جاء تصريح الرئيس العراقي جلال الطالباني بشأن نائبه المتهم بالإرهاب، طارق الهاشمي، ليؤكد واقع خلافه مع منافسه على الزعامة الكردية، مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق. فقد صدر بيان من مكتبه، أشار الى أن الهاشمي غادر مدينة أربيل، دون حصوله على موافقة الرئيس، وإن تصريحاته لا تتفق مع رؤى الطالباني، حول التفاهم الوطني وتفادي الشحن الطائفي، وإن صدورها خارج البلاد، يمكن أن ينال من المكاسب التي تحققت للعراق بانعقاد القمة العربية في بغداد. ويلاحظ على الزعيمين الكرديين التاريخيين،إنهما يلتقيان في قضايا تمس مصالحهما السياسية، كقضية كركوك، المتنازع على نفطها وليس على أرضها أو ناسها، وقضية حق الشعب الكردي في تقرير مصيره، لكنهما مختلفان في طبيعتهما وتعبيراتهما السياسية، فالطالباني براغماتي بامتياز، وحريص على موقعه كرئيس للجمهورية العراقية، وما يعنيه ذلك من ميزة معنوية للكرد العراقيين الذين ظلّوا مهمشين في حقوقهم القومية والإنسانية، طيلة عقود طويلة، وهو لذلك لا يبدو مرتاحاً من تحركات الهاشمي، ويحاول إصلاح الشرخ الذي حدث بين بغداد وأربيل، من جرّاء استضافة زعامة كردستان، غير الحكيمة، للنائب المتهم، بالإضافة الى ذلك، يبذل الطالباني بعض الجهد لتقديم عراقيته على كرديته، بوصفه رئيساً لكل البلاد. أما البارزاني فلا يبدو مضطراً لكل ذلك، فهو زعيم إقطاعي قبل أن يكون زعيماً سياسياً، ومواقفه تتسم بالمباشرة والحدّة، والبعد عن القرار العراقي، ففي لقائه مع فضائية الحرة، أكّد على كونه كردي أولاً وعراقي ثانياً، وإنه سيلجأ الى استفتاء الشعب، لتقرير مصير كردستان، في حالة عدم استجابة الحكومة المركزية لمطالبه، وهي كثيرة وتعجيزية في معظمها. وفضلاً عما تقدم بيانه من اختلاف الشخصيتين، فإن تاريخ العلاقة بينهما، كقائدين لحزبين مسلّحين، يشير الى مواجهات دامية حصلت بين قواتهما في العام 1996، وفي حينها لم يتحرج البارزاني من اللجوء الى صدّام حسين، لينتصر له ضد رفيق دربه الطالباني، فكانت مذبحة راح ضحيتها مقاتلون كرد، الى جانب عدد كبير من المعارضين للنظام السابق، من العرب العراقيين الذين لجأوا الى كردستان. تلك المذبحة التي استذكرها العراقيون وهم يستمعون الى ماقاله البارزاني من أن أخلاقه لا تسمح له بتسليم الهاشمي!!
وكان الهاشمي قد حلّ بشكل مفاجئ، ضيفاً على أمير قطر، في بداية هذا الشهر، وتحدث من هناك عن مظالم يعيشها المواطنون العراقيون السنّة، واعتقالات تطالهم، وادّعى بأنه يزور دولاً عربية، في إطار مهمة رسمية. وبعد الدوحة سافر quot;النائبquot; الى المملكة العربية السعودية.
ويبدو إن الهاشمي لا يدرك إنه بمغادرته لأراضي كردستان، يكون قد أضعف موقفه، وفي الوقت نفسه حرم مضيّفه البارزاني من ورقة مفيدة للمساومة مع حكومة المالكي، واختار أن يلعب دوراً، يحسب أنه يحقق له زعامة طائفية، يتطلع اليها منذ زمن، ولا يملك التحرك سياسياً بدونها. إن اللعب في الخارج غالباً ما يكون أسهل من خوض الصراع في الداخل، وهذا ما أغرى النائب المتهم بقضايا جنائية من الوزن الثقيل، بأن يبتعد عن العراق، ويرفع شعار الدفاع عن السنّة، وهو لم يكن يوماً معنياً بأمرهم، كما هو حال بعض السياسيين الذين يحلو لهم الحديث باسم الشيعة، وهم لا يعبّرون عنهم بشيء. وعلى الرغم من ابتهاج الهاشمي بالحفاوة التي استقبل بها، فإن حاله سيكون أفضل لو أنه أقرّ بجرم رجال حمايته، وأثبت عدم علمه بما اقترفوه، ما يضمن له الإحتفاظ بمنصبه، أقول هذا آخذة بالإعتبار ظروف الفوضى السياسية التي من شأنها توفير الفرص لكثير من المتهمين بجرائم ضد الوطن، بل ولبعض المدانين قضائياً، كي يفلتوا من العقاب، وفي الوقت نفسه يواصلوا مهامهم الرسمية، والأمثلة على ذلك كثيرة. يحصل هذا في ظل حكومة ائتلافية محاطة بألغام، يحاول رئيسها أن يبدو قوياً في مواجهة الجميع، سواء مع حلفائه المتربصين به، أو مع خصومه أمثال الدكتور علاوي، أو من هم خصوم الأمس، ومهادنو اليوم، وأقصد التيار الصدري. ضعف الحكومة، ونحول ذراعها القانوني، هو ما كان يمكن بسببه أن يتملص الهاشمي من تهمه الجنائية، وفي أثناء خضوعه للمحاكمة، يمكن تصور وساطات عربية لإنقاذه.
