يعتبر السياسي البريطاني رئيس الحكومة البريطانية توني بلير من أكثر رجالات بريطانيا إثارة للجدل في الساحة السياسية البريطانية و الأوروبية و حتى العربية و الإسلامية.فالرجل الذي تقلدّ رئاسة الحكومة لثلاث فترات متتالية أثار بسياسته الكثير من الجدل الداخلي والخارجي، ويأخذ عليه الكثير من مواطنيه تحالفه المقدّس مع الولايات المتحدة الأمريكية و تنسيقه معها في كل صغيرة وكبيرة وربطه راهن بريطانيا و مستقبلها بمصير الولايات المتحدة الأمريكية إلى درجة أنّ الصحف الشعبية ذات التأثير الواسع في بريطانيا كانت تعتبره مجرّد تابع مطيع للرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن.
و الواقع و كما يقول عارفون بالبيت الإنجليزي أنّ بلير الذي ترأسّ حزب العمل البريطاني سنة 1994 بعد وفاة رئيسه جون سميث ما كان ليمكث في منصبه كرئيس للحكومة لو جهر منذ بداية ترؤسّه للحكومة بمواقفه الموالية قلبا وقالبا لأمريكا، فالرجل كان يركّز في عهدته الأولى والثانية على القضايا الداخلية و يولي معضلات بلاده الإقتصادية و الإجتماعية إهتماما كبيرا ولذلك نجح في مخادعة الشعب البريطاني و تولى رئاسة الحكومة البريطانية لثلاث فترات متتالية وهو بذلك يعتبر الأعتد في هذا المنصب ولا تضاهيه إلاّ المرأة الحديدية مرغريت تاشر..

غير أنّ بلير وفي عهدته الثالثة ربط وبالكامل مصير بريطانيا بأمريكا و أيدّ بالجملة والمفرّق عسكرة السياسة الدولية و تورطّ مع أمريكا في ملفات أفغانستان و العراق والصومال وغيرها من الملفات التي عولجت من الزاوية الأمريكية بعيدا عن رغبات المجتمع الدولي..
وقد إنكشف توني بلير بالكامل أمام شعبه في الحرب الأمريكية الأخيرة على العراق حيث ورغم خروج الملايين البريطانيين منددين بهذه الحرب إلاّ أنّه قررّ الذهاب إلى الأخير مع الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن وأرسل جيشه إلى جنوب العراق وكلف بمهمة عسكرية هناك لحساب أمريكا طبعا..
وكان توني بلير يتصوّر كما تصورّت الإدارة الأمريكية أنّ المهمة العسكرية في العراق ستكون سهلة وسرعان ما ينقاد العراق للجيوش الغازية و بالتالي سوف تكون الحصيلة الإقتصادية كبيرة، و كانت حسابات بلير كما بوش تقضي بأنّ تضحي الدولتان ببعض العساكر مقابل نفط لا ينضب أبدا، ولما أختلّت أطراف المعادلة، و تبينّ لاحقا لتوني بلير أنّ المسألة ليست كما تصورّ مع حليفه بوش قررّ التنحي قبل إكمال مهمته، و هو بذلك يريد أن يحصنّ نفسه من ملاحقة قضائية حتمية مستقبلا بعد تلكؤ المشروع الأمريكي ndash; البريطاني بالكامل في العراق وبداية إنكشاف الأرقام الحقيقية لخسائر الجيش البريطاني و الأمريكي في العراق، و بداية ظهور حقائق التجاوزات الخطيرة للجيش الأمريكي و البريطاني في حق المدنيين العراقيين..

و توني بلير الذي درس القانون في بريطانيا و مارس مهنة المحاماة بين سنتي 1976 و 1983 لم يحكّم أي قاعدة قانونية يوم قررّ هدم أفغانستان و العراق، و يوم قررّ إيجاد تحالف بين السلاح البريطاني و السلاح الأمريكي و توجيه السلاحين إلى الجغرافيا الإسلامية في محاولة لإعادة صياغتها على قاعدة الحلم الأمبراطوري البريطاني القديم..
لقد أخفق توني بلير بالكامل و المحامي الذي كان ناجحا تبينّ أنّه فشل في كل شيئ، فشل داخليا حيث تهاوت مكانته و سمعته وباتت أتعس جريدة بريطانية تعتبره مواليا بالكامل لجورج بوش الإبن، و تدنّت شعبيته حتى وصلت إلى الحضيض، و خارجيا ما زال جيشه في العراق يتلقى الصفعة تلو الصفعة على يد المقاومة العراقية بشقيها السني والشيعي...

وأتعس ما في حياته السياسية أنّه سيلوذ بالفرار من دوائر القرار السياسي فيما جنوده ما زالوا يصفعون ويقتلون و يخطفون في العراق...
إنّ إنسحابه بهذه الطريقة هو إقرار منه بأنّه فشل في مهمته، و أخفق في مرافعته الأخيرة في الدفاع عن سياسته التي هي نسخة طبق الأصل عن السياسة الأمريكية، و قد يحمل له المستقبل القريب الكثير من المفاجآت بعد بداية إنكشاف الحقائق حيث قد يترك منصة الدفاع ليدخل إلى قفص الإتهام كمسؤول بريطاني ورطّ بلاده في أكثر المعضلات السياسية تأزما و دموية و كل ذلك لحساب الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ومن المؤكّد أي يرثيه المحافظون الجدد إلى زمن ليس بقصير، فتوني بلير كان محافظا جديدا بإمتياز، بل كان عضوا مركزيا في هذه الجوقة المسيحية المتصهينة، و أحد الأذرع الفاعلة لتفعيل أجندة هؤلاء التدميريين الجدد..
و سوف لن يتمكن خلفه غوردن برون 56 سنة من ضخّ الحياة في مسار حزب العمال الذي أوصله توني بلير إلى الهاوية بسياسته العرجاء داخليا وخارجيا.....