.. بفراغ لا مثيل له
.. يملؤني الصباح
صالحيني على الليل والأنهار والكلمات إذن
سوف أضع شرفتي قبالة الصحراء
فلا ريح في قميصي
ولا هبوب يعلمني حكمة النسيان

في الشوارع التي تخطيت عتباتها
وربما جدرانها
لا أذكر بالضبط
كانت يدي تسكن حواف الإشارة
وعيناي حواف البصيرة
ولم أزل حتى الآن أريق أسئلتي
على حواف المطلق

ضفيرة واحدة من ضفائرها
علمتني كيف يكون الليل مجعدا
وتكون السماء أكثر عتمة
لا لشيء
إلا لتفسر أمواجها السوداء في ذهن يدي

لينصرف المعزون جميعا
وأيضا المهنئون
لا أريد شيئا يصرفني عني
أو يهذب هذه الأحزان
التي علقت بالقلب
وللآن
لم تنكسر منها صباباتي

البنات في الجامعة
اللواتي عشقتهن واحدة تلو الأخرى
لم يحتفظن بأية ذكرى من بساتين يدي
بالطبع هن لم يكن خائنات تماما
ولكن
عشقهن الجميل
ذوبني في بهجة النسيان
ولم يبق مني شيء
سوى
وردة صغيرة
وقبلة لم تقطف بعد.


في سماوات زهرة
تنام على حصى الجحيم
كان لي أن أخمن الفصول البعيدة
التي تضلل ذاكرة القطف

يدي على قلبي
حين تشهق المسافة أكثر
وطزاجة حنيني
الذي يزهر حين تهاجر بي المنافي
أضعها في طبق ما
وأنتظر
حتى تحوم فوقها الشوارع
كفراشة تتسلل حافية
إلى فضاء من زجاج
ما يزال يتكسر داخلي

أنا المشرد الأبدي
يقظتي أنين شوكة
ومنامي هباء
كلما خشخشت ورقة جانبي
كلما لمحت سكين جرحها خلف جلدي
كلما تودد طائر لخبز رأسي
كلما عصرت أيامي كعنقود من العنب
كلما خاصمتني أكثر
أخلع وجهي الأسمر مني
أقبله قبلتين
وأضعه
جوار حائط قديم

يا لأحزاني التي تتبعني كخيط دم
اختبأت منها في اللحظات العابرة
في الشرفات التي تسوس خشبها من ضجة المرافق
في الأبواب المنحنية كزمن كسول
اختبأت منها
في الكرسي ذي الثلاث أرجل الذي يجلس عليه عم بيومي منذ دهر
( الرجل الرابعة كانت من الطوب الأحمر)
اختبأت كثيرا
سأقول في ذاكرتي القريبة:
في شكائر الأسمنت
في رائحة الجير الملتهب
في بياض الجبس
في الغبار الذي يخدش عذرية الهواء
اختبأت كثيرا
وحين عثر علي في المرة الأخيرة
اكتشفت أنه كان قميصي الذي أرتديه
منذ سنوات لم أشعر كثيرا بمرورها.

العثور علي صاحيا
من مستحيلات المكان
والعثور علي نائما
من مستحيلات الزمن
فأنا منذ ولدت
أركض فيما بين الصحو وبين النوم
أقفز في الإشراقة الرمادية الأولى
في الخط الفاصل بين ثرثرة الماء وحزن الشاطىء
في الكلام الخفي الذي ينام بين أصابع الله
وبين هوامش المطلق

غضبي أولا غضبي
انفعالي أو سكوني
والله
لن يغير من أمر حياتي شيئا
أعرف أنني أفقي أو أنني رأسي
أو أنني أنتصب كراية أو شاهدة قبر، أو
كجدول منزوع الرؤى
لكنني هكذا أسير
طفيليا على السماء
وطفيليا على الأرض
ولا معنى كثيرا
يشي بحياتي


على أي شيء أحيا
وعلى أي شيء أموت
وإلى أي شيء أسير
حتى العدم
لم يعد يعنيني كثيرا أو قليلا
لهذا
سأنظم حول شراييني الملقاة في طريق الجرح
بعض المراثي
وأحلم أنني أنام
في أبدية لا أبواب لها ولا عتبات.

***