في وقت كشف فيه النقاب في بغداد عن إعتقال أكثر من 600 ضابط سابق وقيادي في حزب البعث المحظور بتهمة الإعداد لعمل ضد الحكومة، فقد توعّد الرئيس جلال طالباني من يفكّرون ويعملون بعقلية الانقلابات والتآمر بمواجهة نهايات سوداء... فيما أكد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر على ضرورة توقيع اتفاق شرف شعبي يجنّب البلاد حربًا طائفية جديدة، وطالب المالكي برفض دعوة وجّهها إليه أوباما لزيارة واشنطن.


أكد الرئيس العراقي جلال طالباني خلال اجتماع مع مسؤولي وكبار ضباط وزارة الداخلية أن الذين يفكرون ويعملون بعقلية الانقلابات والتآمر سيواجهون نهايات سوداء ما دام العراقيون قد أجمعوا على أن صناديق الانتخاب هي الطريق الوحيد لتغيير السلطات وتداول السلطة سلميًا وبإرادة حرة تعبّر عن الرأي الشعبي كما تقرره الانتخابات.

وأشار إلى أن العراق بتجربته الديمقراطية المدعومة بإرادة شعبية عريضة وبالرسوخ المتواصل لدولة المؤسسات الدستورية بات الآن بعيدًا عن أن تمرّ عليه إرادات الانقلاب والتآمر والعودة إلى الإستبداد والدكتاتورية.

وشدد على أهمية الإلتزام بالمعايير المهنية وبالصيغ القانونية والدستورية، سواء في مراقبة وتعقب والقبض على المتهمين أو في سير التحقيق معهم، وبما يضمن تحقيق العدالة، التي هي هدف العراق الجديد.

واستمع الرئيس إلى quot;شرح مفصل قدمه القادة الأمنيون عن جهود الوزارة استخباريًا في متابعة خلايا وشخصيات من حزب البعث البعث، كانت تعمل وتخطط من أجل زعزعة الإستقرار وإثارة الفوضى وعرقلة المسير نحو الديمقراطية، كما إطلع على طبيعة الإجراءات الدستورية المتبعة من قبل أجهزة الوزارة في القبض على المطلوبين وتسليمهم إلى القضاء، مثنيًا على هذه الجهود، التي وصفها بالمهمّة من أجل الحفاظ على دولتنا وتجربتنا الديمقراطية وحماية الشعب وثرواته من المؤامرات وما يخطط له أعداء العراق في الداخل والخارج، كما قال بيان رئاسي عراقي الليلة الماضية.

وفي تصريحات له في ختام الاجتماع، قال طالباني إن مسؤولي الداخلية شرحوا له quot;تفاصيل جهودهم المباركة في تعقب الذين يتآمرون على أمن وسلامة العراق، وبينوا لي أن كل الإجراءات التي اتخذت كانت بصورة قانونية، وبقرارات من المحاكم، ونتيجة لمعلومات دقيقة، وصلت إلى الأجهزة المختصة في وزارة الداخلية، وأن وزارة الداخلية تراقب منذ أكثر من سنة نشاطات وفعاليات الذين اعتقلوا، بالنظر إلى خطورتهم على الأمن والاستقرار.

وبعد الاستماع إلى اقوالهم، شرحت لهم موقفي المؤيد للإجراءات، وباركت جهودهم في خدمة العراق، آملاً أن يستمروا في خدمة العراقيين، كما يقومون الآن، راجيًا منهم أيضًا مراعاة حقوق المعتقلين في الدفاع عن أنفسهم، وكذلك حقوق الإنسان، وكذلك السعي قدر الإمكان إلى اعتقال الذين توجد أدلة ضدهم، والإفراج عن الذين لا أدلة ضدهم، فبينوا لي أن هذه الأمور تابعة للقضاء، لأنهم بعد قيامهم بالاعتقال وفق الإجراءات القضائية سلموا المعتقلين إلى الأجهزة القضائية، التي تقوم بالتحقيق معهم، لذلك باركت جهودهم، وأثنيت على هذه الروحية التي تتوثب في نفوسهم لخدمة العراق واحترام القانون والقضاءquot;.

على الصعيد نفسه، أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عن اعتقال 615 من قياديي حزب البعث المنحل، معظمهم من محافظات الوسط والجنوب، مؤكدًا محاولتهم تحويل محافظة صلاح الدين (175 كم شمال غرب بغداد)، التي أعلنت نفسها إقليمًا، ملاذًا آمنًا.

