حسم مجلس الشيوخ الفرنسي في جلسته الثلاثاء جدل النقاب المحتدم، وذلك بحظر ارتدائه في الأماكن العامة على أراضي الجمهورية الفرنسية بصورة نهائية. وبات إصدار القانون الآن يتطلّب إحالته على المجلس الدستوري الذي يتوقع أن يبت بشأنه في غضون شهر واحد على أن يبدأ سريان الحظر ربيع 2011.

باريس: أقر البرلمان الفرنسي بصورة نهائية اليوم الثلاثاء، عبر تصويت في مجلس الشيوخ، مشروع القانون الذي يحظر ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة، على ان يبدأ سريان هذا الحظر في ربيع 2011.

ويتطلب إصدار القانون الان إحالته على المجلس الدستوري الذي يتوقع أن يبت بشأنه في غضون شهر.

وبذلك تكون فرنسا، التي توجد فيها حوالى 1900 امرأة تضع النقاب او البرقع بحسب التقديرات الرسمية، اول بلد اوروبي يفرض هذا الحظر المعمم. وتتخذ حاليا في بلجيكا الإجراءات لإقرار قانون مماثل.

ولا يذكر النص النقاب او البرقع بالاسم لكن quot;إخفاء الوجه في الاماكن العامةquot;، وذلك يشمل الشوارع وايضا quot;الأماكن المفتوحة للعامةquot; مثل المتاجر ووسائل النقل والحدائق العامة والمقاهي، او quot;التي تقدم خدمات عامةquot; مثل البلديات والمدارس والمستشفيات.

ويحظر النص في الواقع ارتداء العباءة التي تغطي كل الوجه ما عدا العينين، او البرقع الذي يغطي كامل الجسد، تحت طائلة دفع غرامة بقيمة 150 يورو مع/او الخضوع لدورة تدريب عن المواطنة.

ولن يدخل الحظر حيز التنفيذ قبل ربيع 2011 بعد فترة quot;تربويةquot; من ستة أشهر.

وسيواجه كل شخص يرغم امرأة على ارتداء النقاب او البرقع عقوبة السجن لمدة عام ودفع غرامة بقيمة 30 الف يورو بعد صدور القانون.
وكان مجلس الدولة الذي يعد اعلى هيئة للقضاء الاداري، ابدى تحفظات على تعميم حظر النقاب والبرقع وأوصى بقصره على بعض الاماكن العامة.

وقد أثار القانون غضب الجماعات المدافعة عن الحريات الشخصية إلا ان المشروع حصل على دعم كبير من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وبدعم شعبي واسع.
ويرى معارضو القانون أنه يمثل انتهاكا لقوانين الاتحاد الأوروبي الخاصة بحقوق الإنسان.

ورغم انه لم يتم تعريف الاماكن العامة في القانون لكنها قد تشمل حتى الشوارع والأسواق.

وكان مجلس النواب البلجيكي قد أقرّ إجراءات مماثلة وصوت مجلس الشيوخ الاسباني بفارق ضئيل لمصلحة فرض حظر على النقاب في اسبانيا.

وحدد رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فييون اتجاه النقاش وهو يفتتح مسجدا جديدا في ضواحي باريس قائلا ان المسلمات اللواتي يرتدين النقاب الكامل (البرقع) quot;يختطفن الإسلامquot; ويقدمن quot;صورة طائفية مظلمةquot; للدين.

وتشير التقديرات إلى وجود حوالي ألفي امرأة فقط يرتدين البرقع في فرنسا، وتظهر دراسات وزارة الداخلية الفرنسية أن الغالبية منهنّ لا يتطابقن مع الصورة النمطية عنهن بأنهن نساء مهمشات ومضطهدات، وعدد كبير منهن قد ارتدين النقاب بمحض إرادتهن.

وأبدت اتحادات الشرطة قلقها حول كيفية فرض مثل هذا القانون، ولم يرحب اعضاؤها بفكرة إجبار النساء على خلع نقابهن على وجه الخصوص.

ويرى مؤيدو القرار في فرنسا التي تضم اكبر جالية مسلمة في الاتحاد الأوروبي ان ارتداء نقاب يخفي وجه المرأة يخرق مثل الجمهورية الفرنسية في العلمانية ومساواة الجنس الاجتماعي.

انتقادات بالجملة لساركوزي وحكومته

من جهة أخرى، تعرض الرئيس نيكولا ساركوزي لاتهامات عنيفة الثلاثاء بمخالفة المبادئ الكبرى للجمهورية وذلك بسبب سياسته تجاه المهاجرين وأيضا بسبب تهمة التجسس التي وجهتها صحيفة لوموند الاثنين الى الاليزيه.

