اكثر من 905 مسيحي قتلوا في أعمال عنف منذ سقوط صدام حسين

يؤيد عدد من المسيحيين انتفاضات الربيع العربي، ويعيش آخرون حالة رعب من أن يكون ما حصل في العراق نذيراً بالمصائب التي تنتظرهم في بلدان أخرى.


لندن:يخشى المسيحيون في عموم الشرق الأوسط ان يكون ما حدث في العراق نذيرا بالمصائب التي تنتظرهم في بلدان أخرى من المنطقة التي تشهد غليانا سياسيا منذ الانتفاضات التي فجرها الربيع العربي.

وفي حين ان الكثير من المسيحيين ما زالوا يؤيدون هذه الانتفاضات فان آخرين يتوجسون خيفة من العنف الذي يمكن ان يطلقه سقوط الحكام المستبدين ضد المسيحيين وغيرهم من الأقليات في البلدان ذات العلاقة.

وكان العنف الطائفي الذي اعقب غزو الولايات المتحدة للعراق وسقوط نظام صدام حسين مريعا على العراقين كافة بمن فيهم السنة والشيعة ولكنه كان كارثيا على مسيحييه. وتنقل صحيفة وول ستريت جورنال عن المطران مار لويس ساكو رئيس اساقفة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في كركوك والسليمانية ان 54 كنيسة على الأقل تعرضت للتفجير وما لا يقل عن 905 مسيحيين قُتلوا في اعمال عنف مختلفة منذ الغزو الاميركي. وقال تقرير اصدرته المجموعة الدولية لحقوق الأقليات مؤخرا ان نحو 500 الف مسيحي ما زالوا في العراق بالمقارنة مع تقديرات تضع عددهم ما بين 800 الف الى 1.4 مليون مسيحي في عام 2003.

وحذر المطران ساكو من إفراغ العراق من مسيحييه بسبب هذا quot;النزيفquot; على حد وصفه.

ولكن المسيحيين العراقيين ليسوا وحدهم الذي يواجهون مثل هذه الضغوط. ففي مصر يخشى المسيحيون الذين يشكلون 10 في المئة من سكانها البالغ عددهم 85 مليونا أن يقوض الاخوان المسلمون والسلفيون بعض ما قدمته الحكومات السابقة من ضمانات لحمايتهم.

وفي سوريا حيث يشكل المسيحيون اكثر من 5 في المئة من السكان تنظر الأقليات على اختلاف هوياتها ومذاهبها بقلق إلى استقرار بلد يتسم بتنوعه العرقي والمذهبي. ويقول ممثلون عن هذه الأقليات ان هذه الجماعات يمكن ان تقتتل فيما بينها إذا سقط نظام الرئيس بشار الأسد.

وعانى لبنان 15 عاما من الاقتتال الطائفي في حرب اهلية لم تنته إلا في عام 1990. ورغم تفاؤل بعض القادة المسيحيين بالوعد الديمقراطي للربيع العربي فان كثيرين يقلقون من تداعياته على المسيحيين. وقال المطران بشارة الراعي بطريرك الكنيسة المارونية في قداس أُقيم مؤخرا في ذكرى ضحايا الهجوم على كنيسة سيدة النجاة في بغداد قبل اكثر من عام انه مع الربيع العربي quot;إذا كان ربيعا بحق وليس مقدمة لشتاءquot; من الحرب الأهلية واضطهاد الأقليات.

وتحاط الآن كنيسة سيدة النجاة الكائنة وسط بغداد باسوار عالية واسلاك شائكة تحميها قوات عراقية. وفي الداخل وُضعت على المحراب صورة جماعية مركبة لضحايا الهجوم الذي قتل فيه نحو 50 مصليا مع ردائي اثنين من القساوسة قُتلا في الاعتداء. وما زالت بقع من الدم الجاف مرئية على السقف المخرم بآثار الرصاص. وفي كركوك فُجرت سيارة مفخخة خارج كنيسة في آب/اغسطس الماضي واسفر انفجارها عن اصابة 15 شخصا وتعرض الكنيسة لأضرار مادية. وفي نيسان/ابريل خُطف مسيحي ثم عُثر على جثته بعدما دفعت عائلته فدية قدرها 50 الف دولار، بحسب مسؤولين في الشرطة العراقية.

ويقول زعماء الأقلية المسيحية مثل المطران ساكو ان المسيحيين واقعون بين جماعات كبيرة تتصارع على السلطة في اشارة الى الشيعة الذين يشكلون الأغلبية في الجنوب والسنة الذين يتركزون في محافظات مثل نينوى في الشمال والانبار في الوسط وصلاح الدين شمال بغداد والكرد في كردستان العراق.

ويذهب بعض الزعماء المسيحيين الى ان وضع المسيحيين أفضل في ظل انظمة سلطوية لكنها علمانية مثل نظام الأسد في سوريا. وتنقل صحيفة وول ستريت جورنال عن المطران بشارة الراعي خشيته من quot;ان تأتي جماعات متطرفة تقيم مكانه حكما اسوأquot;.

