واشنطن: عاد مصطلحا quot;حرب ضروريةquot; وquot;حرب اختياريةquot; من جديد يسيطران على النقاش الأميركي الداخلي حول الحرب التي تخوضها إدارة quot;أوباماquot; في أفغانستان. فمنذ ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2008، والرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot; يُدافع عن الحرب الأميركية في أفغانستان باعتبارها حربًا ضروريةً، محدثًا تحولاً في السياسة الأميركية التي كانت تركز على العراق ـ التي يراها أوباما quot;حربًا اختياريةًquot; ـ إبان فترتي الرئيس quot;جورج دبليو بوشquot; إلى أفغانستان وباكستان حيث ينشط تنظيم القاعدة ـ المتهم بارتكاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ـ وحركة طالبان بصبغتيها الأفغانية والباكستانية.

داخل الولايات المتحدة تياران رئيسان حول الاستراتيجية المثلى لتعامل الإدارة الأميركية مع الحرب الأميركية في أفغانستان. يدعو التيار الأول، والذي أضحى أكثر رواجًا في واشنطن، إلى سحب القوات الأميركية من هذا البلد وترك إدارة شؤونه لأهله مستندين إلى الخبرة التاريخية في أنه عبر التاريخ لم تتمكن قوة من السيطرة على هذا البلد. ويرون أنَّ على واشنطن المساعدة في التوصل إلى تسوية سياسية تضم المعتدلين من حركة طالبان تضمن عدم استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات إرهابية ضد حلفاء الولايات المتحدة. ولكن الانسحاب الأميركي من أفغانستان، حسب هذا التيار، لا يعني عدم السعي الأميركي لملاحقة تنظيم القاعدة.

هذا، في حين يدعو التيار الثاني إلى ضرورة وجود القوات الأميركية في أفغانستان؛ لترابط الحرب الأميركية في أفغانستان وتشابكها بعديدٍ من القضايا المحورية والمهمة بالنسبة إلى واشنطن كالحرب على الإرهاب والصراع على الطاقة في آسيا الوسطى والملف النووي الإيراني ومواجهة المحور الصيني ndash; الروسي، ولذا يدعون إلى زيادة القوات الأميركية والدولية في أفغانستان للسيطرة عليها وتخليصها من تنظيم القاعدة وحركة طالبان.

إخفاق سياسة أوباما في أفغانستان

يتبنى الرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot; التيار الثاني. فمنذ حملته الانتخابية العام الماضي والرئيس الأميركي يعلن أن أفغانستان أولوية للأمن القومي الأميركي وأنها quot;حرب ضروريةquot;. ومع دخوله البيت الأبيض غيَّرَ الرئيس الأميركي القيادة الأميركية في أفغانستان بتعيين الجنرال quot;ستانلي ماك كريستالquot; قائدًا للقوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان ليخلف الجنرال quot;ديفيد ماكيرنانquot; بعد أقل من سنة من توليه مهامه إِثر خطأٍ كبيرٍ ارتكبه الجيش الأميركي في غارات جوية أودت بحياة عشرات المدنيين في غرب أفغانستان. وإحداث تغيير في الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان بحيث نُقل الاهتمام من العراق إلى أفغانستان والدعوة إلى زيادة القوات الأميركية العاملة هناك. ويرى quot;أوباماquot; أن نجاح الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان يحتاج إلى مزيدٍ من القوات، ولذا دعا إلى سحب القوات الأميركية من العراق وإرسالها إلى أفغانستان.

ولكنَّ تلك الاستراتيجية التي يتبناها أوباما غير ناجحة. ففي تقريره حول تقييم الوضع الاستراتيجي للنزاع الأفغاني قال quot;ماك كريستالquot;: إن الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان غير ناجحة واصفًا الوضع هناك بالخطر؛ ولذا دعا في تقريره إلى مراجعة الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان، واستراتيجية القوات الدولية في معركتها مع حركة quot;طالبانquot;، مشيرًا إلى أنه من الممكن تحقيق النجاح من خلال اتباع استراتيجية معدلة.

وانعكس هذا الإخفاق على رأي المواطن الأميركي، الذي كان في السابق يدعم سياسة quot;أوباماquot; في أفغانستان. فقد أظهرت نتائج استطلاع لشبكة CBS الإخبارية ـ صدر يوم الثلاثاء الأول من سبتمبر الجاري ـ أن 41% من المستطلعين يريدون خفض مستوى الوجود الأميركي في أفغانستان مقارنة بـ33% في استطلاع لشهر إبريل الماضي. في حين نسبة ضئيلة تقدر بـ25% تريد زيادة القوات الأميركية مقارنة بنسبة 39% لشهر إبريل. وصاحب ذلك انخفاض في موافقة المستطلعين على سياسات أوباما في أفغانستان بثمانية نقاط عن استطلاع إبريل لتصل إلى 48%.

