الباحث والمحلل السياسي العراقي الدكتور حيدر سعيد

أكد الباحث والمحلل السياسي العراقي الدكتور حيدر سعيد ان تنظيم القاعدة الموجود في العراق حاليا هو تنظيم محلي، وهو تعبير عن تصدع سياسي، اذ ان القاعدة لم تعد في العراق كتنظيم اجنبي، مشيرا الى ان الكثير من التصورات الاميركية عن العراق لم تكن صحيحة لانه كان بلدا مغلقا منذ عام 1980 .
وأوضح حيدر في حوار مع (ايلاف) ان الاوساط الاميركية تعتبر العراقيين ناكري جميل فعلا، لان الاميركيين ابدوا رغبة صريحة لابقاء عدد محدود من قواتهم لكن العراقيين رفضوا ذلك.. وهنا نص الحوار.

* كيف تقرأ الانسحاب العسكري الاميركي من العراق وكيف تتوقع تداعياته؟
- انا شخصيا من الفئة أو الناس الذين يخشون ان يعقب الانسحاب العسكري الاميركي انسحاب سياسي ، بمعنى ان لا يحتل العراق مكانة ذات اولوية في الاستراتيجية الاميركية ، وانت تعرف ان الاميركيين كانوا بمثابة عنصر التوازن في المشهد السياسي العراقي ، بدء من عملية كتابة الدستور وضغطهم من اجل اشراك (السنة) بعد كتابة الدستور وبعد الازمة الحكومية الاخيرة التي قدموا حينها تصورات لحل للازمة ، وبالطبع ليست كل التصورات الاميركية تم الاخذ بها ولكن بعضها كان جزء من صفقة تشكيل الحكومة مثل قضية المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية العليا حيث كانت الفكرة اميركية ، انا شخصيا اعتقد انه بعد 9 سنوات هناك تعثر في التجربة الديمقراطية في العراق ، واقول اذا كان للعراق يمضي في الطريق نحو الديمقراطية فيجب ان يكون هناك التزام دولي وفي الصدارة من هذا الالتزام هو الالتزام الاميركي، انا اقول ان هناك خلافات داخل الادارة الاميركية حول قضية العراق، هناك اصوات داخل الادارة هذه امتدت الى الانسحاب الكامل من العراق حتى الانسحاب السياسي ، لانها تعتقد ان حرب العراق كلفتهم كثيرا ليس على المستوى المالي ومستوى الارواح والضحايا التي اعطوها بل حتى على المستوى السياسي ، يقولون نحن ضحينا كثيرا ولكن من دون محصلة كبيرة .

* هل معنى كلامك ان الاميركيين لم يخططوا لحرب العراق كما يجب؟
- لا احد يعرف متى بالضبط صار قرار اسقاط نظام صدام ، بالتأكيد هذا لم يحدث في حقبة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، اي خلال الحقبة الديمقراطية التي استمرت الى عام 2000، نعم خططوا ولكن الكثير من التصورات الاميركية لم تكن صحيحة ، لم تكن تتطابق مع ما هو موجود على الارض ، بالتأكيد ما حدث على الارض يختلف عن المخططات الاميركية لاسيما ان العراق بلد مغلق ، انا اعتقد حتى العراقيين لا يعرفون العراق بشكل جيد ، العراق بلد مغلق على الاقل منذ سنة 1980 ، ليس هناك جهد بحثي اساسي عن العراق الى سنة 2003 ، مع العلم انه خلال هذا الربع قرن عاش العراق تحولات كبرى اولها حرب طاحنة مع ايران ، ثم نظام شمولي شديد وحصار اقتصادي ، كل هذا غير بشكل جذري من بنية المجتمع العراقي ، العراقيون لم يتمكنوا من انجاز بحوث او دراسات عن التحولات التي صارت في بنية المجتمع والباحثون الاجانب لم يتمكنوا من ذلك أيضا، حيث كان البلد مغلقا ، وما كان بالامكان ان يأتي اجنبي، وبالتالي الاميركان جاءوا الى بلد لغز ، بلد غامض، يعني ان التصورات التي كانت لديهم هي تصورات ترجع الى ما قبل عام 1980، ثم ان العراق شهد عدد من المفاجآت بعدة عام 2003 ، ما كانوا يتوقعون ان تكون هناك مشكلة سنية ، مشكلة حول مكانة السنة من مؤسسة الحكم، من كان يتوقع ان العراق سيكون ساحة لاستقطاب القوى (الجهادية)؟ ،او ان تتسيد المعارضة الاسلامية .

*ولكنها تعرف ان هناك إسلاميين بين المعارضة؟
- نعم .. تعرف ان في اوساط المعارضة هناك ثقل للاسلام السياسي، ولكن ان يقبض الاسلام السياسي على الحكم بهذا الشكل ، اعتقد ان هذا لم يكن موجودا في التصورات بما في ذلك التصورات الاميركية ، وبالتالي سارت الامور بعكس المتوقع حتى بالتفاصيل بالمناسبة ، ثم ان الاميركان لم يخططوا الى ان يكون هناك دستور مبكر في العراق بهذا الشكل ، اي بحدود عام 2005 وانا احيل الى وثيقة الان ينساها الجميع وهي اتفاق طالباني ndash; بريمر في 15 / 11/ 2003 ، عندما كان طالباني رئيسا لمجلس الحكم ، هذا اتفاق رسم مسار العملية السياسية ، كان يقضي بانتخابات النخب على طريقة الكوكس الاميركية ، بعد هذا مباشرة في يوم 16 / 11 ، السيستاني رفض الاتفاق وقال يجب ان يكون هناك دستور دائم للبلاد تكتبه هيئة منتخبة انتخابا عاما ، ثم خرجت تظاهرات ، فصار الذي صار بتأثير السيستاني وليس ضمن الخطة الاميركية ، يعني صار قانون وزارة الدولة الذي حدد الانتخابات وصار دستور دائم للبلاد ، بمعنى ان التصورات الاميركية لم تستند الى واقع فعلي ، كانت التصورات مبنية على رؤية قديمة للمجتمع العراقي وليست بالضرورة ان تكون كما هي .

