رغم أنني ضد القوالب المثالية التي تسجن الانسان في أطار من المقاييس الصارمة التي لاتتناسب وطبييعته البشرية.. إلا أنه توجد أخطاء نرتكبها حتى لو كانت صادرة عن حُسن نية.. فأنها مخزية وتدعو الى الخجل وتظل تؤنب ضميرنا كلما تذكرناها.
كان تاريخ الحدث قبل 23 سنة حينما كان والدي يرقد في أحد مستشفيات بغداد في العراق لعلاج أمراضه المتعددة : السكر وسرطان البروستات والفشل الكلوي. وقد أورثني لغاية الآن مرض السكر والبقية تأتي في الطريق. كنت مرافقاً له ومن اجل إبعاد الضجر عني حملت معي بعض الكتب واخذت أقرأ هناك. ولم أنتبه كثيرا لما يجري من حولي كعادتي عندما أذوب مع الكتاب. كانت الطبيبات اللائي تخرجن حديثاً يدخلن الى ردهات المرضى للتدريب والتطبيق. وأنتبهت الى أنني كنت هدفاً لمتابعة أحداهن لي.
مؤكد أنها لم تكن تحبني. فلم أكن ذلك الشاب الذي يثير مخيلة فتاة مثلها وتفكر به كفارس أحلام لها. ولكن رغم هذا شغلتني وحركت رومانسية روحي في ذاك الظرف والمكان... وانطلقت شرار التواصل الباراسايكولوجي التي عادة ما تتحرك بين البشر في حالات : الحب والكراهية والمشاعر المختلفة. وشعرت بحصول تواصل روحي بيننا. وبرزت نقطة ضعفي الدائمة وهي : الأشتعال السريع امام المرأة والأستعداد الدائم لخوض التجارب العاطفية التي غالباً ماتكون فاشلة بأمتياز. فأنا أشبة بالبانزين شديد الأحتراق بحب المرأة والوقوع ضحية أوهام الخيال والإبتعاد عن الواقع والمنطق.
في أحد الأيام كنت أريد الخروج من بوابة المستشفى واذا بي أراها تقود سيارة حديثا وفخمة وهذه دلالة على انها من عائلة غنية. وبعدها بعدة أيام عرفت أنها بنت الطبيب الأقدم المشرف على علاج والدي. وشيئا فشيئا أتضح سبب أهتمامها بي فلعلها كانت تشفق عليّ بأعتباري سأكون ضحية قادمة لأمراض والدي حسب قوانين الوراثة. كانت هي من يبادر الى إلقاء التحية والسلام عليّ. وكانت فتاة عصرية ترتدي أرقى انواع الموضة وتقود أحدث موديلات السيارات. وكنت غارقا بالفقر والديون والتعاسة. ومازلت كذلك !
وحينما أقترب موعد خروج والدي من المستشفى أردت ان أترك ذكرى طيبة في قلبها وأعبر لها عن اعجابي. فذهبت الى احدى المكتبات وأشتريت لها كتابا دينيا يتحدث عن عذاب القبر ونار جنهم. اذ كنت في ذلك الوقت أعيش في ذروة التحجر الفكري والجاهلية الدينية والظلام... تصوروا السخف والتفاهة.. بدلا من شراء رواية أدبية رومانسية أو كتاب فكري مفيد. أهديت لها كتاباً عن الحساب والعقاب في الجحيم... لكم أشعر بالخجل والخزي وانا أتذكر ذلك العمل السخيف. لقد أستلمت الكتاب مني وشكرتني ولاأدري لماذا لم ترمه في الزبالة مع صفعة محترمة الى وجهي وتنادي الشرطة لأعتقالي عقاباً لي على ذلك الفعل الشنيع!
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات