اكتب هذه الرسالة بصفتي رجل دين سابق قضى سنوات عديدة من عمره في الحوزة الدينية بمدينة قم المقدسة وشرب من ينبوع فيض الكتاب والسنة النبوية والأئمة الاثناعشرية. ودرس في الفقه والاصول والحديث والرجال والدراية وغيرها من فروع العلوم الدينية. رجل يحفظ معظم القرآن الكريم عن ظهرالقلب ويحفظ عديداً من خطب نهج البلاغة.
فمن هذا الموقف أناشد السيد العلّامة آية الله العظمى على السيستاني المقيم بالنجف والشخص الذي اعتقد انه يعتبر اعلم علماء الشيعة في الوقت الحاضر، خاصة بعد رحيل آية الله حسين علي منتظري.

فأقول له اسمح يا رجل الدين الفاضل ان استذكرك ببعض الآيات القرآنية وببعض المنقولات عن على بن ابي طالب الامام الاول للشيعة خاصة وأن السيد السيستاني سمي للامام المتقين وفي الوقت نفسه ساكن في النجف أي في مدينة علي بن أبي طالب.

بداية انقل بعضاً من الآيات القرآنية قوله تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ {البقرة/204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ {البقرة/205} وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ {البقرة/206}
فالسؤال الموجه اليكم: هل تستطيعون ان تجدوا في العالم مصداقاً اجلي وابرز لهذه الآية الكريمة من الملالي الحاكمين في ايران؟ لانني اعتقد ان إهلاك الحرث والنسل كان الشغل الشاغل لهذا النظام منذ مجيئه إلى السلطة وحتى يومنا هذا.

فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ {البقرة/79}
اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {التوبة/9} لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ {التوبة/10}
إن أبرز مصاديق هاتين الآيتين الكريمتين ايضاً هو الملالي الذين يأكلون اموال الناس بالباطل ويقولون هذا من عند الله. الملالي الذين كان حكمهم سبب الاعدام والتعذيب والقمع والكبت و سبب تفشي الفقر والادمان والفحش والدعارة ومختلف انواع البلايا الاجتماعية في إيران.

اما بالنسبة لكلام امام المتقين فاسمحوا لي أن انقل اليكم مقتبسات من بعض خطب نهج البلاغة. فهو الذي يقول في خطبة الشقشقية:
... وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لَا سَغَبِ مَظْلُوم
وفي خطبة الجهاد يخاطب اصحابه المسلمين المجاهدين الذين ماقاموا بواجب الجهاد امام جيش معاوية أبي سفيان فيقول لهم:
لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَ الْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَ قُلُبَهَا وَ قَلَائِدَهَا وَ رُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَ الِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَ لَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً.

وفي الخطبة نفسها يقول ان قلبه مليئ بالقيح من تصرفات اصحابه وعدم قيامهم بواجب الدفاع عن المبادئzwnj; وعن المسلمين فيتهجم عليهم بقوله:
يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَ لَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَ عُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَ لَمْ أَعْرِفْكُمْ
وفي خطبة 224 من نهج البلاغة ترون أن علي بن ابي طالب يعلن تبرؤه من الظلم بقوله:
وَ اللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ وَ إِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا مَا لِعَلِيٍّ وَ لِنَعِيمٍ يَفْنَى وَ لَذَّةٍ لَا تَبْقَى نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَ قُبْحِ الزَّلَلِ وَ بِهِ نَسْتَعِينُ.

وبعد نقل هذه الآيات من كتاب الله و الاحاديث المأثورة من مولى الموحدين استأذن ان اوجه كلامي للسيد السيستاني لانه جلس مجلسا لايجلسه الّا نبي او وصي او شقي، ولان علياً قال خطاباً لكميل بن زياد: laquo;يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِهِraquo; فاريد ان أضع الرجل أمام مسؤولياته.

