الرياض : يأتي طريق الملك عبد الله بن عبد العزيز بمدينة الرياض في مقدمة الحلول الإستراتيجية البارزة لتقليل أثر الازدحام المروري ؛ إذ يحمل على متنه أكثر من نصف مليون سيارة ؛ أي أضعاف الطاقة الاستيعابية السابقة التي لا تتجاوز 190ألف سيارة في اليوم.

وطبقا للأرقام الإحصائية التي كشفت عنها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ، فإن سكان الرياض يزيدون عن أربعة ملايين وثمان مائة ألف نسمة ، فيما يبغ عدد السيارات لكل أسرة نحو 1.72 ، وتقوم هذه السيارات بقطع ستة ملايين رحلة مرورية يوميا ، في متوسط وقتي يبلغ تسعة عشر دقيقة للرحلة الواحدة ، إلا إن طريق الملك عبد الله فور اكتماله سوف يقلل من هذه النسبة كثيرا.ووفقا للإحصائية ذاتها التي أكدت أن نسبة النمو السكاني لمدينة الرياض وحدها يبلغ 4 % ، يقطنون وسط مساحة تقدر بـ 2435 كلم مربع.

ونتيجة للنمو السكاني المتوقع خلال العشر سنوات القادمة ، وضعت هيئة تطوير مدينة الرياض عدة استراتيجيات للنقل العام ، تضمن فيه انسيابية الحركة المرورية ، وخفض مشكلة الازدحام المروري.

وتتركز الاستراتيجيات على التقليل من الاعتماد على السيارات ، ورفع مستوى الطرق الشريانية للمدينة ، إلى جانب الخطط الخمسية لتنفيذ خطة شبكة الطرق المستقبلية ، بالإضافة إلى إعداد خطة شاملة للنقل العام بمدينة الرياض التي تتكون من أربع مستويات وهي الشبكة المحورية والدائرية والثانوية والمحلية ، يأتي ذلك متزامنا مع خطة الإدارة المرورية .

عوداً إلى طريق الملك عبد الله الذي يعد أحد استراتيجيات النقل بالرياض ، وأبرز الحلول المرورية في منطقة مهمة من المدينة فقد تقرر أن يتم افتتاح الطريق على مراحل ، نظرا لطول الخط الذي يقسم مدينة الرياض شرقا وغربا بمسافة تقدر بـ خمسة وعشرين كيلومتر، بدأً من طريق الملك خالد غرباً ، حتى طريق الشيخ جابر الأحمد الصباح شرقاً ، حيث جرى الأحد الماضي افتتاح المرحلة الأولى بتدشين الحركة المرورية على الطريق في تقاطعه مع شارع العليا، والتخصصي، وفتح الحركة المرورية يوم أمس الخميس في تقاطع الطريق مع طريق الملك فهد.

بيد أن الهيئة قسَّمت الطريق إلى أربع مراحل لتتيح سريان الحركة المرورية قبل وأثناء تطوير الطريق ، إذ من المقرر أن تفتتح الحركة المرورية في الطريق الرئيسي الأسبوع القادم ، فيما ستنطلق الحركة المرورية في تقاطع طريق الأمير تركي بن عبد العزيز الأول في الأسبوع الذي يليه.

المرحلة الأولى التي افتتحها أمير منطقة الرياض صاحب لسمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز الأحد الماضي تبدأ من شرق طريق الملك عبد العزيز حتى غرب طريق الأمير تركي بن عبد العزيز الأول بطول 5.3 كم.

في هذه المرحلة أُنشأت ثلاثة مسارات للطريق الرئيسي ومسارين للخدمة للاتجاهين ، وزيادة عددها عند التقاطعات لانسيابية الحركة المرورية للمركبات الداخلة والخارجة منه وإلى الطريق.

وخَصص المهندسون مسارا خاصا في الجزيرة الوسطية للقطار الكهربائي - الذي لم يتحدد موعد إنشائه - بعرض 15 متراً.

اللآفت في طريق الملك عبد الله أنه يأتي منسجما مع بيئة المدينة ومراعيا النسيج العمراني والاقتصادي والإنساني لسكانها ، إضافة إلى استيعاب الطريق لأنظمة الإدارة المرورية المتقدمة.