وقال المالكي، في لقاءتلفزيوني سيتم بثه لاحقًا وفقًا لمكتبه الإعلامي في بيان صحافي تسلمته quot;إيلافquot;، إنه quot;لا بد من الفرز بين البعثيين، الذين يعملون في دوائر الدولة ومؤسساتها، وإنسجموا مع العملية السياسية وتصدّوا للإرهاب، وبين البعثيين الصدّاميين، الذين يتعاونون مع القاعدة، ويعملون على إسقاط العملية السياسيةquot;.

وأشار المالكي إلى أن quot;الاعتقالات التي نفذتها الأجهزة الأمنيةأخيرًا تمت بناء على معلومات وأدلة كثيرة، وشملت الذين يستهدفون أمن الدولة واستقرارها، وقد وصل عددهم إلى 615 شخصًا، من المحافظات كافة، معظمهم من محافظات الوسط والجنوبquot;. وأضاف إن quot;حزب البعث حزب محظور بموجب الدستور، لأنه حزب مجرم، أسقط السيادة الوطنية، واستهدف عموم أبناء الشعب العراقي، من خلال المقابر الجماعية والأسلحة الكيمياوية وغيرهاquot;.

وقال إن quot;عقلية البعث هي عقلية المؤامرة والانقلابات، وليس له طريق غير ذلكquot;، مؤكدًا أن quot;هذا ما لا يمكن تحقيقه في ظل النظام الجديد، الذي أصبح قويًا ومدعومًا من قبل الشعبquot;. وأضاف إن quot;حزب البعث يريد أن تكون محافظة صلاح الدين ملاذًا آمنًا لهم، ولكن هذا لن يحصل بوعي أهالي المحافظةquot;.

تفاصيل جديدة تكشف عن المحاولة الإنقلابيّة

تفصيل ما جرى من أحداث خلال الأسبوع الماضي، التي رافقتها عملية اعتقال عدد كبير من المنتمين إلى حزب البعث، كشفه مصدر مقرب من ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي قائلاً انه quot;منذ ستة اشهر تم اعتقال احد الاشخاص في بغداد عن طريق الشبهة، وبعد التحقيق معه اعترف بالخطوط العريضة لهذه المؤامرة العملية الخطرةquot;، متابعًا quot;تم تبليغ القيادات الاستخباراتية المهمة، ومن خلال مراقبة اجهزة الهواتف والعناوين، التي ادلى بها المعتقل، تم التوصل الى الاماكن التي يعقد فيها قيادات مهمة في البعث اجتماعاتهمquot;، مشددًا على ان غالبيتهم quot;اعضاء فرع وشعب في حزب البعث المحظورquot;.

وأضاف المصدر، الذي نقلت صحيفة quot;المدىquot; التي يرأس تحريرها فخري كريم مستشار الرئيس طالبانيquot;عملت الاجهزة الاستخباراتية على اختراق هذه الشبكة، ونجحت في ذلك، من خلال دخول احد ضباط الجهاز الاستخباري الى هذه اللقاءات، وكان يحمل معه كاميرا صوّر فيها كامل المباحثاتquot;.

وعن طبيعة المخطط، الذي كانت تنوي له قيادات البعث، قال إنه quot;تبين أن الحزب المحظور كان ينوي خلال هذه الأيام تحديدًا تنفيذ سلسلة كبيرة من التفجيرات فيكل محافظات العراق، باستثناء إقليم كردستان، ومن ثم يلجأ الى تحريك بعض القطعات العسكرية من الجيش، التي تقع تحت امرة ضباط رفيعي المستوى، يعملون مع هذا التنظيم السري، وجرى اعتقالهم ايضًا للسيطرة على بغداد وإسقاط الحكومةquot;.

واستطرد quot;في ليلة الاعتقال، وتمام الساعة الواحدة من بعد منتصف الليل، تحركت الاجهزة الأمنية على ما يقارب الـ 300 هدف، جرى اعتقالهم من دون اي خسائر او مواجهات، وهم الآن رهن التحقيق، وسيواجهون بالأدلة التي يمتلكها القضاءquot;، لافتًا الى quot;ان المخطط جرى التنسيق له من خلال 800 قيادي بعثي، تم إلقاء القبض على 500 منهمquot;.

ونفى المصدر المعلومات التي كانت قد تداولتها بعض وسائل الإعلام بخصوص تزويد دول الجوار العراق بمعلومات حول هذا المخطط، وان كلاً من سوريا وليبيا سعت في الكشف عن المخطط البعثي الذي يهدف إلى إسقاط العملية السياسيةquot;، وقال quot;هذا كلام غير صحيح بالمرّة، وإن الجهد كان عراقيًا بحتًا، من خلال الأجهزة الاستخباراتيةquot;. وحاول المصدر الربط بين هذ المخطط والدعوات التي أطلقها نائب رئيس النظام السابق، عزت الدوري إلى ضرورة لملمة الحزب والقيام بعمليات مهمة لإثبات قوته والاستعداد لما بعد الرحيل الأميركي.

