موسكو: كانت موسكو، والعديد من العواصم الأجنبية الأخرى بالمناسبة، تنتظر من أوباما، وضوحا أكثر في قضايا السياسة الخارجية، ولكن لم يحدث هذا خلال أول مؤتمر صحفي عقد للرئيس الأميركي الجديد في التاسع من فبراير الحالي في واشنطن. وعلى ما يبدو، يتعين منح أميركا بسبب الأزمة، وقتا معينا quot;للعودة إلى رشدهاquot;.

وحظي باهتمام موسكو بشكل خاص قسم المؤتمر الصحفي، حيث أشار أوباما إلى أنه ينبغى على الولايات المتحدة وروسيا تعزيز نظام منع انتشار المواد والأسلحة النووية بالجهود المشتركة. فقال: quot;أحد أهدافي منع انتشار المواد والأسلحة النووية. وأنا اعتقد أنه من المهم للولايات المتحدة سلوك هذا الطريق بالتنسيق مع روسيا. وقد تطرقت إلى هذا الموضوع خلال المكالمات الهاتفية مع الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف. وأشعرته بأن من المهم لنا استئناف مناقشة كيفية شروعنا بتقليص ترسانتينا النوويتين بفعاليةquot;.

وقد اعتادت روسيا في عهد بوش على سماع العديد من الإعلانات المتكررة ضد السلاح النووي من الإدارة الأميركية، دون مضمون محدد، وفي السنتين الأخيرتين من رئاسة بوش، لم تسمع موسكو أي شيء من هذا القبيل على الإطلاق، مما يوفر إمكانية مقارنة رد فعلها quot;بالسرورquot;. وعلى أي حال، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 10 فبراير أن موسكو quot;مرتاحة لمنح واشنطن هذه القضية أهمية من الدرجة الأولىquot;. ومع ذلك هناك حاجة إلى تقديم توضيحات معينة.

في عهد بوش جرى تقويض العديد من المعاهدات والاتفاقات، بحيث كان من الصعب على موسكو فهم بماذا ستبدأ الإدارة الجديدة. فإن معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت ـ 1) لعام 1991 السارية المفعول تنص على تقليص كل طرف العبوات النووية الاستراتيجية من 10 آلاف إلى 6 آلاف، وتنتهي فترة سريان quot;ستارت ـ 1quot; في 5 ديسمبر عام 2009. صحيح أن الطرفين كانا قد وقعا في عام 1993 معاهدة quot;ستارت ـ 2quot; من أجل إجراء تخفيضات إضافية في ترسانتيهما النوويتين. غير أن روسيا انسحبت منها عام 2002 بعد أن رفضت الولايات المتحدة الالتزام بمعاهدة الدفاع المضاد للصواريخ لعام 1972. ومنذ عام 2005 تعرض موسكو على واشنطن بصورة دورية استئناف المفاوضات، على الأقل، حول مصير المعاهدات والاتفاقات السابقة بشأن السلاح النووي. لكنها لم تتلق أي شيء محدد، باستثناء الوعود بالعودة إلى ذلك.

وجرى عرض المقترحات الأخيرة للإدارة الأميركية حول تقليص الأسلحة النووية من خلال صحيفة quot;The Timesquot; البريطانية في بداية فبراير. وإن هذا التسريب عبر الصحف البريطانية تلجأ إليه واشنطن بصورة دورية عادة في ممارسة جس النبض. وتبدو هذه المقترحات مقبولة، إذ يتعين على كل من الطرفين الأميركي والروسي تقليص ترسانته النووية بنسبة 80 بالمائة، وعدد الرؤوس ـ إلى ألف، إلا أنه من المتعذر فهم ما ستحويه هذه الرؤوس. كما من غير الواضح أيضا، هل سيجري تقليص السلاح النووي الإستراتيجي وحده أو التكتيكي معه إلى حد ما، وأي نوع من أنواع الأسلحة النووية الإستراتيجية الهجومية يجب أن يخضع للتقليصات المحتملة، حسب الرؤية الأميركية؟

ومن المدهش، أن الدولتين النوويتين الكبريين توصلتا إلى الاتفاقات الجذرية جدا، ليس قبل فترة طويلة، وإنما في عهد الرئيس ريغان، في فترة ذروة معاداة ريغان للاتحاد السوفيتي وميول غورباتشوف الرومانطيقية. واقتربت موسكو وواشنطن في ريكيافيك في 11 أكتوبر عام 1986 جدا من الاتفاق على تحويل كل السلاح النووي الاستراتيجي إلى خردة، مما حدا ببعض الناس العاطفيين التصديق بهذا تقريبا. إلا أن من الصعب حتى الوقت الحاضر فهم كيف صمد العسكريون من الطرفين أمام هذا الاقتراب من quot;المستقبل الخالي من السلاح النوويquot;.

فقد تم وقتئذ تقريبا الاتفاق على الوثائق التي تنص على تقليص الطرفين الأسلحة الهجومية الاستراتيجية بنسبة 50 بالمائة خلال السنوات الخمس الأولى (حتى عام 1991). كما نصت على التخلي عن الـ50 بالمائة الباقية خلال السنوات الخمس التالية (حتى عام 1996). وبعبارة أخرى، التخلي كليا عن الأسلحة الهجومية الاستراتيجية ولو مع بقاء الأسلحة التكتيكية على حالها.

وفشل كل هذا بسبب عدم رغبة ريغان في التعهد بعدم الانسحاب من معاهدة الدفاع المضاد للصواريخ خلال السنوات العشر، وبعدم العمل على تنفيذ مبادرة الدفاع الاستراتيجية ـ منظومة quot;حرب النجومquot; السيئة الصيت. ومن الظريف، هل سيخطو أوباما خطوات أبعد من quot;ريكيافيكquot;؟