السوريون يترقبون مصيرهم مع تواصل الاحتجاجات المطالبة برحيل الأسد

تشير الاشتباكات التي اندلعت في مرتفعات الجولان مع الجيش الإسرائيلي على مرحلة أخرى في مساعي الرئيس السوري بشار الأسد التي ترمي إلى أن يكون له اليد العليا في مواجهة المعارضة المحلية الثابتة بالداخل.


تم كسر حالة الهدوء التي سادت على طول الحدود بين سوريا وإسرائيل لمدة 37 عامًا يوم الأحد الماضي، الموافق الخامس عشر من الشهر الجاري، عندما اقتحم المئات من الفلسطينيين والسوريين السياج الذي يفصل بين البلدين في مرتفعات الجولان وقيام الجيش الإسرائيلي بقتل أربعة أشخاص. وفي وقت اندلعت فيه تلك الاشتباكات بلا شك عن طريق الفلسطينيين الحريصين على إحياء ذكرى النكبة، فإنها قد تكون أيضًا علامة على مرحلة أخرى في مساعي الرئيس السوري بشار الأسد التي ترمي إلى أن يكون له اليد العليا في مواجهة المعارضة المحلية الثابتة بالداخل.

وفي هذا السياق، قالت مجلة فورين بوليسي الأميركية إنه من الصعب تخيل اندلاع المظاهرات دون وجود تواطؤ من جانب الأسد. فلم يسبق أن حدثت احتجاجات كهذه خلال السنوات الماضية على حدود الجولان. كما أن الوصول لتلك المنطقة يخضع لرقابة مشددة، ولا يُسمَح للأشخاص بالتجمع هناك دون الحصول على إذن مسبق من الحكومة.

وفي العاصمة دمشق، قال محللون ومعارضون إن ما حدث في الجولان رسالة مباشرة من نظام الأسد إلى إسرائيل والولايات المتحدة وكذلك منافسيه بالداخل، مفادها: إما أن نبقى في السلطة أو ستكون هناك حالة من الفوضى. ولا صوت يعلو الآن في سوريا سوى الحديث حول ما إن كان النظام، كما يزعم، قد تمكن أخيراً من الحصول على quot;اليد العلياquot; في مواجهة تلك الانتفاضة التي تشهدها البلاد منذ شهرين.

وهي الفكرة التي تم طرحها أولاً من قِبل مستشارة الأسد، بثينة شعبان، خلال المقابلة التي أجرتها الأسبوع الماضي مع صحيفة النيويورك تايمز الأميركية، وتم تغذيتها بواسطة التقارير التي تحدثت عن صغر حجم المشاركة في الاحتجاجات وكذلك الوعد الذي قطعته الحكومة على نفسها بإجراء quot;حوار وطنيquot; يوم الجمعة.

وبالنظر إلى الأوضاع من دمشق، يسهل اعتقاد أن الحكومة تمتلك بالفعل اليد العليا، مع عودة السيارات إلى الشوارع، وجلوس الناس على المقاهي، على عكس ما كان يحدث في الأسابيع السابقة، وقت أن كانت تخلو الشوارع من المارة والسيارات بعد الثامنة مساءً. لكن بعض الدمشقيين قالوا إن الواجهة أمر مجرد، لأنهم اعتادوا quot;نظامًا جديدًاquot; في سوريا. وكما أوردت المجلة عن أحد السكان المحليين، قوله quot; في حين كنا في ذعر شديد قبل أسبوعين، فإننا ربما تعودنا على الوضع الراهنquot;.

ومضت فورين بوليسي تقول إن هذا الوضع الراهن عبارة عن جمود متزايد بين النظام والمتظاهرين، في ظل وجود أغلبية صامتة بينهما. وتابعت المجلة بقولها إن الطبقة المتوسطة الحاسمة، التي تتألف من الأساتذة والأطباء ورجال الأعمال بالعاصمة دمشق الراقية وتجار حلب، هي التي يأمل الأسد أن يكسبها في صفه، عن طريق إشعال الصراع العربي الإسرائيلي وعبر إطلاق تحذيرات وخيمة من حرب أهلية وشيكة.

في غضون ذلك، بدأ يتزايد استقطاب نقاد النظام وأنصاره، على حد سواء. ومع ذلك، لفتت المجلة إلى وجود قلة من المراقبين المحايدين: حيث يرسم بعض ناشطي المعارضة صورة وردية لقرب زوال نظام الأسد، بينما يواصل عالمون ببواطن الأمور في الحكومة ترويجهم إلى أن المتظاهرين إسلاميون متشددون يسعون لتأسيس دولة دينية.

وعلى الرغم من اعتراف المجلة بأن الحكومة السورية ربما نجحت في الحصول على اليد العليا في مواجهاتها مع المتظاهرين، بعد أن بدأت تقل أعداد المشاركين في التظاهرات التي شهدتها البلاد أخيرًا، مع لجوء السلطات إلى استخدام القوة الغاشمة وحصار الجيش للمدن المضطربة والاعتقالات الجماعية، ما ساعد على تحجيم التظاهرات. وقالت في هذا الصدد منظمات تعمل في مجال حقوق الإنسان إن أكثر من 850 شخصًا قُتِلوا خلال تلك الانتفاضة، بالتزامن مع اعتقال أكثر من عشرة آلاف.

ثم مضت المجلة تقول إن هناك الآن خلافاً بشأن حقيقة الأعداد التي تشارك في التظاهرات بالشوارع السورية. وعبر ما يتم نشره من مقاطع مصورة على موقع اليوتيوب الشهير، يُقدِّر محللون في دمشق أن العدد الإجمالي للمتظاهرين في أي مكان يتراوح ما بين 100 ألف إلى مليون على الأكثر. ونقلت المجلة عن أحد المحللين المحليين، قوله quot; من الخطأ وضع الاحتجاجات التي تشهدها سوريا في نفس شريحة التظاهرات التي شهدتها كل من تونس ومصر. لكنه أمر مخادع أيضًا أن نفصل بينهم كليًا ndash; فجميع تلك الأحداث قد وقعت للإلهام نفسه، لكن واجهتها عقبات مختلفةquot;.

ولفتت المجلة في الإطار عينه إلى أن حركة المعارضة في سوريا تمر بحالة إنكسار من الناحية الجغرافية، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان تقييم قوتها. وأكدت أن حالة الهدوء التي تهيمن على مناطق محورية مثل دمشق قد تكون خادعة أيضًا. ورأت أن أبرز المجموعات الغائبة بشكل واضح عن ساحة الاحتجاجات في سوريا - في تناقض واضح لما شهدته الانتفاضتين الشعبيتين في مصر وتونس أخيرًا - هي تلك المجموعة الخاصة بأصحاب المناصب العليا من الشباب السوري المتعلم رغيد الحياة.

وعلى الرغم من العقبات الكبرى التي تواجهها حركة المعارضة هناك، يعلن الناشطون عن اعتقادهم بأنهم يكسبون الأغلبية الصامتة في صفهم بصورة بطيئة، وهي الأغلبية التي إما ستصنع أو ستنهي ثورتهم. وختمت المجلة بنقلها عن أحد المعارضين، قوله quot; قد يكون ما يحدث انتصارًا للثورة المضادة في الوقت الراهن. لكن الصورة الأكبر ما زالت كما هي. والنظام سيرحل في وقت ما- لكن ليس بين عشية وضحاها، بالطريقة التي تريدها وسائل الإعلام. وإن كان ما حدث حتى الآن هو أمر ثوري من جانب سورياquot;.