتجين في ثوب quot;المسبوقين قضائياquot;، وتجريد المظاهرات من أي غطاء سياسي.
bull;الذين وُلدوا سنة 1990، وصاروا شبابا في جزائر 2011، ما هي اتجاهاتهم الفكرية، كيف ينظر هؤلاء إلى بلدهم وفق ما شهده من متغيرات ومنعطفات، وكيف يمكن استيعابهم وتوجيههم؟
-الشيئ الواضح، أنّ هذا الجيل يختلف بصفة جذرية عن أجيال سابقة، لأنّه أول جيل نشأ خلال مرحلة العنف وما تلا تلك المرحلة من جو سياسي واجتماعي مختلف، في اعتقادي أنّ هذا الجيل دفع ثمن التكسير الاجتماعي والسيكولوجي الذي حصل في المرحلة الماضية، تدمير الشبكات التي كان يرتكز عليها المجتمع المحلي، وذاك لم يذهب مجانا، سيدفع المجتمع ثمنها، إذا كانت السلطة واعية ونشطة وذكية، ينبغي أن تتخذ الإجراءات الضرورية حتى لا يكون الثمن باهظ، ولكن حسبما أرى فإنّنا نتجه نحو أغلى ثمن.
bull;وما هو هذا الثمن الباهظ؟ الفكاك؟
-الانفكاك سيقع، لكن هذا الانفكاك لن يكون سلبيا بالضرورة، والانفكاك سيدفع بالمجتمع نحو العصرنة أو باتجاه التدمير، سواء فكاك الصومال أو فكاك السويد، فالتفكيك الاجتماعي وقع في الصومال ومثله وقع أيضا في السويد، لكن أي تفكيك سنذهب له نحن في الجزائر؟
السلطة ستجري تغييرات لكن النظام سيظل كما هو
bull;ماذا يمكن أن تقولونه بشأن مؤدى مظاهرات الخامس يناير سياسياً، هل ستعجّل بتغيير ما في السلطة وكيف؟
-لا أعتقد أنّ أثر هذه المظاهرات سيكون كبيرا جدا، والأثر سيطال السلطة، لكن هذه السلطة تدفعها لاتخاذ إجراءات لمواجهة مخلفات هذه المظاهرات، ولعدم تكرارها، وليس لخروج البلاد من الأزمة، هم يخشون على أنفسهم وعلى مناصبهم.
بصفة عامة، ستعمل السلطة على إبقاء النظام مثلما هو، بحيث يبقى هذا النظام صامدا أمام أحداث تزعجه، لهذا الحد أتوقع أن تقع بعض التغييرات الطفيفة التي تضمن بقاء النظام، أما الكلام عن تغيير النظام، فهو برأيي لاغ.
bull;لماذا لا تريد الحكومة الجزائرية الكشف عن المخزونات البترولية الموجودة قبالة الساحل الجزائري (عنابة ndash; شرشال ndash; البيض ndash; الجلفة) إضافة إلى تلك الموجودة على مستوى سهل العبادلة بأدرار، بالقدر الذي جعل المحلل النفطي quot;نيكولا ساركينquot; يتوقع أن تصير الجزائر دولة مستهلكة للنفط، بكل ما يترتب عن ذلك من إحباط للشعور العام في الجزائر؟
-تحدث خبراء في الأمر، ونفوا وجود مخزونات نفطية على مستوى السواحل، وأثق أكثر في وزير الطاقة quot;يوسف يوسفيquot; من حيث المعلومة، إذ أكّد وجود عمليات استكشاف في السواحل، لكنّه نفى وجود اكتشافات ويتم التعمية عليها.
bull;كيف تقاربون نمطية التفكير الاقتصادي لدى النخبة المالية والتجارية في الجزائر، وسرّ إحجامها عن تحويل البلد إلى دولة شبيهة بكوريا الجنوبية من حيث الجلب القياسي للاستثمارات، ولماذا كل العراقيل وتركيز صلاحيات السلطة المالية والتجارية في الجزائر بيد 14 موظفا فحسب، هل ذاك راجع إلى غياب نقاش؟
-هناك سلطة وهناك نظام اقتصادي واجتماعي، وهناك أيضا مصالح اقتصادية تدفع باتجاه ما، مثلما يوجد فكر سلطوي جامد، هذه السلطة لا يمكن أن تفكّر بغير الأسلوب البيروقراطي التقليدي، مثلا عندما يصبح سعر السكر غاليا، يتعاطون مع المسألة بعقلية تخفيض السعر لتفادي الاحتجاجات، بدل التفكير في كيفية إنتاج كمية أكبر من السكر، أو كيف يمكن أن نستعمل غلاء السكر للاستثمار في ميدان السكر.
بصفة عامة، الجزائر افتقدت قوة التفكير لأنّه لا توجد مؤسسات يمكن للناس أن تفكّر فيها، لا توجد الخبرة، والإدارة تسير بطريقة quot;طبّق ولا تحاول أن تفهمquot;، وليس هناك سلطات مضادة، ولا توجد حرية للأحزاب بما يسمح بالتشاور ومناقشة وإثراء أي قرار قبل ترسيمه.
مثلا، قرار رفع الضريبة وإلزام البنوك بالقيمة المضافة إلى آخره، من اتخذه؟ هل جرى ذلك في اجتماع؟ هل هناك خبراء قاموا بوضع القرار في الميزان؟ الخطوة اتخذت اعتباطيا، مع أنّه كان جديرا إقرارها بعد طول إعمال نظر وتقليب المسألة على أوجهها المختلفة، وموجة التخريب والاحتجاجات الأخيرة أتت كنتيجة لقرارات غير مدروسة.
قرار فرض الضرائب على التجار ودفعهم للتعامل مع البنوك شيئ جميل، ولكن لما تعتمد قرارا يخرج الشعب إلى الشارع، ثم تتراجع عنه، وتزيد عليه بالتخلي عن حقوق الجمارك، هنا الكارثة.
التعليقات