النيوزويك الأميركية تفجر القضية قبل وقوعها ( 1-2 )
الأزمة الإئتمانية تحوّل الدفة إلى مرحلة جديدة من الرأسمالية العالمية

أشرف أبوجلالة من القاهرة
quot;كان أسبوع يقتصر على الكلمات الدراماتيكية وكذلك الإيماءات المأسوية، خلال مناقشة الكونغرس الأميركي ثم تصويته ومراجعته وتمريره في النهاية لخطة قيمتها 700 مليار دولار أميركي هدفها إنقاذ مؤسسات البلاد المصرفية والأسواق المالية العالمية التي تصعد وتهبط بشكل في غاية الغرابةquot;، بتلك المقدمة رصدت مجلة النيوزويك الأميركية في تقرير مطول لها تداعيات وكواليس الأزمة الائتمانية الكبري التي تحولت خلال الفترة الأخيرة إلى كابوس مزعج للولايات المتحدة، وكثير من دول العالم مذعنة ببدء حقبة جديدة من الرأسمالية العالمية على خلفية تلك الأحداث الصادمة المتعاقبة.

وقالت المجلة إن مؤشر دو جونز كان قد سجل بسبب تلك الأزمة واحدة من أكبر خسائره على مدار العقدين الماضيين، قبل أن يدخل في موجة كبيرة من الصعود والهبوط مرة أخرى في ثلاثة أرقام في كل يوم من أيام الأسبوع، في الوقت الذي كانت تواجه فيه خطة وزير الخزانة الأميركي quot;هنري بولسونquot; العديد من الصعاب داخل ساحة الكونغرس.

وقالت المجلة إن من بين المقرضين، من أصيب بداء جنون العظمة مع ارتفاع معدلات الإقتراض بين البنوك، تلك التي قوضت حقيقة أنه وبعد مرور أسبوعين من السقطة المالية ، فلا احد يعرف هوية الجهة التي ستمسك بزمام السلة المقبلة للأصول المتفجرة. ليس ذلك فحسب، بل إن عقلية الحصار قد بدأت تفرض هيمنتها على المستثمرين الأفراد.

وقالت المجلة أن عدد العملاء الموجودين بداخل مبنى مجموعة quot;سافويquot; الفاخر بالعاصمة البريطانية لندن قد فاق عدد السيارات الليموزين التقليدية التي تتراص أمامه، وجميع هؤلاء الأشخاص يهرولون لمقايضة الذهب متطلعين لتحويل النقدية إلى رزمة من السبائك وقد دفع الكثيرون منهم أقساطًا تصل إلى 100 دولار للاوقية فوق بقعة الأسعار كي يغادرون وبحوزتهم العملات المعدنية والقضبان في أيديهم.

وأشارت المجلة إلى أن التساؤل الأكبر الذي بات يتردد على شفاه الجميع خلال هذه الأثناء هو quot;ماذا تفعل تلك البنوك بأموالنا ؟ quot;، وبشكل متزايد بدا الأمر الأكثر جدلاً ونقاشًا هو نظام الرأسمالية الأنجلوساكسوني بأسره وليس ما يطلق عليه الايفائية المصرفية. فثلاثة عقود من الحنكة الاقتصادية التقليدية تقول إن الأسواق من المفترض أن تعرف بشكل أفضل، لكن كما انحنى الساسة الأميركيون أمام الغضب الجماهيري حول فكرة إنفاق البعض لما يقرب من تريليون دولار من الأموال النقدية التي حصلوا عليها بشق الأنفس لإنقاذ سادة العالم المبذرين الذين على ما يبدو وكأنهم لم يحققوا شيئًا من القيمة الحقيقية ( تقريبًا العكس في حقيقة الأمر)، كان من الواضح أن الفكرة التي تقول quot;ما فيه خير للـ quot;وول ستريتquot; هو خير أيضًا للشارع العادي quot; قد انتهت ولم يعد لها وجود.

والآن، في الوقت الذي تنهار فيه أيديولوجية ريغان - تاتشر أمام أعيننا، يوجد إحساس حقيقي بأن خطًا قد بدأ يتكون، كاشفًا عن حقائق جديدة يأتي في مقدمتها أننا نغادر الآن مرحلة الأسواق الحرة الذهبية والائتمان اليسير والصفقات الخطرة وأيام صرف الرواتب الكبري، وفي طريقنا لدخول نموذج جديد للأموال العسيرة والنظم الأكثر تشددًا وتدخل حكومي متزايد في الأسواق. فالساسة الشغوفون بإعادة تأكيد واثبات أنفسهم في كل مكان، يطالبون بوضع أنظمة جديدة وإصلاح النظام المالي.

وفي الوقت ذاته، رحبت دول رأسمالية استبدادية مثل الصين ودول أخرى ديمقراطية اجتماعية مثل ألمانيا وفرنسا، بالأزمة عن طريق التزامهم موقفًا محايدًا، ولا يوجد كلام على ألسنتهم سوى quot;لقد سبق لنا وان أخبرناكم بذلك quot;. كلاهما يخشى من النموذج الانجلو ساكسوني ولو لأسباب مختلفة. فزوال وول ستريت يعني الآن أن النماذج الخاصة بهم، ربما لن تبقى على قيد الحياة فحسب، بل إنها ستنمو وتزدهر أكثر من قبل.

ففي فرنسا، يخطط الرئيس ساركوزي لمنتدي عالمي من أجل quot;إعادة النظر والتفكير في الرأسماليةquot;، معلنًا بذلك أن شرعية القوى الشعبية في التدخل توظيف النظام المالي بات أمرًا غير قابل للنقاش. وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل الأسبوع الماضي: quot;منذ سنوات قليلة، كان أمرًا معاصرًا أن تقول أن الحكومات ستكون دائمًا أكثر ضعفًا في عالم تسوده مفاهيم العولمة. لكني مطلقًا لم أتفق مع تلك النظريةquot;. وأضافت أن الأميركيين والبريطانيين هم من رفضوا مطالبها التي كانت تصبو لوضع المزيد من النظم المالية خلال قمة الثمانية. كما أكد وزير المالية الألمانية هو الآخر أن تلك الأزمة سوف تكتب النهاية للولايات المتحدة على أنها قوى مالية خارقة.

وأشارت المجلة إلى أن هذا يعد بمثابة الاتجاه الذي سيسر روسيا بلا أدنى شك، في الوقت الذي كرس فيه بوتين وقته لتوجيه اللوم على العدوى الأميركية بسبب ما لحق بالأسواق الروسية من أضرار، وفي أميركا اللاتينية حيث أعلن كل من هوجو تشافيز وكريستينا فيرنانديز دي كيرشينر وايفا موراليز تبنيهم لمنهج الليبرالية الحديثة.

ونقلت المجلة عن جورج سوروس، أحد المستثمرين الذي كان له السبق في إطلاق تحذيرات عن أخطار قضية التأمين المعقد لكل شيء تقريبًا بدايةً من الرهون العقارية ونهايةً بفواتير بطاقات الائتمان: quot;على المستوى الأساسي، انتهى نموذج العولمة ورفع القيود، وهو ما تسبب في حدوث الأزمة الراهنة. ونحن الآن في نهاية تلك الأيديولوجية. وسيشهد المستقبل قدرًا أقل من الحرية كما ستقل حدة المضاربات وكذلك نسبة الاستدانة كما ستصبح الأمور أكثر شدة وحدة على الجوانب الائتمانيةquot;.