ويرى ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، في مقالة له في صحيفة quot;نيويورك تايمزquot; حملت عنوان quot;في أفغانستان، الاختيار لناquot; نشرت في 21 من أغسطس الماضي أن الرئيس quot;باراك أوباماquot; لم يأتِ بجديد في السياسة الأميركية تجاه أفغانستان إلا تعزيز السياسة القائمة. ففي بداية هذا العام أعلن الرئيس الأميركي quot;باراك أوباماquot; عن إرسال 17 ألف مقاتل إضافي و4 آلاف مدرب إلى أفغانستان ليزيد عدد القوات الأميركية العاملة في أفغانستان إلى ما يزيد عن 60 ألفا. وفي مارس الماضي أعلن أوباما أن المهمة الأميركية في أفغانستان هي quot;محاربة طالبان في الجنوب والشرقquot; لتكون الولايات المتحدة شريكًا في الحرب الأهلية الأفغانية.

حرب ضرورية اختارها أوباما

هذا التراجع في الدعم الأميركي لسياسات أوباما في أفغانستان، وإخفاق الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان عن تحقيق أهدافها، يثير تساؤلاً رئيسا مفاده: هل الحرب الأميركية في أفغانستان quot;حرب ضروريةquot; أم quot;حرب اختياريةquot;؟. وفي هذا السياق كتب quot;روبرت كاغان ـ القريب من المحافظين الجدد ـ في صحيفة quot;واشنطن بوستquot; في 23 من أغسطس الماضي مقالة تحت عنوان quot;الرئيس وأسطورة quot;حرب ضروريةquot; أشار في مقدمتها إلى دافع أوباما للحرب الأميركية في أفغانستان باعتبارها quot;حربًا ضروريةquot; وليس quot;حربًا اختياريةquot;.

ويرى quot;كاغانquot; هذا التقسيم ما بين quot;حرب ضروريةquot; وquot;حرب اختياريةquot; يجعل الرئيس يزج بنفسه في نفق مظلم كان من الأفضل له أن يتجنبه، ذلك أنه على امتداد التاريخ الأميركي لم تكن هناك سوى حروب قليلة يمكن وصفها بالضرورية، هذا إن كانت موجودة حقيقةً، حسب كاجان. ويشير في مقالته إلى أنه ما لم تتعرض البلاد للغزو أو لتهديد وجودي داهم يبقى دائمًا الذهاب إلى الحرب مسألة اختيارية.

ويتساءل quot;هاسquot; في مقالته ـ السابق الإشارة إليها ـ ما إذا كانت حرب أفغانستان quot;حربًا ضروريةquot; أم لا؟. وقبل الإجابة على هذا التساؤل يوضح quot;هاسquot; أن أي quot;حرب ضروريةquot; لابد أن تكون ذات أهمية للمصلحة القومية للدولة المحاربة من جهة، وألاَّ يكون هناك بديل عن الحرب للحفاظ على المصلحة القومية من ناحية أخرى. ويرى هاس أن مصطلح quot;حرب ضروريةquot; ينطبق على الحرب العالمية الأولى وحرب الخليج الثانية (حرب تحرير العراق).

وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانت الحرب على أفغانستان quot;حربًا ضروريةquot; لدفاع الولايات المتحدة عن نفسها؛ لتهديد تنظيم القاعدة المتحالف مع حركة طالبان الحاكمة في باكستان آنذاك للمصلحة والأمن القومي الأميركي، وفي الوقت ذاته لم يكن من بديل أمام واشنطن إلا العمل العسكري. ولكن quot;هاسquot; يتساءل: هل مع وجود حكومة صديقة لواشنطن في كابول يظل العمل العسكري ضروريًّا؟.

ويرى quot;هاسquot; في مقالته أن حرب أفغانستان quot;حرب ضروريةquot; اختارها quot;أوباماquot;، ويشابهها بفيتنام والبوسنة وكوسوفو والعراق حاليًّا. والحرب الاختيارية ليست جيدة أو سيئة في حد ذاتها ولكن الأمر يتوقف على ما إذا كان التدخل العسكري المحتمل يحقق إنجازًا أكثر من التكلفة وما إذا كان هناك تأييد لاستخدام القوة باعتبارها أفضل الخيارات.

وفي النهاية لا يرى quot;هاسquot; أن حرب أفغانستان quot;حرب ضروريةquot; تستدعي هذا الجهد وأن القيام بالمزيد لم يحقق مزيدًا من النصر. فالانسحاب الأميركي من أفغانستان أو زيادة القوات سيؤدي إلى اجتياح كابول وسقوط الحكومة، ولكن الركون إلى زيادة القوات سوف يزيد الخسائر الأميركية البشرية والمالية. واستمرار الولايات المتحدة في أفغانستان يقلل فرص الولايات المتحدة في التعامل مع العراق وإيران وكوريا الشمالية، ويرى أن هناك حاجة إلى الحد من المهام الأميركية ومدتها في أفغانستان حتى لا ترى واشنطن ذاتها غير قادرة على مواجهة quot;حروب ضروريةquot; أو quot;اختياريةquot; عندما تقع.