أما البيئة فهناك تكوينات جمالية بما لا يتعارض مع متطلبات النقل، تضفي عناصر بصرية متناسقة ، كتكسية جدران الأنفاق بصخور من البيئة ورصف ممرات المشاة ، ومواقف السيارات بمواد خاصة تتناسب مع جماليات الطريق العامة، إضافة إلى تصميم الحدائق والبوابات، وتنسيق وتوزيع الأشجار، وتصميم أعمدة الإنارة التي تجعل من الحركة عبر الطريق للراكبين والمشاة نزهة آمنة ممتعة.

أما البيئة فهي ثنائية اهتمام للمركبة والإنسان حيث اتخذت إجراءات تهدف لخفض بواعث التلوث الناجمة عن حركة المركبات مثل تكثيف المسطحات الخضراء، وإبقاء الطريق في مستوى أرضي، مع اعتماد الأنفاق في ملتقى التقاطعات بدلاً من الجسور ، إلى جانب استخدم نوع جديد من الإسفلت مصنّع من إطارات السيارات التالفة المعاد تدويرها، بهدف تقليل الضوضاء الناتجة عن الطريق للمجاورين، والتخفيف من حدّة انزلاق المركبات عند حدوث الأمطار.

من الناحية المرورية فإن طريق الملك عبد الله جرى عزل الحركة العابرة فيه عن الحركة المحلية التي يكثر فيها التوقف المفاجئ ودخول وخروج المركبات من الشوارع المؤدية للطريق.

يهدف العزل المروري إلى انسياب حركة السيارات بتعزيز دور مسارات الخدمة المحلية وزيادة عددها إلى عشرين مدخلاً ومخرجاً عند التقاطعات والمداخل والمخارج ، الأمر الذي يساهم في تسهيل الانتقال بين طرق الخدمة.

وزُود الطريق بأنفاق ثلاثة طول كل واحد منها 185 متر عند تقاطع الطريق مع طريق الأمير تركي بن عبد العزيز الأول، وشارع التخصصي، وطريق الملك عبد العزيز، إلى جانب إنشاء نفق رابع بطول 700 متر، يمتد من غرب طريق الملك فهد حتى شرق شارع العليا.

تتميز الأنفاق بوجود متطلبات الاستجابة للطوارئ، ومتطلبات السلامة والصيانة والتشغيل، فضلاً عن النواحي الجمالية عبر تكسية جدرانها بألواح من quot;الفيبر جلاسquot; ذات اللون الحجري، مما أعطى الأنفاق مظهر النحت الطبيعي للتكوين الصخري لمنطقة الرياض.

ولخطورة الأنفاق كان الالتزام بأنظمة الأمن والسلامة مطلب ملح فقد شُيّد النفق الرئيسي في المشروع، والممتد بين طريق الملك فهد وشارع العليا بطول 700 متراً، بأنظمة آلية للإنذار المبكر، وللإطفاء، وتجهيزات خاصة في حال انقطاع التيار الكهربائي، وتزويده بمرشدات ضوئية تعمل في حال انعدام الرؤية، لأجل إرشاد الأفراد إلى المخارج الآمنة على جانبي النفق، وتجهيزات هندسية تسمح بإخلاء العالقين، بالإضافة إلى أنظمة أجهزة الاستشعار، ونقاط الإطفاء الثابتة والمتحركة، إلى جانب المرشدات الضوئية لمخارج النفق والطوارئ ، ونظم quot;الإدارة المروريةquot; المشتملة على كاميرات ولوحات إرشادية وتوجيهية للمركبات ، بالإضافة إلى تعليق مراوح تهوية آلية تعمل في اتجاه الحركة المرورية من كل جانب.

الجميل في مراوح التهوية إمكانية عكس اتجاهها في حالة الحريق، بشكل يساعد على زيادة فاعلية عملية الإطفاء.

وجُهّزت الأنفاق بـ 4250 وحدة إضاءة مختلفة، تتوزع بين وحدات إضاءة اعتيادية، وأخرى احتياطية للحالات الطارئة، وقسمّت الإضاءة ليلية ونهارية، حيث تكون شدة الإضاءة النهارية عالية في طرفي النفق عند الدخول والخروج لتتوافق مع الإضاءة خارج النفق، وجهزت أيضاً بمحددات ضوئية لتحديد جانبي الطريق داخل الأنفاق تعمل على توفير مستوى سلامة لمستخدمي الأنفاق في الحالات الطارئة.