وقد علت أصوات الثلاثاء من اليسار إلى أقصى اليمين منددة بquot;قضية دولة جديدةquot; بعد اتهامات الصحيفة الفرنسية المرموقة، مرددة عبارات مثل quot;فوضىquot;، quot;انحرافquot; وquot;انهيار اخلاقيquot;.

وفي الوقت الذي تعاني فيه الحكومة بالفعل من ضعف جراء سلسلة من الفضائح ومع التعديل المتوقع في الخريف، سعت الرئاسة الى استباق اي مشكلة جديدة من خلال نفيها بقوة الاثنين اتهامات لوموند.

وتؤكد الصحيفة الكبرى ان السلطة التنفيذية تجسست على احد صحافييها لمعرفة احد مصادره في قضية فيرت-بيتانكور المحرجة وإنها سترفع شكوى بتهمة انتهاك سرية مصادر الصحافيين.

وفضيحة فيرت-بيتانكور المتورط فيها الوزير اريك فيرت، قضية معقدة تتضمن جوانب متعددة خصوصا شبهات بتضارب المصالح والتمويل السياسي غير المشروع واستغلال النفوذ.

وقد جدد اليسار هجماته بعد ردود فعله العنيفة إثر صدور لوموند.
وقال الرئيس السابق للحزب الاشتراكي فرنسوا هولاند quot;ان الامور لا تسير على ما يرام على رأس الدولةquot; داعيا الى فتح تحقيق قضائي مستقل لإلقاء الضوء على القضية.

وقالت المرشحة الاشتراكية السابقة إلى الانتخابات الرئاسية سيغولين روايال quot;لم نر مطلقا مثل هذا المشهد من الانحراف السياسيquot;.

اما رئيس الوزراء السابق دومينيك دوفيلبان، العدو اللدود لنيكولا ساركوزي في اليمين، فندد بما اسماه quot;الفوضىquot; داخل السلطة التنفيذية وانتهاك ثلاثة مبادئ: quot;حياد الدولةquot; وquot;سرية التحقيقquot; وquot;سرية المصادرquot;.

وكرر رئيس الحزب الرئاسي الاتحاد من اجل حركة شعبية كزافييه برتران نفي الاليزيه واتهم صحيفة لوموند بتوجيه quot;اتهامات بلا اي دليلquot;.

لكن الصحيفة أصرت في عددها المؤرخ الأربعاء على موقفها مع مقال بعنوان quot;كيف يسعى الاليزيه إلى حماية نفسهquot;.

وفيما أقرت الشرطة بوجود تحقيق في إطار مكافحة التجسس بشأن تسريب في الصحف أصرت الصحيفة على اتهاماتها وقالت quot;انها ليست المرة الاولى التي يستعين فيها الاليزيه بأجهزة الاستخبارات ومكافحة التجسس لغايات سياسية او شخصيةquot;، مشيرة الى تحقيق طلب في الربيع بشأن شائعة حول الحياة الزوجية لنيكولا ساركوزي.

ورأت الصحيفة ان السلطة quot;التنفيذية تعول على بطء سير الإجراءاتquot; وأكدت انها ستتقدم بشكوى quot;في الايام المقبلةquot;.

الى ذلك فإن الرئيس ما زال يواجه انتقادات حادة لسياسته الأمنية المعلنة هذا الصيف التي تهدف الى الاسراع بإزالة مخيمات الغجر العشوائية وسحب الجنسية من المجرمين المجنسين منذ اقل من عشر سنوات.

واليوم الثلاثاء نددت عريضة بعنوان quot;لا تمسوا أمتيquot; نشرتها صحيفة ليبراسيون اليسارية وتحمل تواقيع عدد من الفنانين والمثقفين والسياسيين، بquot;انتهاك غير مقبول للمبادئ الدستورية للامةquot; وبالدرجة الاولى المساواة بين المواطنين امام القانون.

واضافة الى طلب البرلمان الاوروبي الثلاثاء من فرنسا التوقف عن ترحيل الغجر، هددت المفوضية الاوروبية باريس بملاحقات لعدم احترامها قوانين الاتحاد الاوروبي.

وفي الوقت الذي يواجه فيه ساركوزي هجمات على جبهات عدة قبل اقل من سنتين من استحقاق الانتخابات الرئاسية في 2012، تشير استطلاعات الرأي الى تراجع شعبيته الى ادنى مستوياتها بحيث يتوقع ان يمنى بهزيمة نكراء امام اليسار. ويشير تحقيق لمركز الإعلام المرئي والسمعي نشر الثلاثاء إلى انه بات يواجه منافسة جدية في اليمين من قبل دومينيك دوفيلبان.