خيارات أوباما في أفغانستان

على الرغم من الإنجازات العسكرية التي تحققها الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي في أفغانستان، إلا أن المنظمات الإرهابية تمتلك القدرة ـ حسب هاس ـ على إعادة تجميع قواها مرة أخرى والانتشار والتواجد في أي مكان. وأن مستقبل باكستان سيظل غير مستقر أيضًا. لذا يرى هاس أنَّ هناك بدائل للسياسة الأميركية الحالية في أفغانستان، تتمثل في (1) تقليل العمليات العسكرية الأميركية على الأرض. (2) زيادة هجمات الطائرات من دون طيار على معاقل القاعدة وطالبان. (3) تدريب القوات الأمنية والجنود الأفغانيين. (4) زيادة المساعدات والركون إلى الوسائل الدبلوماسية لكسر عظام طالبان ونفوذها داخل الشارع الأفغاني.

ويرى quot;هاسquot; أن هناك بديلاً أميركيًّا أكثر راديكالية وهو سحب الولايات المتحدة الأميركية قواتها العاملة في أفغانستان والتركيز على المبادرات الإقليمية والدولية لمحاربة الإرهاب ومبادرات للأمن القومي الأميركي التي تحمي الولايات المتحدة من أي تهديد إرهابي يأتي من أفغانستان. ولكنه يشابه هذا البديل بالسياسة التي اتبعتها واشنطن مع الصومال ودول أخرى توجد فيها حكومات غير قادرة أو راغبة في محاربة الإرهاب ومع ذلك تتحاشى واشنطن التدخل العسكري فيها.

إن تقييم الأمور في أفغانستان صعب لأن طالبان لديها من المقومات ما يجعلها تعود أكثر قوة وإمكانية استخدامها باكستان ملاذًا آمنًا لها، وليس من الواضح ما إذا كان الأفغانيون قادرين على التغلب على الانقسامات العرقية والقبلية والفساد والتنافس من أجل مصالح شخصية. ويرى quot;هاسquot; أنه بقطع النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية الأفغانية سيزيد الانقسام داخل أفغانستان.

من جانبه يرى quot;أنتوني كوردسمانquot; في مقالة حملت عنوان quot;كيف نخسر الحرب في أفغانستانquot; نشرت في صحيفة quot;واشنطن بوستquot; يوم 31من أغسطس الماضي أن الولايات المتحدة تخسر الحرب الجارية في أفغانستان، ويرى أن تحقيق النصر يتطلب جهودًا إضافية ربما تستمر لبضع سنوات قادمة.

ولم يلاحظ quot;كوردسمانquot; الذي شارك في مجموعة تقييم مسار الحرب التي قدمت استشاراتها الاستراتيجية للقائد العسكري الجديد للقوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال quot;ستانلي ماك كريستالquot;، أي مؤشرات على قرب إحراز واشنطن نصرًا في أفغانستان بل يرى بوضوح مؤشرات تفسر أسباب الخسارة الأميركية في حربها هناك. ويشير إلى نقص الموارد اللازمة للحرب باعتبارها العامل الأهم. فيقول: إنه خلال عامي 2002 ـ 2008 لم يسبق للولايات المتحدة أن وفرت الأموال ولا القوات ولا الأعداد الكافية من الجنود ولا القادة بما يضمن تحقيق النصر، بل إنها أسهمت في إحداث فراغ سياسي في أفغانستان في وقت تنشط فيه عناصر طالبان وغيرها من المنظمات المتطرفة الأخرى التي استخدمت هذا الفراغ لصالحها. مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لم تستجبْ لمطالب سفارتها في كابول بتوفير مزيدٍ من الموارد اللازمة للحرب.

ويعول quot;كوردسمانquot; على السفير الأميركي في أفغانستان quot;كارل إيكنبريquot; والجنرال quot;ماك كريستالquot; في تحقيق الفوز، ولكنه مشروط ـ حسب كوردسمان ـ بالسماح لهما بإدارة الجانبين العسكري والمدني من الحرب من دون تدخل إداري من جانب واشنطن، وتوفير ما يكفيهما من وقت وموارد وصلاحيات تتطلبها مهامهما. ويرى أن إخفاقهما في مهمتهما سيؤدي إلى إخفاق إدارة أوباما في أفغانستان مثل الإدارة السابقة.

وعن احتياجات السفير الأميركي في أفغانستان يقول quot;كوردسمانquot;: إنه يحتاج إلى تمويل الجهد المدني الذي تبذله السفارة في أفغانستان الذي يعادل حاليًّا نصف المطلوب فعليًّا. ولذا فقد يطلب السفير ـ حسب كوردسمان ـ توفير 2.1 مليار دولار إضافي لسد الحاجة الكلية لتمويل تلك الجهود بتكلفة قدرها 4.8 مليارات دولار. كما يتوقع أن يحتاج السفير إلى مزيد من الكادر البشري العامل، بدلاً من الزيادة الرمزية المعلنة.