يقول الهاشمي إنه في مهمة رسمية، والطالباني ينفي ذلك، فماذا يفعل، ولماذا هو ضيف على دولة قطر، والمملكة السعودية؟ قطعاً إنه لم يكن مسروراً من عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وبغداد، قبل فترة قليلة من انعقاد القمة العربية، وهو يدرك إن بضاعته لا يمكن تصريفها إلا مع اندلاع الخلافات، فاغتنم مناسبة تصريحات المالكي بشأن تسليح المعارضة السورية، ورفضه إسقاط نظام الأسد بالقوة، وإشارته الى إن هناك دولتين فقط تؤيدان فكرة التسليح، بينما يدعو العراق الى حل سلمي للأوضاع المأساوية في سوريا، ويدعم خطة كوفي أنان، هنا توقف الهاشمي ليفكر، أليس هذا أفضل الأوقات للتحرك، بخاصة وإن ما قاله المالكي استنهض صحفاً خليجية للرد عليه بشدة، وهكذا توفرت للنائب المتهم فرصة ثمينة لترويج مخزونه من أدوات التفرقة والشحن الطائفي.
وفي رأيي إن المالكي لم يأت بجديد يختلف عما تراه الولايات المتحدة، والمجتمع الدولي، وما تحدثت به أوساط دولية، رأت إن الوضع في سوريا ينطوي على تعقيدات كثيرة، يصعب معها التفكير بتدخل دولي مسلح لإسقاط النظام فيها. وكان وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، الذي شارك في مؤتمر أصدقاء سوريا في اسطنبول، قد صرح بأن بلاده لا تؤيد تسليح المعارضة السورية، خشية اندلاع حرب أهلية، مبررا رأيه بكون مصر تنظر الى مصالح الشعب السوري، ويهمها المحافظة على وحدته واستقراره، وهذا هو ماذهب اليه المالكي بقوله : quot; نرفض إسقاط النظام بالقوة، وإن تسليح المعارضة سيؤدي الى تصعيد الصراع في المنطقة، ولن يسقط النظام في نهاية المطاف quot;، كذلك إشارته الى تشابك الوضع الداخلي في سوريا، وتأثير التسليح على البلدان المحيطة بها كالعراق ولبنان وتركيا والأردن وفلسطين. وكانت بعض المصادر الصحفية قد أشارت الى ارتياح أميركي، أعقب تصريحات خامنئي التي نفى فيها سعي بلاده الى إنتاج سلاح نووي، معتبرا ذلك خطأً منطقياً ودينياً، بالإضافة الى كونه quot;عديم الجدوى ومدمر وخطيرquot;. وتأسيسا على ذلك تجري التحضيرات حاليا لعقد لقاء دولي في بغداد، لبحث الملف النووي الإيراني، ويشارك فيه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بالإضافة الى روسيا والصين، وكان من المقرر عقده في اسطنبول بين الرابع والخامس عشر من هذا الشهر، قبل أن تقترح طهران استبدال عاصمة الإنعقاد، والتوجه إلى بغداد أو دمشق أوبكين.
إن الولايات المتحدة الأميركية المعوّل عليها في أي تدخل دولي، لا تسعى لإسقاط الأسد بالقوة، بل تراهن على فاعلية العقوبات الدولية ضد إيران، والدور التركي لإقناعها بتخفيف مساعداتها للنظام السوري، وبالتالي فهي إجمالاً مع الحل السلمي للوضع في سوريا.
وبالإضافة الى العامل الدولي غير المتوافق مع رغبة الشعب السوري في إسقاط النظام ، لا يبدو المجلس الوطني كمظلة جامعة لقوى المعارضة السورية، وقيادته منفصلة عما يجري في الداخل، وليس هناك تنسيق بينها والعسكريين المنشقين عن الجيش السوري، الذين لم يجدوا المساعدة التي كانوا يتوقعونها من الجوار التركي. وبشكل عام فإن المعارضة بعيدة عن الإتفاق، وبعض أوساطها لا يحبذ فكرة التسليح، باعتبارها تقود حتماً الى التدخل الأجنبي، ويفضل الإستجابة الى خطة كوفي أنان، التي وافق عليها مؤتمر أصدقاء سوريا، وتعهد حكام دمشق بمراعاتها، وإن كانت التجربة لا تشجع على الثقة بوعودهم.
وتجدر الإشارة الى أن تسليح المعارضة، وقسم كبير منها يمثله الإخوان المسلمون، مع هامش للسلفيين، يفتح باب التوقعات المقلقة، المرتبطة بتاريخ من الصراع الدامي، ذي الصبغة الطائفية، بين سلطة البعث والإخوان، منذ السبعينيات، وكانت مجزرة الكلية العسكرية في حلب في العام 1978، وعمليات الإغتيالات التي طالت مدنيين، وكلها تمت بيد الإخوان، بداية لهذا التاريخ، ليستكملها حافظ الأسد وشقيقه رفعت بمجزرة حماة التي راح ضحيتها الآلاف، في العام 1982. الماضي يحضر الآن وتوفر ظروف الثورة والسخط الشعبي فرصة لعمليات انتقام، قد ينجو منها المتورطون في القمع، ويدفع ثمنها الأبرياء. وكانت تقارير صحفية أوروبية قد أشارت الى أن النظام السوري لم يعد وحده المسؤول عن أعمال العنف ، وإن بعض المعارضين المسلحين يشاركونه المسؤولية.
على العموم وبالعودة الى السيد الهاشمي، فإنه واقعياً، لم يعد يضر الحكومة العراقية بشيئ بعد أن تخلت عنه زعامة إقليم كردستان، وتأكدت من عدم صلاحيته كورقة للإبتزاز السياسي، وبالتالي فهو غير مفيد لأغراض أخرى، وعليه أن يختار بين أن يكون متهماً quot;مظلوماquot; كما يقول، أو داعية لفتنة لا تحتاج الى دليل.

[email protected]