وكان لتجربة تصريف مياه الأمطار في مدينة الرياض أثرها على التخطيط الحديث للطريق حيث أقيمت مصائد لتجميع المياه لتنقل إلى خزان تجميعي، ومن ثم يتم ضخها في شبكة تصريف المياه بواسطة مكائن عالية القدرة، تضخ 194 لتر في الثانية،إضافة إلى وضع وحدات احتياطية للطوارئ، وتزويد النفق بخزان يفصل المياه عن المشتقات البترولية التي قد تتسرب من المركبات ، إلى جانب أنشاء شبكة جديدة لتصريف مياه السيول، وأخرى لتصريف المياه الأرضية، فيما تتم السيطرة على مشكلة المياه حول أنفاق الطريق، من خلال عزل كامل الإنشاءات، واستخدام خرسانة معالجة تمتاز بمقاومتها للمياه والأملاح الذائبة والكبريتات الموجودة في التربة.

من الجهة عينها فإن للجوانب العمرانية والإنسانية حضور في طريق الملك عبد الله ، فهو ليس طريق مروري فحسب بل بيئة مفتوحة متكاملة للمشاة بما يوفره من تجهيزات ملائمة للجلوس في ممرات مخصصة للمشاة، وزيادة الواقع الجمالي للطريق من خلال طريقة الإنارة والتشجير المكثف على جانبي الطريق، ومواقف سيارات الأجرة وحافلات النقل الجماعي.

بيئة الطريق البشرية تسمح بأن يُمارس فيه العديد من الرياضات مثل المشي حيث يمتد بطول يُقارب 10 كيلو متر ، بعرض يتراوح بين 4 و 12 مترا، وجعلت أرضية الممر منبسطة وفسيحة، لمراعاة حركة المشاة والمتسوقين في المنطقة، وحركة ركاب القطار والحافلات مستقبلا.

ولم يغفل الطريق حق ذوي الاحتياجات الخاصة فقد وُضعت حواجز مناسبة لمنع دخول السيارات إلى الأرصفة، تعطي شعوراً بالسعة الكبيرة للطريق، في الوقت الذي تحقق فيه أكبر قدر من الاندماج بين الطريق والبيئة العمرانية المحيطة به.

ولم تكن التقاطعات حاجزا أمام هواة رياضة المشي فهناك حلول مبتكرة عن طريق أضواء quot; **LED** quot; التي تعمل أوتوماتيكيا مع الإشارة الضوئية لتعطي للمشاة الضوء الأخضر في حالة توقف حركة المركبات، والضوء الأحمر في حالة انطلاقها .

ومواكبة لحركة النقل الجديدة التي رسمت لمدينة الرياض ووفقا للخطة الاستراتيجية الرامية لتكثيف النقل العام ، أوجد الطريق ستة عشر منطقة انتظار الحافلات مظللة على طول رصيف المشاة بارتفاع ستة أمتار، تم توزيعها بما يتوافق مع حاجات المشاة والأماكن المتاحة، وجهّزت بمقاعد خرسانية، فيما خصص 19 موقفا للحافلات وسيارات الأجرة، بحيث تكون قريبة من أماكن انتظار المشاة.

وللمحافظة على أعداد المواقف بالطريق، وتنظيمها بشكل يمنع الوقوف المزدوج وغير النظامي، حيث تم تصميم المواقف بزاوية ميل تبلغ 45 درجة، مع توفير مسافة قدرها 1.5 لحركة الالتفاف في عرض الرصيف والخروج من الموقف، وخصص عدد من هذه المواقف لذوي الاحتياجات الخاصة.

ولأن الرياض تتنفس بالحدائق الغنُاء والأشجار الوارفة فقد زرعت أكثر من ثلاثة وخمسين ألف شجرة في محيط الطريق، لتسهم في التقليل من التلوث البيئي الناجم عن انبعاثات المركبات، وتوفر بيئة ملائمة للمشاة.

تُسقى هذه الأشجار بواسطة شبكة ري يتم التحكم بها عن طريق موجات الراديو، وتروى من المياه الأرضية المتكونة حول جدران أنفاق الطريق، التي تجمع في آبار ارتوازية، ليتم معالجتها بواسطة وحدة معالجة تعمل بتقنية التناضح العكسي بطاقة إنتاجية تقدر بـ 1750 متر مكعب يومياً.*

وأقيمت فوق أنفاق الطريق الأربعة، مناطق مفتوحة تضم مسطحات خضراء وساحات عامة، ولاحقاً المداخل الرئيسية لمحطات القطار، وذلك لجعل هذه المناطق بمثابة متنفس طبيعي لسكان الأحياء المجاورة، ومرتادي الطريق، وإضافة جمالية وبيئية للطريق بشكل خاص، وللمدينة بشكل عام، في الوقت الذي تعمل فيه على ربط الضفتين الشمالية والجنوبية للطريق عمرانياً، وتسهيل تنقل المتسوقين بينهما بشكل آمن وميسر.