أما من حيث الزمن، فليس متوقعًا لهذه الجهود أن تؤتي ثمارها في أي وقت قبل حلول ربيع عام 2010.

وبالنسبة إلى الجنرال quot;ماك كريستالquot; فإنه في حاجة إلى مزيد من الجنود الأميركيين، ويرى كوردسمان أن سير العمليات هناك في حاجة إلى ما يتراوح بين ثلاثة إلى ثمانية ألوية إضافية مقاتلة. ويشير إلى أنه يجب إدراك أن جزءًا من هذه القوات الإضافية سيخصص لمساندة القوات التي تتولى مهام العمل الإنمائي في أفغانستان، مع ضرورة مضاعفة عدد هذه القوات إذا ما أُريدَ لها أن تكون شريكًا فعليًّا في عملية إعادة بناء أفغانستان وأن تحل محل قوات التحالف الدولي والقوات الأميركية في نهاية المطاف، بدلاً من أن تكون مجرد أداة من أدوات الجهد الحربي.

هل انتصرت طالبان على أوباما ؟

اكتسب الجدل السياسي حول أوضاع القوات الأميركية في أفغانستان زخمًا متزايدًا في الآونة الأخيرة في ضوء الأحداث المتلاحقة على الصعيد الميداني في أفغانستان، والتي ألقت بظلالها على توجهات الأميركيين حيال التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان، وقدرة إدارة أوباما على حسم المواجهة العسكرية مع حركة طالبان واستعادة الأمن والاستقرار تمهيدًا لتقليص التواجد العسكري الأميركي.

وارتبط ذلك بتصاعد الخسائر البشرية والتكلفة المادية للتواجد العسكري الأميركي في أفغانستان، ناهيك عن التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة في أفغانستان على مستوى تحقيق الاستقرار السياسي بعد الانتخابات الأفغانية المثيرة للجدل والتي أعادت سيناريو الحرب الأهلية إلى الساحة السياسية الأفغانية بعدما توارى لفترة طويلة، وهو ما لا يقل خطورة عن حتمية الارتقاء بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وإعادة الأعمار لتقويض ركائز الدعم المعنوي الذي يحظى به قادة حركة طالبان لدى بعض زعماء القبائل الأفغانية .

و في هذا الصدد اتجه بعض المحللين والخبراء العسكريين في الولايات المتحدة للتركيز على تصاعد التكلفة المادية والبشرية للتواجد العسكري الأميركي في أفغانستان، ولما لذلك من انعكاسات على التأييد الداخلي الذي يحظى به الرئيس أوباما وذلك للتوصل للإجابة على تساؤل جوهري مفاده: إلى متى يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل هذه التكلفة؟ وما احتمالات أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان - تحت وطأة ذلك التصاعد المتواصل في الخسائر - دون تحقيق انتصار حاسم على حركة طالبان؟، لاسيما في ظل التحديات التي تعترض استكمال مهمة قوات المساعدة الدولية (إيساف ISAF) التابعة لحلف الناتو وتزايد المعارضين لاستمرار التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان .

حرب استنزاف أفغانية ضد الناتو

لم تؤد استراتيجية الرئيس quot;أوباماquot; تجاه أفغانستان لتقليص الخسائر البشرية للقوات الأميركية أو تحقيق تقدم ملموس على المستوى الميداني في المواجهة العسكرية مع حركة طالبان. وفي المقابل تمكنت الحركة من محاصرة العاصمة الأفغانية كابول وفرض سيطرتها على مساحة واسعة من الإقليم الأفغاني وتواجدها في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، فضلاً عن تعزيز تحالفاتها مع عدد كبير من قادة القبائل الأفغانية وتهديد استقرار النظام السياسي الأفغاني.

حيث أشارت شبكة سي.rlm;إنrlm;.rlm;إن الإخبارية الأميركية CNNإلى أن شهر أغسطس الماضي قد شهد تصاعدًا ملحوظًا في الخسائر البشرية التي مُنيت بها القوات الأميركية في أفغانستان منذ بدء الحرب في عام 2001 بعدما وصل عدد القتلى من الجنود الأميركيين خلال هذا الشهر إلى 48 جنديًّا أميركيًّا في مقابل 45 قتيلاً خلال شهر يوليو ليصل إجمالي الخسائر البشرية للقوات الأميركية في أفغانستان إلى حوالى 796 قتيلاً خلال سنوات الحرب الثماني .

ومن المتوقع أن تزيد تلك الخسائر مع اتجاه الولايات المتحدة لزيادة عدد قواتها في أفغانستان البالغ قوامها حوالى 62 ألف جندي ، وذلك بعد إبداء وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس موافقته على مقترحات قائد القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان الجنرال ستانلي ماك كريستال حول إرسال 6 آلاف جندي إضافي إلى أفغانستان على الرغم من تعبير جيتس عن قلقه من أن ينظر الأفغان إلى تواجد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على أنه قوة احتلال إذا أصبح هذا التواجد أكبر مما ينبغي.

ولم يقتصر تصاعد الخسائر البشرية في الآونة الأخيرة على القوات الأميركية وإنما امتد إلى غالبية القوات المشاركة في العمليات القتالية لاسيما القوات البريطانية التي ارتفع عدد القتلى في صفوفها ليصل إلى حوالى 211 قتيلا منذ بدء العمليات العسكرية في أفغانستان عام 2001 بما أدى إلى تصاعد الانتقادات الداخلية في بريطانيا حول استمرار التواجد العسكري في أفغانستان وهو ما يستدل عليه بالاستطلاع الذي أجرته صحيفة الصن البريطانية The Sunوتضمن تأكيد حوالى 68% من البريطانيين عدم رضاهم عن أداء القوات البريطانية في أفغانستان، بما يعني أن بريطانيا قد لا تتمكن من زيادة عدد قواتها في أفغانستان على غرار الولايات المتحدة وأن الخلاف بين الولايات المتحدة والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي حول زيادة عدد القوات الدولية في أفغانستان قد يستمر لفترة في ظل عدم وجود مؤشرات على تحسن الأوضاع الميدانية .

أفغانستان .. التزام أميركي بتكلفة متصاعدة

بينما تعمل إدارة أوباما على توسيع وتعزيز الانخراط الأميركي في أفغانستان، يحذر عدد كبير من الخبراء الأميركيين من أن الولايات المتحدة تأخذ على عاتقها التزامات أمنية وسياسية قد تستمر لفترة طويلة بما يعني تضاعف التكلفة المادية للتواجد العسكري في أفغانستان على المدى القريب. حيث كشف تقرير صادر عن هيئة أبحاث الكونغرس عن تصاعد الإنفاق العسكري الأميركي في أفغانستان بصورة مطردة بين عامي 2001 و2009 ليصل إجمالي الإنفاق خلال تلك الفترة إلى حوالى 223 مليار دولار. وهو ما يوضحه الجدول التالي الذي ورد في التقرير سالف الذكر الصادر في مايو 2009 .

ويمكن القول: إن النفقات التي خصصها الكونغرس للعمليات العسكرية في أفغانستان قد بدأت في التصاعد منذ عام 2005 واستمرت على النهج التصاعدي ذاته إلى الآن ليصل إجمالي الإنفاق خلال العام الجاري إلى حوالى 55.2 مليار دولار. كما ارتفعت المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي تمنحها الولايات المتحدة للحكومة الأفغانية من 942 مليون دولار في العام 2002 إلى ما قيمته 9.3 مليارات هذا العام وفق التقديرات الإجمالية الواردة في التقرير الذي أعده كورت تارنوف Curt Tarnoff حول المساعدات الاقتصادية الأميركية لأفغانستان وأصدرته هيئة أبحاث الكونغرس في 14 يوليو 2009 .

وفي هذا الصدد أكد مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق بينج ويست Bing West أن قيام الولايات المتحدة بنقل المسؤولية الأمنية للقوات الأفغانية سيحتاج إلى فترة إعداد تنفق خلالها الولايات المتحدة حوالى 4 مليارات دولار سنويًّا على مدى عشر سنوات أخرى، مع مبلغ مماثل لدعم التنمية الاقتصادية في أفغانستان وهو ما قد يعترض عليه الكونغرس مستقبلاً في ظل عدم وجود نتائج ملموسة للحرب.

حرب الضرورة وحدود التكلفة المادية

على الرغم من إصرار quot;أوباماquot; على وصف العمليات العسكرية في أفغانستان بأنها quot;حرب ضرورةquot; وليست quot;حربا اختياريةquot; إلا أن تصاعد تكلفة العمليات العسكرية في أفغانستان قد دفعت عددًا من المحللين الأميركيين من تحذير quot;أوباماquot; من الالتزامات المادية التي قد تفرض على الولايات المتحدة في حال استمرار الحرب في أفغانستان على هذا المنوال .

حيث أشار ريتشارد هاس إلى أن القيادات العسكرية الأميركية يجب أن تضع مخططًا عامًّا لتقليص التزاماتها المالية والعسكرية في أفغانستان من خلال التركيز على تدريب القوات الأفغانية لتولي مهمة حفظ الأمن والاستقرار في أفغانستان تمهيدًا لانسحاب القوات الأميركية في المستقبل ، كما ينصح هاس بالاعتماد على تكنيكات قتالية جديدة تقلل الخسائر العسكرية الأميركية مثل الاعتماد على الطائرات المقاتلة من دون طيار في قصف مواقع تمركز حركة طالبان.