* هل ستنشط (القاعدة) في العراق كما يتخوف البعض؟
- انا اعتقد أن القاعدة هي تنظيم محلي، القاعدة هي تعبير عن تصدع سياسي ، القاعدة لم تعد في العراق كتنظيم اجنبي ، الان فتحت اكثر من ساحة لنشاط القاعدة التنظيم العالمي، هناك اليمن والصومال وليبيا وافريقيا ، انا اعتقد القاعدة تنظيم محلي ينشط بسبب التأزمات السياسية ، بسبب التصدعات السياسية، لذلك اذا يبقى العراق غير قادر على بناء مؤسسة سلطة تضمن شراكة الجميع ، سوف يبقى مهددا من هذه القاعدة .

* لماذا حرق ضباط اميركان بعض ما في قواعدهم؟
- ربما انا غير مؤهل للاجابة عن هذا السؤال ، ولكن ربما لقضايا تخص الاميركان .

* هل تعتقد ان الاميركان اعتبروا العراقيين ناكرين للجميل؟
- ليس هذا الدليل، وان ظهرت كتابات في الاوساط الاميركية تعتبر ان العراقيين ناكرو جميل فعلا، فالاميركان ابدوا رغبة صريحة لابقاء عدد محدود من القوات ، على الاقل 20 ألف جندي، وكان هذا رأي المؤسسة العسكرية الاميركية، نعم .. هناك جدل داخل واشنطن حول (هل نبقى في العراق ام لا؟) ، كما ان رأي هذه المؤسسة كان واضحا في الخشية من حدوث نزاع اثني بين العرب والاكراد حول كركوك ، لان قضية كركوك معقدة جدا ، لذلك كانوا يريدون بقاء 20 الف .

* هل تعتقد ان الاميركان لم يرغبوا في الخروج من العراق؟
- بالمناسبة .. حتى حول الاتفاقية الامنية ، فالاميركان لم يفكروا ان تكون هناك جدولة لانسحاب القوات ، كانت الفكرة اعادة انتشار القوات ، الطريقة التي فاوض بها العراقيون حول الاتفاقية جعلوها جدولا لانسحاب القوات ورئيس الوزراء نوري المالكي تقصد في ذلك الوقت ان يستعمل تعبيرا مستلا من اللغة الوطنية الكلاسيكية العراقية ، استعمل تعبير (الجلاء) ، ثم وصل الامر الى بقاء جزء محدود من القوات ، وهذا ايضا بالنهاية (بغض النظر عن الاسباب) لم يقرر العراقيون بقاء هذا الجزء المحدود وبقي النقاش حول المدربين ، وصارت القضية مسألة حصانة او لا حصانة ، وهناك قانون اميركي صادر عام 2002 يمنع ذلك .

* هل انتهت قضية المدربين وحصانتهم؟
- يقال هناك في الكواليس انه ستكون صفقة مع رئيس الوزراء حول المدربين .

* هل تعتقد ان مطالبة بعض المحافظات بالاقاليم ، للاميركان يد فيها؟
- لا .. انا شخصيا على حد علمي ، ان النقاش حول الاقاليم هو نقاش يرجع الى نحو سنة ولا علاقة له بالانسحاب الاميركي ، ربما كان هناك سبب مباشر قام بتنشيط وتعجيل الفكرة وهي قضية الاعتقالات التي صارت في محافظة صلاح الدين تحديدا ، لكن النقاش في الانبار كان منذ اكثر من سنة وانا على علم بذلك ، والسبب الاساسي ان المحافظات نفسها التي رفضت الدستور ، الذي ينطوي على الفيدرالية ، والان هي مع الفيدرالية والسبب هو اختلال العلاقة مع المركز .

* هل تعتقد ان الاميركان سيتخلون عن العراق بسهولة؟
- انا آمل .. ان لا يتخلون ، انا مع وجود التزام اميركي تجاه العراق ، لانني اعتقد ان العراق بحاجة الى الدعم الاميركي ، نحن عندما نتحدث عن مسألة تفصيلية مثل قضية القوانين ، على سبيل المثال قانون حماية الصحفيين، عشرات الندوات عقدها الصحفيون العراقيون للمطالبة بتعديل القانون وما الى ذلك ، ربما هذا لا يساوي بيانا تصدره منظمة دولية مؤثرة مثل (ارتكال 19) او صحفيون بلا حدود او غيرهما ، انا اعتقد هناك تشريعات خطرة معروضة امام البرلمان مثل مسودة قانون الجرائم المعلوماتية او مسودة قانون حرية التعبير ، انا اعتقد ان النقاش الدولي حول هذه القوانين امر مهم .

* هل تعتقد ان ثمة فرح عراقي بالانسحاب الاميركي ام العكس؟
- هذه اللغة التي تتحدث عن (نحن تحررنا) انا اشك فيها ، صحيح كان هناك احتلال ولكن في النهاية ان الذي خلصنا من الاستبداد هم الاميركان ، وانا اعتقد ان العراقيين الان امام ملفات اكبر وأهم من قضية الانسحاب الاميركي ، مسألة الخدمات ومسألة الكهرباء ومسألة الامن وغيرها ، كل هذه الملفات العراقيون يعتقدونها اكثر اهمية ولها الاولوية على بقاء جزء محدود او عدم بقائه من القوات الاميركية .