وقسّمت الحدائق التي تبلغ مساحتها نحو 19 ألف متر مربع، إلى مناطق مرصوفة، ومناطق مسطحات خضراء، بحيث تستوعب المناطق المرصوفة حركة ركاب القطار والمشاة المتنقلين بين ضفتي الطريق، وجرى نثر الحجارة الطبيعية في مناطق الحدائق، لتحديد أطرافها وفصلها عن مناطق المشاة، ورصّت بأحجام وترتيب عشوائي بحيث توفر أماكن جلوس للمجموعات المختلفة.

ولإكمال الصورة الجمالية والبيئية بطول طريق الملك عبد الله ، أنشئت نوافير في الحدائق والميادين، لتسهم في تلطيف الجو العام، فيما أقيمت بوابتين رمزيتين في كل حديقة، تتميزان بلونهما الأحمر لتوضيح المنطقة التي يمكن للمشاة الدخول من خلالها للمناطق المفتوحة والحدائق، إضافة إلى قيمتها الجمالية كمعالم بارزة على طول الطريق.

على نسق آخر رفع طريق الملك عبد الله مستوى الجمال البصري بجانب البيئة الشجرية من خلال الهندسية الضوئية التي تعنى بإنارة الطريق ليلا بما يعطي منظرا أخاذا ، حيث استخدم ما يزيد عن 215 عمود إنارة بارتفاع 13 متراً، يفصل بينها 40 متراً، فيما جهزت طرق الخدمة بـ 508 أعمدة بارتفاع ثمانية أمتار، يفصل بينها 20 متراً.

وفي مناطق التقاطعات، استخدمت أعمدة إنارة بارتفاع 25 متراً، بواقع ثمانية أعمدة لكل تقاطع، وبعدد 32 عموداً، بينما أضيئت ممرات المشاة بـ 730 عمود إنارة بارتفاع أربعة أمتار، ووضعت إضاءة للأعلى على النخيل بعدد 1051 وحدة، في الوقت الذي زودت فيه الحدائق والميادين ومناطق التقاطعات والأنفاق، بإضاءة جمالية.

ومن ناحية التطبيقات المرورية ، فلأن الرياض تعاني حاليا من اختناقات مرورية في بعض المسارات خصوصا أوقات الذروة ، فإن الآلية الجديدة المطبقة لأول مرة في الطريق تساعد على تخفيف حدة هذه المشكلة عبر استحدث تطبيقات تقنية متقدمة لنظم الإدارة المرورية، لتحقيق الاستفادة القصوى من الطاقة الاستيعابية للطريق ورفع مستوى السلامة المرورية فيه، ويشمل ذلك تجهيز الطريق باللوحات الإرشادية المرورية المتغيّرة، ووضع نظام إشارات متكامل على طول طرق الخدمة، ونظام آلي لمراقبة الحركة المرورية عند التقاطعات، وعلى امتداد الطريق بواسطة كاميرات

المراقبة، ونظام للتحكم بالمداخل والمخارج، وتطبيق نظام إدارة وتوفير المواقف.

ويدار هذا النظام، عبر غرفة تحكم مركزية خاصة بالطريق، تعطي المستخدمين بشكل آني، التوجيهات أثناء الازدحام المروري، وعند حصول الحوادث وسيشكل هذا النظام، النواة الأولى لتعميمه على مستوى طرق مدينة الرياض بشكل خاص ومدن المملكة بشكل عام.
هذا الحديث انطبق حاليا في المرحلة الأولى في طريق الملك عبد الله وسوف يطبق في بقية مراحل الطريق الأربعة التي تبدأ أولاها من شرق طريق الملك عبد العزيز حتى شرق شارع خالد بن الوليد، وثالثها في المنطقة من شرق شارع خالد بن الوليد حتى غرب طريق الشيخ جابر الصباح، ورابعها في المنطقة من غرب طريق الأمير تركي بن عبد العزيز الأول حتى طريق الملك خالد.