سمعنا أن المرجعية العليا للشيعة استنكر ممارسات حكومة البحرين ضد الشيعة في هذا البلد وحسناً فعل ونعم الموقف لأن موقعه يتطلّب منه بصفته اعلم علماء الشيعة ان يدافع عن المظلومين الشيعة. لكنّني وبعد ما هاجمت القوات العراقية معسكر أشرف في العراق صباح يوم الجمعة كنت متيقناً ان السيد سيستاني يتأخذ موقفاً صارماً للدفاع عن ابناء الشيعة الايرانيين المجاهدين الذين كانوا هدفاً لهذا الهجوم الظالم الغاشم. فأذا بنا لم نسمع منه ولو كلمة في هذا المجال. فالسؤال المطروح هو هل يعرف السيد انه اصبح في هذا المجال مثلاً لما قاله امامنا علىّ عليه السلام في وصف الآخرين حيث تمثل بقول الاعشى
شتان ما يومي على كورها ويوم حيان اخي جابر
لما ذا الدفاع عن شيعة البحرين والتزام الصمت والسكوت عن شيعة ايران؟ والحال ان عدد قتلى المجاهدين الشيعة خلال ساعات كان اكثر بكثير من جميع قتلى احداث البحرين.
لاشك ان السيد السيستاني سمع ان القوات العراقية دخلت مخيم أشرف اي بيت المسلمين الشيعة المجاهدين ساعة الصباح الباكر وقامت باطلاق النار عليهم دون أي ذنب ارتكبوه؟ وان هذه القوات اطلقت نيران الرشاشات على النساء المجاهدات وقتلت بغير حق ثمانية منهن واستشهد من إخوانهم المجاهدين ما لايقل عن خمس وعشرين مجاهداً وقد جرح اكثر من ثلاثمائة منهم. فهل قتل وجرح مئات من المسلمين الشيعة المجاهدين والمجاهدات خلال ساعات لايستحق في نظر السيد السيستاني أن يتخذ موقفاً ويستنكر ويدين هذه الجريمة النكراء؟
لا أعرف ان السيد السيستاني سمع الحكومة العراقية قطعت سريان المياه من أشرف قبل بداية الهجوم عليهم وأن الغزاة في أشرف بعد قتل المجاهدين قاموا بنهب اموالهم وممتلكاتهم وبعدها قاموا بتخريب قبور شهداء المجاهدين. وهذه العمليات تذكّرنا بما فعله قتلة الحسين بكربلاء بعد يوم العاشوراء. نعم إنهم فعلوا بضيوف سيدالشهداء وفي ارض الامام الحسين ما فعله اجدادهم بحق الحسين واهله. وهنا يختلج في ذهني السؤال: أين السيد السيستاني من هكذا ظلم وبطش؟

فكّرت ملياً في الاجابة عن هذا الاسئلة، ولم اجد رداً عليها الّا أن اقول بانه لاشك ان السيد السيستاني على علم بما حدث، وأن يعرف هوية الضحايا. وسألت نفسي فلماذا التزم الصمت ولايتفوه بكلام في استنكار إراقة دماء شيعة على بن ابي طالب؟ هل أنه يخاف من موقعه ويخاف أن خامنئي والملالي الحاكمين في طهران يردون عليه صاعا بصاعين؟ نعم هذا وارد جداً. لكنه لماذا لايقتدي في هذا المجال بآية الله المرحوم منتظري حيث أنه لمّا شاهد أن خميني المعلون أمر في عام 1988 بإعدام جميع المجاهدين الموجودين في السجون الايرانية وقف في وجه خميني وكتب عدة رسائل اليه مستنكراً تلك العمليه الاجرامية. وقد ضحى بذلك منصبه الرفيع، أي منصب خلافة خميني. فاقول للسيدالسيستاني إذا أردت أن تبقى في المنصب الذي تربعّت على كرسيه، أي منصب المرجعية العليا، فيجب أن تكون جديراً بهذا الموقف.

وآمل أن لا اوذي السيد السيستاني لاقول له هل صحيح أن نرى خلال هذين اليومين الماضيين أن مئات من الشخصيات السياسية العراقية والعربية والغربية استنكرت هذه العملية وشجبتها ولكن الرجل الدين الاول في الشيعة الذي له كلام مقبول لدى الجميع لايتفوه بكلمة؟ هل يخاف الرجل من النظام الحاكم في طهران الذي يريد منذ اكثر من ثلاثين عاما القضاء علي المجاهدين؟ او يريد ان يمشي بشكل يرضي الجميع؟ لكن لاشك ان هذا النوع من الوقف يؤدي الى غضب الله لانه بذلك يصبح مصداقاً لجميع الآيات والاحاديث التي نقلتها في بداية مقالتي هذه.

طبعاً لا اسمح لنفسي بأن اذهب ابعد من ذلك لاقول بان سماحة المرجعية العليا يتبع الولي الفقيه الحاكم في ايران. لانه لا سمح الله اذا كان كذلك فيصبح مصداقا لكلام سيدنا الحسين عليه السلام عند ما قال من رأي سلطاناً جائرا فعلى العالم ان يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله.