ضبط الزعيم النازي ادولف هتلر أحد جنوده متلبسا بالجرم المشهود وهو يقوم بإنتهاك نظام التعتيم الليلي الصارم عندما وجده يکتب رسالة الى أهله في ضوء شمعة، وصعق الجندي من هول المفاجأة حينما وجد نفسه أمام الفوهرر وجها لوجه لکن الدکتاتور الالماني طالبه بالاستمرار في کتابة رسالته، غير ان الجندي قد أخبره بأنه قد أکملها ولم يبق سوى أن يختتمها، فأمره بأن يختتمها بالعبارة التالية: وفي هذه اللحظة ضبطني الفوهرر متلبسا بجريمة إنتهاك نظام التعتيم الليلي عندما وجدني وقد أوقدت شمعة کي أکتب في ضوئها هذه الرسالة لکم، وأمر بإعدامي فورا!

يبدو ان الرئيس المصري حسني مبارك، تذکر فجأة أنه جندي مطيع للنظام العسکري المصري قبل أن يکون رئيسا للجمهورية، وان الواجب المناط به يحتم عليه بأن يمضي في مهمته لآخر الشوط، وانه عندما وجدquot;قسماquot;من الشعب المصري منتفضا بوجه نظامهquot;کما يفسر بحسب خطاباته الاخيرةquot;، فإنه يعتبر الامر من وجهة النظر العسکرية التي يلتزم بها و يخضع لها، مسألة فيها نظر و ثمة نقص فاضح، ذلك أن خروج کل هذه الحشود الجماهيرية وفي مختلف المدن المصرية، لايمکن أن يعبر عن رأي و موقف الشعب المصري بشکل عام، ويبدو جليا أن الرئيس مبارك لايٶمن بأن الاب قد يعبر عن وجهة نظر بقية أفراد العائلة، او ان الابن او البنت قد لايعبران بالضرورة عن وجهة نظر و موقف العائلة، وواضح ان الرئيس مبارك ينطلق من مرتکزات قانونية و فقهية بحتة، ذلك انه قد يکون يفسر خروج الاب او الام من وجهة النظر القانونية المدنية، أما خروج الابن او البنت فإنه ينظر و يحکم عليها من وجهة النظر الفقهية، وفي کلتا الحالتين فإن للرئيس ثمة حق فيما يطرح و يرى، وإلا فماذا يعني رفضه للإذعان لکل هذه الحشود الکبيرة التي تنادي مطالبة بذهابه و ترکه للسلطة، ويجد أن المنطق يفرض خروج کل الاسرة المصرية کي يکتمل نصاب رفض رئاسته و نظام حکمه.

العسکري الذي صار رئيسا للجمهورية بعد تلك النهاية التراجيدية للرئيس السابق أنور السادات، يتعامل مع الشعب الرافض لرئاسته و نظامه بشکل عام، بمنطق عسکري بحت، ويبدو أن المنطق العسکري الذي يؤمن به الرئيس مبارك، يحتم أن يخرج کل أفراد الشعب من دون أي نقص حتى يکتمل نصاب رفضه و عندها فقط سيترك الرئاسة ومن دونها فإن الامر يعتبر خروجا على الشرعية و القانون.

الرئيس مبارك، يفترض أن خروج کل هذه الجماهير المصرية ضده، أشبه بمخالفة ذلك الجندي الالماني للزعيم النازي، لکنه و بسبب من ترکيبة النظام الدولي الجديد و إنکسار جدران العزلة التي کانت تفرض قسرا على الشعوبquot;ومن ضمنها الشعب المصريquot;، يسعى لمحاسبة الشعب باسلوب آخر يتجسد في المطاولة و طول النفس معه، غير ان الامر الذي يجب أن يتذکره الرئيس مبارك و يحذر منه، هو أن الشعب في هکذا حالة يصبح صاحب القرار وانه ليس سوى رئيس مجرد من الشرعية لأن الشعب هو اساسا مصدر السلطات و عمادها الاساسي، وبنائا على ذلك فيجب عليه أن يتيقن من أن الطرف الذي يجب ان ينتظر محاسبته هو ذلك الذي يرفض إرادة الشعب و لاينزل عندها.

واضح ان الرئيس مبارك يعتبر خروج کل هذه الحشود بمثابة مخالفة او ثمة إخلال بالنظام العام و يجزم بأن الإيغال في رفض المطلب الاساسي لها هو القاعدة وان الثورة و الانتفاضة بوجه نظامه هو الاستثناء، ومن هنا، فإنه يصر على إجهاض و وأد الثورة العارمة للشعب المصري وهي في عنفوانها ظنا منه بأنه سيقدر على ذلك مع مرور الزمن، متناسيا من أن الزمن في هکذا مرحلة ليس في صالح الطرف المطالبquot;بضم الميم و فتح اللامquot; و الاجدر به أن يتعض و يأخذ العبرة من شاه إيران و الرئيس التونسي، وأن لايبقى متشبثا بکرسي الرئاسة حتى يجد نفسه في النهاية في موقف لايحسد عليه أبدا حينها يندم کثيرا ولکن لات مندم حين مناص!