القاهرة: في ليبيا التي تحبو أولى خطواتها نحو واقعي مستقبلي جديد في مرحلة ما بعد القذافي، قد يكون السياسي الأبرز في البلاد خلال تلك المرحلة هو علي سلابي، الذي يحظى باحترام واسع باعتباره عالماً إسلامياً وخاطباً شعوبياً، وقد لعب دوراً أسياسياً في قيادة الانتفاضة الجماهيرية التي بدأت قبل 6 أشهر لإسقاط نظام العقيد الهارب.

أما القائد العسكري الأكثر قوة الآن فهو عبد الحكيم بلحاج، الزعيم السابق لإحدى الجماعات المتشددة التي كان يعتقد من قبل أنها متحالفة مع تنظيم القاعدة. وفي هذا السياق، أكدت اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية أن تزايد نفوذ الإسلاميين في ليبيا يثير تساؤلات صعبة بشأن الهوية الأخيرة للحكومة والمجتمع الذين سيحلان محل أوتوقراطية العقيد معمر القذافي.

هذا وتقول الولايات المتحدة والقادة الجدد في ليبيا إن الإسلاميين، وهم عبارة عن جماعة منظمة تنظيماً جيداً في بلد معتدل في الغالب، يرسلون الآن إشارات تدل على أنهم يكرسون أنفسهم للتعددية الديمقراطية. ويقولون إنه ليس هناك ما يدعو إلى التشكيك في إخلاص الإسلاميين.

لكن كما في مصر وتونس، جاءت الثورات التي وقعت بكل منهما لتتخلص من ديكتاتور كان يمارس سياسات قمعية بحق الإسلاميين المتشددين، ولفتت الصحيفة في الإطار عينه إلى وجود بعض الإشارات المقلقة بشأن نوعية الحكومة التي ستأتي مستقبلاً.

ومن غير الواضح إلى حد بعيد المصير الذي ينتظر ليبيا أمام هذا الطيف من الاحتمالات، التي تتراوح ما بين النموذج التركي الخاص بالتعددية الديمقراطية إلى الفوضى المختلطة في مصر إلى - كما في أسوأ الحالات - ثيوقراطية إيران الشيعية أو النماذج السنية مثل حركة طالبان أو حتى تنظيم القاعدة.

ثم مضت الصحيفة تشير إلى أن الميليشيات الإسلامية في ليبيا تتلقى الأسلحة والتمويل مباشرةً من متبرعين أجانب مثل قطر؛ ويقوم عبد الرزاق أبو حجر، أحد أعضاء جماعة الإخوان المسمين، بقيادة مجلس طرابلس المحلي، حيث يتردد أن الإسلاميين يحظون بأغلبية؛ وفي شرق ليبيا، لم يكن هناك قراراً باغتيال قائد جيش الثوار الجنرال عبد الفتاح يونس في تموز/ يوليو الماضي، في وقت يشتبه في ضلوع الإسلاميين بهذا العمل.

وقد أصبح بلحاج من أكثر الأشخاص المطلعين على بواطن الأمور في الآونة الأخيرة، وهو إذ يسعى للإطاحة بمحمود جبريل، الخبير الاقتصادي المُدَرَّب في الولايات المتحدة والمرشح لشغل منصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية، وذلك بعد أن وجَّه جبريل انتقاداته للإسلاميين.

وتابعت الصحيفة بقولها إن الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو يراقبون عن كثب النفوذ المتزايد للإسلاميين في ليبيا بعد الثورة. من جانبه، قال جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون لشرق الأدنى quot;أعتقد أن الجميع يراقب هذا الأمر. فقبل أي شيء، يتحدث الشعب الليبي نفسه عن ذلك الأمر. واستناداً للمناقشات التي أجريناها حتى الآن مع الليبيين، فإننا لسنا قلقين من أن تتمكن جماعة ما من فرض هيمنتها عقب النضال المشترك من جانب الشعب الليبيquot;.

وسبق لسلابي أن أوضح، في مقابلة أجريت معه، أنه ورفاقه يريدون إنشاء حزب سياسي قائم على المبادئ الإسلامية ويكون بمقدوره الوصول إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية. وأكد كذلك أنه سيتقبل الأمر، إذا فشل الحزب في اجتذاب تأييد واسع النطاق.

وفي مقابل ذلك، قالت الصحيفة إن كثير من الليبيين لا تراودهم مشاعر خوف أو قلق على هذا الصعيد. وأوردت في هذا الجانب عن أسامة إندار، الذي يعمل مستشاراً في مجال الإدارة وكان واحداً من أثرياء طرابلس الذي ساعد في تمويل الثورة، قوله: quot;الإسلاميون منظمون، ولهذا السبب يبدون أكثر تأثيراً مقارنةً بنفوذهم الحقيقي. وهم لا يحظون بتأييد واسع، وحين تستقر الأوضاع، سيفوز فقط هؤلاء الذين يحظون بجاذبية واسعة النطاقquot;.

وأكد عارف نايض، منسق فريق تحقيق الاستقرار بالمجلس الوطني الانتقالي وعالم الدين البارز، أن الثورة أثبتت أن الليبيين لن يقبلوا بأي شيء سوى مجتمع ديمقراطي، وأن على الإسلاميين أن يتكيفوا مع ذلك.

غير أن سلابي بادر إلى التخفيف من حدة تلك المخاوف، وقال إن الإسلاميين لن يفرضوا آرائهم المتمسكة بالتقاليد على الآخرين. وأضاف quot;أن اختار الناس سيدة لتحكمنا، كرئيس للبلاد، فليس هناك من مشكلة بالنسبة لنا في ذلك. ويمكن للمرأة أن ترتدي الملابس بالطريقة التي تروق لها، ولها مطلق الحرية في هذا الشأنquot;. في حين عبّر عادل الهادي المشروغي، وهو أحد رجال الأعمال البارزين، عن عدم اقتناعه بالتصريحات التي يؤكد من خلالها الإسلاميون على ولائهم للمبادئ الديمقراطية.

بينما قال يوسف شريف، كاتب ومفكر ليبي معروف: quot;يتزايد نفوذ الإسلاميين يوم بعد الآخر. وحينما يتم تأسيس برلمان، سوف يحصل الإسلاميين على الأغلبيةquot;. وفي الختام، تمنى سلابي أن يتمكن الليبيون من العثور على قائد مثل جورج واشنطن، الذي قرأ عنه مؤخراً، وقال عنه quot; بعد نضاله، عاد مرة أخرى إلى مزرعته، حتى في الوقت الذي كان يرغب فيه الشعب الأميركي أن يختاره كرئيسquot;.