وما يزيد من التكلفة المادية التي تتحملها الولايات المتحدة، أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في أفغانستان متردية ولا يمكن للحكومة الأفغانية تدبير الموارد المادية اللازمة لمواجهة حركة طالبان ، حيث لا يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي في أفغانستان حوالي 23.03 مليار دولار ويصل متوسط دخل الفرد حوالى 800 دولار سنويًّا، وتمثل المساعدات الخارجية إحدى أهم ركائز الاقتصاد الأفغاني. ومن ثم فإن انسحاب القوات الدولية من أفغانستان سوف يؤدي إلى سقوط الحكومة الأفغانية وعودة طالبان للسيطرة على أفغانستان أو نشوب حرب أهلية طويلة المدى بين مختلف القوى السياسية الأفغانية.

هل أصبحت أفغانستان فييتنام أوباما ؟

انعكس تصاعد التكلفة المادية والبشرية للعمليات العسكرية في أفغانستان على تراجع تأييد الأميركيين لاستمرار التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان. حيث كشف استطلاع للرأي أجرته شبكة سي إن إن CNN الإخبارية الأميركية في 2 من سبتمبر الجاري عن معارضة حوالى 57% لاستمرار الحرب في أفغانستان فيما يعتبر تصاعدًا في نسبة معارضي الحرب التي لم تتجاوز حوالى 46% في إبريل 2009 ، كما رأى حوالى 62% ممن شملهم الاستطلاع أن الولايات المتحدة ليست بصدد تحقيق انتصار في المواجهات العسكرية الدائرة في أفغانستان.

وفي سياق متصل بدأت تداعيات الأوضاع العسكرية المتردية في أفغانستان النيل من شعبية الرئيس أوباما وتراجع مستوى التأييد الذي تحظى به سياسته في أفغانستان إلى حوالى 49% في استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة سي بي إس نيوز الإخبارية الأميركية CBS News في 31 من أغسطس 2009 بالمقارنة بحوالى 56% في الاستطلاع الذي أُجري في 26 من إبريل الماضي ، كما كشف استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة سي إن إنCNN في 31 من أغسطس الجاري عن تراجع تأييد الرأي العام الأميركي للسياسة الخارجية للرئيس أوباما بصفة عامة لتصل نسبة مؤيدي سياسته إلى حوالى 54 % بالمقارنة بنسبة تأييد وصلت إلى 66% في 15 من مارس الماضي . يرى بيتر باكر المحرر في صحيفة نيويورك تايمز أن المواجهات العسكرية مع طالبان قد تقضي على شعبية الرئيس أوباما إذا استمرت دون تحقيق نتائج ملموسة أو على الأقل وضع حد للخسائر الأميركية المتصاعدة.

أولويات أميركا في أفغانستان وباكستان خلال العام المقبل

وفي هذا السياق أصدر مركز الأمن الأميركي الجديد تقريرًا تحت عنوان quot;حصر الأولويات: الاثنا عشر شهرًا القادمة في أفغانستان وباكستان وأعدت التقرير مجموعة من الباحثين المتخصصين في قضايا الأمن والإرهاب وفي الشؤون الأفغانية والباكستانية. وفي بداية التقرير تحدث عن التأزم الأميركي في أفغانستان، وبروز القاعدة وحركة طالبان كمنافسين قويين للولايات المتحدة والقوات الدولية في أفغانستان والحدود الأفغانية ـ الباكستانية المشتركة. وبعد المقدمة تناول التقرير في جزئه الأول تقييم الأوضاع الأمنية الراهنة في كل من أفغانستان وباكستان. وفي جزئه الثاني توصيتان لمكافحة التمرد في كلٍّ من أفغانستان وباكستان. وفي جزئه الثالث والأخير المقاييس والمعايير المختلفة لمحاربة المتمردين.

تقدير وتقييم الوضع الأمني في أفغانستان

أوضح التقرير أن سياسة الولايات المتحدة في حملتها لمكافحة التمرد تُعد سببًا من أسباب خسارة الحرب في أفغانستان في حملات مكافحة التمرد. وأن السبب وراء الانتصار السريع على نظام طالبان عام 2001 يرجع إلى تحالف قوات العمليات الخاصة والقوات الجوية مع الأفغان المحليين، والتي أعقبها تزايد في هجمات المتمردين عام 2002 ليتخلى الأفغان المحليون عن دعم القوات الغربية. فقد أشار التقرير إلى تردي الوضع الأمني في أفغانستان بصورة مطردة على مدى السنوات الماضية، وذلك راجع إما لعدم قدرة أو عدم رغبة الجيش الأميركي وحلف شمال الأطلسي في حماية الشعب الأفغاني. فوفقًا للأمم المتحدة، فإن عدد المدنيين الذين قتلوا في أفغانستان قد ارتفع بنسبة 41% من عام 2007 إلى عام 2008، ومع ارتفاع الاعتداءات العنيفة .

