تأمل الأوساط السياسية أن يقوم النائب وليد جنبلاط بدور الوسيط لإذابة الجليد الذي يعتري العلاقات بين رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري وكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله تمهيداً لفتح صفحة جديدة، من شأنها التخفيف من حدة الوضع المتأزم الذي تعيش الساحة اللبنانية.
فيأوج الخلاف الذي وقع بين رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ورئيس quot;جبهة النضال الوطنيquot; النائب وليد جنبلاط، إثر كشف الأخير في مؤتمر صحافي أوراقاً من التسوية التي رعتها المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية وفقًا للمعادلة المتعارف عليها بـ quot;س- سquot;، لم يصدر من الحريري في معرض نفيه ما أورده جنبلاط عن موافقته على بنود التسوية المتضمنة إلغاء لبروتوكول المحكمة الدولية الناظرة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ووقف التمويل لها وسحب القضاة اللبنانية منها ما يسيء مباشرة إلى quot;حليف الأمسquot;، حيث لم يسمّه بالاسم في الخطاب الذي ألقاه في الرابع عشر من فبراير (شباط) الماضي في الذكرى السنوية السادسة لاغتيال والده،مكتفياً بالتلميح إلى أن هناك من غدر به، وخان المبادئ التي اتفق عليها، وفي مقدمها الالتزام بالمحكمة الدولية.
لم يعد خافياً القول إن جنبلاط اعتبر كلام الحريري يومها موجهاً إليه، فسارع إلى الرد عليه من دون استخدام أي quot;عبارات لاذعةquot; يتقنها صاحب الرد عندما تستدعي الحاجة ذلك. إلا ان المفاجأة كانت في تلقي الزعيم الدرزي في اليوم التالي اتصالاً من المستشار السياسي للرئيس الحريري النائب السابق الدكتور غطاس خوري، يعلمه فيه ان ما جاء على لسان الحريري في quot;البيالquot; لا يستهدفه، بل إن المقصود في الكلام هو الرئيس نجيب ميقاتي المكلف تشكيل الحكومة الجديدة.
وفي اتصال أجراه جنبلاط مع ميقاتي للتباحث في موضوع تأليف الحكومة، تطرق الاثنان إلى موقف الرئيس الحريري في quot;البيالquot;، حيث عُلم ايضاً ان ميقاتي تلقى بدوره اتصالاً من مقرب من الحريري، يوضح له فيه أن ما سمعه في خطاب الأخير لا يعنيه على الإطلاق، بل هو موجّه إلى النائب جنبلاط.
إزاء هذه الواقعة، أبدى جنبلاط انزعاجه الشديد من تصرف من وصفه ذات يوم بـ quot;الصديق الأزليquot;، وذهب إلى حدّ القول أمام كاتب هذه السطور إنه لن يتحدث مع الحريري بعد الآن، ما لم يقدم الأخير علناً اعتذاراً، لا منه فحسب، بل من الرئيس ميقاتي أيضاً.
لم تمضِ ثماني وأربعون ساعة على موقف جنبلاط هذا حتى توجه الرجل إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد، ليعود بعدها إلى بيروت، مع مفاجأة جديدة، تمثلت هذه المرة في الكشف عبر مصادر قريبة منه عن مبادرته إلى الاتصال بالرئيس سعد الحريري، واضعاً بذلك حدّاً لقطيعة بينهما استمرت أسابيع.
وإذا كانت الأوساط السياسية المتابعة تساءلت ما إذا كانت وراء مبادرة جنبلاط هذه نصيحة تلقاها من القيادة السورية بضرورة إعادة وصل ما انقطع بين الزعيمين اللبنانيين تمهيداً لعودة الأطراف كافةإلى طاولة الحوار واعتماده أساسًا لحل الخلافات المستحكمة حول الموضوعات المتنازع عليها،وفي مقدمهاقضية سلاح المقاومة، فإن الظاهر بالتأكيد هو اعتماد كل من فريق الحريري وجنبلاط طوال الفترة الماضية لغة هادئة في التخاطب، رغم التباعد الحاصل بينهما، الأمر الذي مهّد إلى تراجع الثاني عن شرطه لمعاودة التواصل مع الأول، فيما الأخير لم يعلن يوماً عن مقاطعته النهائية لجنبلاط، بل ذهب إلى أبعد من ذلك إلى حد التعميم على نوابه والقيادات في تياره بعدم التعرّض إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي،وكذلك لسوريا.
حيث يشار في هذا المجال إلى أن أحد أبرز المساعدين للحريري أبلغ quot;إيلافquot; صراحة أن رئيس حكومة تصريف الأعمال، ورغم الإساءات التي تعرض لها من الجانب السوري، خصوصاً لدى إصداره مذكرات توقيف غيابيةفي حق عدد من القريبين منه والمحسوبين عليه، وبينهم قيادات أمنية وقضائية، أبدى حرصه على عدم المسّ بالعلاقات اللبنانية السورية والعودة بها إلى الوراء.
من هنا تأمل الأوساط السياسية المتابعة أن يقوم جنبلاط بدور quot;الوسيطquot; لإذابة الجليد الذي يعتري العلاقات بين الحريري وبين كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري وquot;حزب اللهquot; تمهيداً لفتح صفحة جديدة من شأنها التخفيف من حدة الوضع المتأزم الذي تعيش الساحة اللبنانية. وقد جاء كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس حول quot;غضّ طرفquot; الحزب عما ورد على لسان جنبلاط من من انتقادات للحزب في وثائق quot;ويكيليكسquot; وقبول اعتذاره عما صدر منه في quot;لحظة التخليquot; يوم كان في الموقع البعيد عن توجهاته على حد قوله، ليعزز موقع رئيس جبهة النضال والدور المشار إليه الذي بدأه قبل نهاية الاسبوع الماضي بنصح الحريري وحثّه على الاتصال ببري ونصر الله، قبل أن يُصدم بموقف رئيس حكومة تصريف الأعمال الأخير، الذي حمل فيه على إيران، ويُسارع للرد عليه من دون انفعال أيضًا عملاً بالتفاهم غير المعلن بين المختارة (مقر جنبلاط) وبين بيتالوسط (مقر الحريري) والقائم على إبقاء الخطوط مفتوحة بينهما.
التعليقات