وفي مصر شارك المسيحيون الأقباط بأعداد كبيرة في التظاهرات التي أدت الى سقوط الرئيس حسني مبارك في شباط/فبراير وصعود الأخوان المسلمين. ومنذ ذلك الوقت قُتل عشرات الأقباط في اشتباكات عنيفة مع متطرفين اسلاميين وقوات الجيش المصري.

وبادر المليونير القبطي نجيب ساويرس الى تأسيس حزب سياسي علماني لمواجهة ما يسميه خطر quot;دكتاتورية جديدةquot; تقيمها الأحزاب الاسلامية. وتبين نتائج انتخابات الاسبوع الماضي التي أُعلنت يوم الأحد فوز الاسلاميين بأكثر من 60 في المئة من الأصوات.

ولكن شربل عيد رئيس quot;مصلحة الطلابquot; في حزب القوات اللبنانية المسيحي الذي يدعم الانتفاضة السورية، يرفض الرأي القائل ان المسيحيين في الشرق الأوسط افضل حالا في ظل الحكام المستبدين. وقال خلال زيارة لشمال العراق الشهر الماضي ان من الخطأ ان يدعو المسيحيون الى العبودية فيما يتقدم الآخرون للمطالبة بالحرية ليلا ونهارا.

وفي سوريا كانت المنظمة الآشورية الديمقراطية احدى الجماعات العشر التي بادرت الى تأسيس المجلس الوطني السوري للمعارضة في تشرين الأول/اكتوبر الماضي في اسطنبول.
وكانت نظيرتها في العراق، الحركة الديمقراطية الآشورية، ناضلت ضد نظام صدام حسين سنوات طويلة وهي الآن تحاول اقناع المسيحيين العراقيين الذين يهاجرون افواجا بالبقاء والنضال من أجل المشاركة بدور في العملية السياسية.

ويقول المطران ساكو ان 30 الف مسيحي كانوا في كركوك إبان السبعينات وهم الآن أقل من 10 آلاف يتناقص عددهم بوتيرة متسارعة. ولا يبقى إلا المسنون واولئك الذين ليس لديهم فرصة للهجرة.

وتقوم السلطات الكردية ببناء آلاف المساكن الجديدة على اطراف كركوك داعية المسيحيين في وسط كركوك حيث تعرضوا لاعتداءات الى الانتقال اليها.

وخصصت السلطات الكردية نحو 100 قطعة ارض للعائلات المسيحية. ويمنح الاتحاد الوطني الكردستاني احد الحزبين الكرديين الرئيسيين في العراق، 10 آلاف دولار لكل عائلة تحصل على قطعة ارض. وتعهدت حكومة اقليم كردستان ببناء كنيسة جديدة محل المبنى مسبق الصنع الذي يصلي فيه المسيحيون حاليا، كما أكد مدير الناحية المسيحية في المنطقة مفيد حداد.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مواطنين من سكان كركوك ان هذا يحدث على اساس ان المسيحيين الذين ينتقلون الى المنطقة سيقفون الى جانب الأكراد في اي استفتاء يُجرى لتقرير مستقبل كركوك. وقال العديد من المسيحيين انهم سيفعلون ذلك لأنهم يشعرون بالأمان مع الأكراد أكثر من العرب. وانتقلت 50 عائلة مسيحية الى البيوت الجديدة رغم ان غالبية ابنائها هاجروا اصلا، بحسب هذه العائلات.

وتحاول الحركة الديمقراطية الآشورية الآن تشجيع المسيحيين الذين هاجروا على العودة الى منطقة أخرى من العراق تسمى سهل نينوى الواقع بين المنطقة الكردية والموصل العربية. وتريد الحركة تحويل المنطقة الى محافظة قائمة بذاتها تكون مسؤولة امام الحكومة الاتحادية في بغداد.

ولكن حتى في الأمان النسبي الذي يتوفر للمسيحيين في اقليم كردستان يهددهم الاسلاميون المتطرفون الذين تشجعوا بالربيع العربي. وأُصيب اكثر من 30 شخصا بجروح يوم الجمعة الماضي عندما هاجم جمع حرضهم امام مسجد بخطبة نارية متاجر لبيع الخمور وفنادق يملكها مسيحيون في مدينة زاخو بمحافظة دهوك شمال العراق.

في غضون ذلك يريد آرام بطرس متي الذي قُتل اخاه في عملية خطف وقُتلت زوجته في الهجوم على كنيسة سيدة النجاة، ان يهاجر مع زوجته المسيحية الجديدة وهو يفضل الهجرة الى اوروبا أو الولايات المتحدة. ولكن خياراته آخذة في التضاؤل. وكان متي امضى عاما في لبنان لكنه اضطر للعودة بعدما رُفض طلبه اللجوء. وكانت سوريا حتى الآونة الأخيرة بلد مرور لطالبي اللجوء العراقيين بمن فيهم المسيحيين. ولكن اقارب متي في دمشق قلقون الآن على مستقبلهم إذا سقط نظام الأسد. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن متي وصف اقاربه في سوريا بأنهم quot;خائفون، فهم لا يريدون تكرار ما حدث في العراقquot;.