وأوضحت منظمة العفو الدولية، أن قوات التحالف مسؤولة عن 25% من أعمال العنف المرتكبة ضد المدنيين الأفغان مع الحكومة الأفغانية. فالتصدي لحركة طالبان في إبريل 2009، تطلب ما يقرب من 58 ألفا من قوات حلف شمال الأطلسي المنتشرة في أفغانستان كجزء من القوة الدولية المساعدة الأمنية (إيساف ISAF). بالإضافة إلى تزايد القوات الأميركية المقاتلة كجزء من القيادة الانتقالية الأمنية المشتركة لأفغانستان (CSTC) ، والجيش الوطني الأفغاني. لذلك تعهد الرئيس الأميركي quot;أوباماquot; زيادة القوات المقاتلة. كما أعلن حلف شمال الأطلسي في إبريل 2009 نشر قوات إضافية لتأمين الانتخابات الأفغانية.

ويرى التقرير أن الزيادة في عدد القوات هو أمر ضروري ، إلا أنه غير كافٍ، حيث إن الطبيعة الجبلية لأفغانستان تتطلب تركزًا عاليًا من القوات والموارد، بجانب ضرورة توافر دعم من السكان الأفغان ، وإلا سيكون هناك فجوة كبيرة بين قوات التحالف ومواردها المتاحة . وسيتطلب هذا قيام القوات الأميركية بحصر الأولويات لتخصيص قواتها إلى المناطق التي تكون فيها عدد قوات التحالف قليلة، وذلك لحماية أكبر عدد من الأفغان.

وقد حدد التقرير العوامل التي تزيد من صعوبة تنفيذ عمليات حصر الأولويات، منها: تزايد معدلات الفقر، والنمو ، والفساد وانعدام الكفاءة ما أدى إلى انعدام الثقة في الحكومة الأفغانية في السنوات الأخيرة . ويزداد الأمر سوءًا ، حيث ينظر إلى الشعب الأفغاني إلى أن حكومة quot;كرزايquot; غير شرعية، ناهيك عن التشكيك في نوايا الولايات المتحدة ، والنظر إليها على أنها تدعم حكومة quot;كرزايquot; الفاسدة .

ويوضح التقرير الفرق في نتائج الانتخابات الرئاسية الأفغانية الأولى في أكتوبر عام 2004، حيث كانت انتخابات حرة ونزيهة بشكل ملحوظ ، على النقيض من ذلك ، انتخابات عام 2009 التي يشوبها الشك والاتهامات وضعف التأييد الشعبي.

ويؤكد التقرير أهمية بناء الثقة بين الشعب الأفغاني والحكومة وقوات التحالف. فالتعاون والدعم الشعبي من المتطلبات الأساسية لمكافحة التمرد، وللحصول على المعلومات عن المتمردين. لكن ذلك يتطلب فترة طويلة من الوقت قد تسمح لحركة طالبان للحفاظ على قواتها وتوسيع نطاق سيطرتها ، وإعطائهم فرصة لإقناع الشعب الأفغاني لمقاومة الحكومة ، وقوات التحالف ، خاصة مع ازدياد سقوط عديدٍ من الضحايا المدنيين. وأظهرَ التقرير أن المشاكل التي تواجه الولايات المتحدة وحلفاءها في أفغانستان معقدة ومتعددة الأبعاد، سياسيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا.

باكستان وراء تصاعد المتطرفين

قد أوضح التقرير أن المد المتصاعد للمتمردين والهجمات الإرهابية يهدد باكتساح باكستان وعدم استقرارها ، ويزيد من خطورة ذلك عدم اعتراف الحكومة الباكستانية بخطورة هذا التهديد، وإخفاقها في احتواء هذا المد في الإقليم الحدودي للشمال الغربي والمناطق القبلية . فقد لعبت الحكومة دورًا محوريًّا في تعزيز المتطرفين بين قبائل البشتون التي تقطن شمال غرب باكستان ، والتي تساعد حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان عن طريق جمع الأموال وتجنيد الرجال للقتال في أفغانستان.

ويشير التقرير إلى أن قيادات حركة طالبان التي تولت السلطة في نهاية المطاف ينتمون إلى هذه الجماعات المتشددة. فقد لعبت الحكومة الباكستانية دورًا محوريًّا في تعزيز ومساعدة قبائل البشتون، التي ساعدت حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان والتصدي للغزو السوفيتي لأفغانستان في عام 1980 وهزيمتهم. حيث لعبت الإيديولوجية الدينية دورًا حاسمًا في ميزان القوى، حيث تعد باكستان واحدة من دول ثلاث ـ الإمارات و السعودية ـ معترفة بطالبان كحكومة رسمية لأفغانستان.

فقد أوضح التقرير أن السياسة الباكستانية بدعم حركة طالبان سابقًا تنبع من توتر العلاقات بين باكستان والهند، حيث سعت باكستان إلى ايجاد العمق الاستراتيجي لقواتها العسكرية في حالة وقوع الغزو الهندي لباكستان ، ما يسمح للقوات الباكستانية للرجوع إلى الجبال الأفغانية وتنظيم صفوفهم لشن هجوم مضاد عبر نهر اندوس.