من جانبها أكدت أن quot;قوات الأمن تمكنت حتى الآن من إلقاء القبض على نسبة 75% من المطلوبين المتهمين بالإرهاب، ومحاولة إعادة إحياء حزب البعث المنحل، غير انها نفت ما أدلى به الملا، وأكدت أن اعتقال هؤلاء المتهمين جاء وفق قانون مكافحة الإرهاب من دون إصدار أوامر قضائية باعتقالهمquot;.

الوكيل الأقدم للوزارة عدنان الأسدي أفاد بأن quot;القوات الأمنية ألقت القبض على أكثر من 500 عنصر في البعث المنحل خلال الأيام الماضيةquot;، مبينًا أن quot;هذا العدد يشكل نحو 75% من المطلوبين بقضايا إرهابية صدرت ضدهم أوامر قبض من السلطة القضائية الاتحاديةquot;.

وأضاف الأسدي أن quot;الحملة الكبيرة التي قادتها الوزارة لإلقاء القبض على عناصر البعث الصدامي المتورطين بالإرهاب، خطط لها منذ ما يقارب الستة أشهرquot;، مؤكدًا أن quot;الوزارة شكلت في حينها غرف عمل لمراقبة نشاط الحزب المحظور بعد الحصول على معلومات أمنية، من خلال التحقيقات التي جرت مع مرتكبي العمليات الإرهابية في بغداد والمحافظاتquot;.

ولفت الأسدي إلى أن quot;التحقيقات كشفت عن وجود ترابط بين البعث والقاعدةquot;، موضحًا أن quot;لدى وزارة الداخلية رؤى وخيوطًا كثيرة، وتمكنت من كشف مخطط بين ما يسمّى بـدولة العراق الإسلامية وحزب البعث المحظور، الذي يقوم بتهيئة الوسائل والآليات لما يمتلكه من خبرات سابقة من قبل عناصره المنتشرة في العراق والمتواطئين معهquot;.

وتابع الأسدي أن quot;حزب البعث يقوم بتقديم المعلومات الاستخبارية عن أهدافه، ومعها الدعم المالي واللوجستي، ويقوم أفراد التنظيم الإرهابي بالتنفيذquot;، مضيفًا أن quot;التحقيقات كشفت عن هيكلية تنظيمية جديدة للبعث الصدامي على مستوى العراق متمثلة في أعضاء الفروع، وثم أعضاء الشُعب والفرقquot;.

الصدر يدعو إلى ميثاق شرف يجنّب البلاد حربًا طائفية جديدة

ودعا الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر إلى توقيع ميثاق شرف شعبي يجنّب البلاد حربًا طائفية جديدة، كالتي ضربتها عام 2006، وأدت الى مقتل آلاف العراقيين وتشريد مئات آخرين من مناطق سكناهم.. كما طالب رئيس الوزراء نوري المالكي رفض دعوة وجّهها إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما لزيارة واشنطن.

جاء ذلك في رد للصدر على سؤال لمجموعة من أنصاره قالوا فيها quot;البعض من القوى السياسية والدينية أبدى مخاوفه من الانسحاب الاميركي من العراق، مدعيًا بأنه سيولد فراغًا أمنيًا يؤدي بالنتيجة إلى انفلات أمني كبير، لايمكن السيطرة عليه، مما سيسبب ذلك بتصارع واقتتال طائفي، وكذلك سيقوّي شوكة الإرهاب، ومن يقف خلفه في هذا البلد.. فهل من رد على هذه الإدعاءات؟quot;.

وفي رده قال الصدر إن quot;السبب الرئيس فيأمراض العراق وآفاته وويلاته وبلاءاته هو وجود المحتل في البلاد، فهو من يذكي الفتنة الطائفية والعرقية والحروب الأهليةquot;. وأشار الى أن quot;الشعب العراقي استفاد من تجربته السابقة، ورأى ما هي نتائج العنف والإرهابquot;.

