احتفل سكان جنوب السودان بنتائج استفتاء تقرير المصير فيما تحولت الخرطوم إلى مكان تعم فيه مظاهرات الاحتجاج.


احتفل سكان جوبا عاصمة الجنوب السوداني يوم الأحد الماضي مع الإعلان الرسمي عن نتائج الاقتراع وما سيترتب عنه. في تموز(يوليو) المقبل سينقسم السودان إلى دولتين. وجاء ذلك بعد إعلان عدد من المسؤولين السودانيين بأن الجنوبيين قد صوتوا بنسبة تقارب الـ 99% لصالح الانفصال خلال الاقتراع الذي جرى ما بين 9 و15 كانون الثاني (يناير).

ولم تكن النتيجة حسبما ترى مجلة quot;تايمquot; الأميركية مفاجئة، لكن بعد نضال استمر ما يقرب من 50 سنة وجهود دبلوماسية دولية شاقة، يجد الكثير من الجنوبيين صعوبة في تصديق قدوم اليوم الذي ظلوا يحلمون به طويلا.

ومع انفصال جوبا تتحول الخرطوم هي الأخرى حالها حال عدة مدن عربية إلى مكان تعم فيه مظاهرات الاحتجاج. فباستلهام ما جرى في تونس ومصر خرج الكثير من الطلبة السودانيين إلى الشارع في المدن الجامعية عبر شمال السودان.

ومع الدور السلبي الذي لعبته حكومة عمر حسن البشير في انفصال السودان القريب ومواجهتها لأزمة اقتصادية بسبب فقدان السودان للدخل المتأتي من نفط الجنوب، راحت الشرطة السودانية بهراواتها تعتقل زعماء المظاهرات المشتبه بهم مع ضرب المتظاهرين وتطويق الجامعات. ومع حلول الليل كان المتظاهرون قد تفرقوا.

ترى مجلة quot;تايمquot; أنه حتى من دون وقوع انتفاضتي تونس ومصر، كانت المشاكل السياسية والنشاطات المعارضة موشكة على الوقوع في السودان بسبب انفصال الجنوب عن بقية السودان ودور السياسات المستبدة التي اتبعها النظام في تحقيق ذلك. فالجنوب يحتوي على 80% من احتياطي النفط السوداني ويشكل الدخل الأساسي الذي تحصل عليه الحكومة الشمالية.

كذلك يواجه البشير مشاكل أخرى مثل الديون الهائلة التي وصلت إلى 40 مليار دولار مع التهديد الذي تواجهه الزراعة بانقطاع الاستثمارات عنها وتقلص احتياطي العملة الصعبة والتضخم المتزايد بمعدلات عالية. ففي بداية كانون الثاني(يناير) الماضي اتخذت الخرطوم جملة إجراءات تقشف سعيا منها لتحقيق استقرار للاقتصاد بما فيها رفع الدعم لأسعار الوقود والمواد الغذائية الأساسية.

مع ذلك، فإن الاحتجاجات ما زالت محدودة في السودان وما زالت قبضة البشير قوية في الخرطوم. لكن خارج العاصمة السودانية، تستمر مشكلة دارفور، ويستمر الغضب من تهميش النظام السوداني للمناطق الواقعة في أطراف البلد خصوصا في ولايتي كوردفان والنيل الأزرق.

ففي كانون الثاني الماضي ظهرت مجموعة متمردة في وسط السودان وركزت على الشكاوى المتعلقة بالبرامج الزراعية. كذلك فإن الجنوب والشمال ما زال عليهما أن يقررا الحدود الفاصلة بينهما. فبلدة ابيي ما زالت موضع خلاف والمناوشات ما بين قبيلة نغوك دينكا الجنوبية وقبيلة ميسيريا الشمالية قائمة.

ترى المجلة الأميركية أن ما تركه القمع الذي مارسته الخرطوم على سكان الجنوب السوداني قد ترك ذكريات مريرة قوية في نفوسهم. إضافة إلى أن التشنجات الدينية والعرقية ما زالت تغلي في نفوس الجنوبيين.
أكثر الجنوبيين هم أفارقة غير مسلمين ويتطلعون إلى سنوات القتال باعتبارها مقاومة للجهود الشمالية لأسلمة الجنوب ووضعه تحت سلطة العرب.

في خطاب سلفا كير الذي ألقاه بعد الاستفتاء الاحد الماضي قال زعيم جنوب السودان إن quot;سوء المعاملة التي اتبعها الشماليون ضد الجنوبيين كانت غير انسانية وهذا ما جلب الناس لهذا اليومquot;.

ولعله لهذا السبب امتلأت شوارع الخرطوم بصرخات غاضبة مطالبة بتغيير النظام، وعلى بعد 700 ميل كان الجنوبيون يحتفلون في الشوارع ويتبادلون في ما بينهم القبلات ويرفعون أيديهم في الهواء تعبيرا عن الفرحة العارمة بالانفصال.

قالت الطبيبة آية جارفاس المشاركة في الاحتفالات: quot;على الأقل سيكون لنا وطنا حيث لا يسألني أي شخص أن أكون مسلمة أو عربيةquot;. وإذا كان النظام المستبد قد دفع جنوب السودان للانفصال عن الشمال فإن السؤال المطروح الآن: هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفسيخ البلد بأكمله؟