وقد أشار التقرير إلى أن في الوقت الحالي ، يوجد شبكات متعددة من المتشددين والمتمردين في شمال غرب باكستان، مثل حركة طالبان الأفغانية و حركة طالبان الباكستانية . وفي الآونة الأخيرة اندمج عدد من المنظمات لحركة تنظيم القاعدة تعزيزا للعلاقات مع القاعدة التي توفر الدعم اللوجستي والمالي والتدريب والدعم اللازم لحركات التمرد في كلا الجانبين من أفغانستان وباكستان. وبعد الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، فرَّ العديد من أعضاء تنظيم القاعدة إلى شمال غرب باكستان، حيث استمرت التدريبات وخطة العمليات. فعلى سبيل المثال ، المتهمون بتفجيرات لندن في يوليو 2005 كانوا قد اعتقلوا في بيشاور Peshwar في باكستان في وقت مبكر في عام 2009 .

تقصير باكستاني في مكافحة التشدد

وقد أشار التقرير إلى أن إبطاء الحكومة الباكستانية محاولاتها لمعالجة التشدد في الإقليم الحدودي للشمال الغربي (NWFP) والمناطق القبلية (FATA) ، من خلال ثلاث خطوات، هي:

أولاً: العمليات العسكرية الباكستانية قوبلت بمقاومة كبيرة من القبائل في غرب باكستان، بجانب اغتيال ووفاة عديد من زعماء القبائل والعشائر الأكثر دعما لجهود الجيش الباكستاني المتصدي لحركة طالبان وتنظيم القاعدة .بالإضافة إلى ضعف تكتيكات الجيش الباكستاني أعاقت فاعلية الغارات على أهداف تنظيم القاعدة وطالبان، حيث اعتمد النهج على التركيز على أهداف العدو، والتي تركز على قتل وأسر المقاتلين بصورة فردية ما أدى إلى تزايد التكلفة على السكان من حيث تزايد عدد القتلى والضحايا المدنيين ، ما أدى إلى فرار مئات الآلاف من البشتون من منطقة باجور إلى مخيمات اللاجئين الممتدة على الحدود الأفغانية الباكستانية.

ثانيًا: إبرام اتفاقات السلام، فقد وقعت الحكومة الباكستانية عدة اتفاقات سلام مع الجماعات المسلحة منذ عام 2004. إلا أن التأثير السلبي لتلك الاتفاقات قد سمح للمتطرفين بتوطيد سيطرتها والضغط من أجل تحقيق مكاسب أكبر. فعلى سبيل المثال ، اتفاقات السلام في شمال وجنوب وزيرستان ، قد زادت من شرعية وسلطة زعماء طالبان الباكستانية ، وأدت إلى تزايد الهجمات عبر الحدود في أفغانستان. وفي الآونة الأخيرة ، وقعت الحكومة اتفاقًا مع المتمردين بعد 18 شهرًا من القتال بين الجيش الباكستاني والجماعات المسلحة في وادي سوات . وعلى الرغم من أن الاتفاق كان من المفترض أن يؤدي إلى نزع سلاح المقاتلين والمتمردين ، إلا أن المتمردين مازالوا مسلحين تسليحًا كاملاً، وآخذين في توسيع نفوذهم شرقًا باتجاه إسلام آباد ، إلا أن 72 % من الرأي العام الباكستاني يؤيدون اتفاق سلام مع المتمردين و يعارضون العمليات العسكرية في شمال غرب باكستان بخاصة عندما تنطوي على التعاون مع الولايات المتحدة.

ثالثًا: الدعم الضمني للهجمات الطائرات الأميركية من دون طيار. منحت الحكومة الباكستانية موافقة ضمنية للولايات المتحدة لشن هجمات على أهداف في المنطقة الحدودية في شمال غرب باكستان ما أثار معارضة وغضب الرأي العام الباكستاني لتعاون الحكومة مع الولايات المتحدة في مكافحة التطرف على الرغم من الوعي الشعبي بأن التطرف الديني يمثل مشكلة خطرة في باكستان.

وترجع معارضة الرأي العام الباكستاني للتأييد الحكومي للهجمات الأميركية والتشكك في أهمية مكافحة التشدد الإسلامي إلى:

اعتقاد كثيرٍ من الشعب الباكستاني أن الولايات المتحدة تستخدم باكستان استراتيجيًّا للمحافظة على مصالحها ، والتخلي عن باكستان عند تحقيق المصالح الأميركية والقضاء على حركة طالبان، كما انسحبت من جنوب ووسط آسيا بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان في عام 1989.

تشكك الباكستانيين في تفسير علاقة التقارب بين الولايات المتحدة والهند، وإبرام الاتفاق النووي المدني بينهما.

إن عددًا من وجهات النظر الباكستانية حول التمرد في شمال غرب باكستان هي موجة احتجاج واسعة نتيجة تراجع شعبية الرئيس الأسبق quot;مشرفquot; للمحاولات الرامية إلى الاحتفاظ بالسلطة على حساب المؤسسات المدنية ، واستبداده نحو القضاء على الأحزاب السياسية المدنية المعارضة له.