وأضاف الصدر أن quot;معظم النزاعات والصراعات كانت لأسباب سياسية، فلا يحق للقوى السياسية أن تنشر مخاوفها من الانسحاب، لأنها أن وعت وتنازلت واتخذت السلام منحى لها، فلا عنف ولا انفلات أمني على الإطلاقquot;. وشدد على ضرورة وضع quot;أسس وضوابط أو ما يسمّى بميثاق الشرف الشعبي بين أفراد الشعب الذي يمنع انفجار حرب طائفيةquot;.

ودعا الصدر علماء الدين إلى quot;إلقاء المواعظ والمحاضرات والخطب والنصائح التي ستجعل من العراق بيتًا للتعايش السلميquot;. وأكد على ضرورة quot;حماية الحدود بصورة جيدة، والتي تكون سببًا لعدم نشوب تلك الأمورquot;. وناشد من أسماهم بأشراف العراق والمقاومة الشريفة بأن quot;يكونوا على قدر المسؤولية مع فرض خروج الاحتلال من البلاد، ويدًا واحدة مع أبناء الشعب العراقيquot;.

واضاف أن quot;الشعب العراقي قد استفاد من تجربته السابقة، ورأى بأم عينه ما هي نتائج العنف والإرهاب، وما يؤدي إليه من تفكك وتشرذم وضياع وموت وفتك، فلا أظنه بغافل عن ذلك، بل يستطيع إيجاد الحلول من أجل عدم تكرار التجربة المريرة السابقةquot;.

وقال quot;حسب الظاهر فإن غالبية النزاعات والصراعات، بل والكثير مما وقع في عراقنا الحبيب، كان ذا أسباب سياسية، فلذا لايحق للقوى السياسية أن تنشر مخاوفها، فإنها إن وعت وتنازلت واتخذت السلام منحى لها فلا عنف ولا انفلات أمني على الاطلاق، ويجب وضع أسس وضوابط للتعامل بين افراد الشعب أو ما أسميته سابقًا بميثاق الشرف الشعبي، وهذا ما سأسعى إليه لاحقًا أيضًا، وطرحه من خلال المؤتمر، الذي سنقيمه بعد الخروج بفترة ليست بطويلة، وعليه فلا يمكن مع الإيمان بذلك الميثاق انفجار أي حرب طائفية او خلاف او انفلات أمنيquot;.

وطالب الصدر في الختام بحماية الحدود بصورة جيدة لأن حمايتها سيكون سببًا مباشرًا بعدم حصول مثل أمور كهذه،وسيتم من خلالها الحفاظ على الأمن والأمان.

من جهة أخرى، فقد دعا الصدر المالكي إلى رفض دعوة الرئيس الأميركي باراك اوباما لزيارة واشنطن. وقال في رده على سؤال لأحد أنصاره عن نصيحته للمالكي بخصوص الدعوة التي وجّهت إليه من قبل الرئيس الأميركي لزيارة واشنطن quot;على الأخ المالكي أن يراعي في ذلك المصلحة العامة الدينية والعقائدية، ويعدل عن قرار الذهاب الى واشنطنquot;.

وأضاف ان quot;أميركا الآن في طور السيطرة، والهيمنة على الأراضي العراقية وشعبها سياسيًا وعقائديًا وما إلى ذلك خارج نطاق العسكرquot;. وقال إن quot;هذا يقتضي عدم السير خلف كل ما يكون دليلاً واضحًا على تلك الهيمنة، ومن ضمن ذلك ذهاب رئيس الوزراء الى أميركا تلبية لدعوة من الرئيس الأميركيquot;. وكان أوباما قد وجّه دعوة رسمية الى المالكي لزيارة الولايات المتحدة في الاسبوع الماضي، فوعد الأخير بتلبيتها.

وكان الرئيس الاميركي قد اعلن خلال الاسبوع الماضي عن سحب كامل القوات الاميركية من العراق بحلول 31 كانون الاول (ديسمبر) المقبل. وكان قرار انسحاب القوات الاميركية من العراق في نهاية السنة موضع اتفاق وقّع في 2008 بين البلدين، لكن واشنطن وبغداد تتفاوضان حاليًا لإبقاء كتيبة من بضعة آلاف من العناصر لتدريب الجنود العراقيين.

لكنالمحادثات تتعثر حول الوضع القانوني للقوات الأميركية في العراق بعد 2011. وتطالب واشنطن بحصانة تامة لعسكرييها، ليكونوا في منأى من أي ملاحقة قضائية في العراق، وهو ما رفضته بغداد. والحرب في العراق، التي دامت حوالى تسع سنوات، أوقعت حوالى 4400 قتيل في صفوف القوات الأميركية، و100 ألف على الأقل في صفوف المدنيين العراقيين، وكلفت الولايات المتحدة مئات مليارات الدولارات.