يبدو أنَّ أسابيع التشنج والاستنفار الناتجة من دعوة القس الأميركي إلى حرق نسخ من القرآن لم تنجح في تغيير نظرة قراء quot;إيلافquot; إلى المجتمع الأميركي، إذ اعتبر 62% ممن استجابوا لاستفتاء الأسبوع الماضي أنّ المجتمع الأميركي quot;متسامحquot;.
أوكلاهوما: خلّفت تهديدات القسّ الأميركيّ تيري جونز بحرق نسخ من القرآن الكريم قبل أن يتراجع عن ذلك التهديد، ثلاثة أسابيع من الجدل الساخن والمحتدم في كلّ أنحاء العالم، حيث احتلّت دعوات القسّ عناوين الصحف ونشرات الأخبار الرئيسة عبر مختلف وسائل الإعلام، كما ولّدت ردود فعل متباينة.
وتظهر نتائج استفتاء quot;إيلافquot; الأسبوعي، والذي سأل عن صورة المجتمع الأميركي بعد أسابيع التشنّج والاستنفار التي خلفتها دعوة القس وما رافقها من جدل محموم، أنّ القرّاء يعتبرون المجتمع الأميركي متسامحًا. ولم تأت النتائج متقاربة، حيث يرى (62.06 %) من أصل 11060 قارئا شاركوا في الاستفتاء أنّ المجتمع الأميركي يتّسم بالتسامح، بينما يعتبر (37.94%) منهم أنّه quot;متعصّبquot;.
الأميركيون متسامحون
وتعكس النتائج التي خلص إليها الاستفتاء أنّ الغالبيّة ممن شاركوا فيه لم يختزلوا صورة المجتمع الأميركيّ في الدعوات التي أطلقها القسّ لحرق نسخ من القرآن للتنديد باعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية وما يحذر منه القس من تنامي quot;أسلمةquot; المجتمع الأميركيّ.
ويمكن للمتابع لتعليقات طائفة واسعة من قراء quot;إيلافquot; على المواضيع التي نشرتها جريدتهم وغطّت من خلالها أولا بأوّل موضوع تهديدات القسّ الأميركيّ، أن يكتشف quot;اعتدالاquot; وتروّيا في إصدار الأحكام على الأميركيين خصوصا والغرب عموما على خلفيّة الأزمة التي افتعلتها كنيسة quot;دوف وورلد اوتريتش سنترquot; المعمدانية في غينسفيل من ولاية فلوريدا.
ويبدو أنّ للمتمسّكين بتسامح المجتمع الأميركيّ أسبابا عديدة جعلت أصواتهم تتخذ ذلك المنحى خلال استفتاء quot;إيلافquot;. ويمكن القول إنّ عدّة عوامل تضافرت لتنتج هذا الموقف، لعلّ أبرزها الخطاب quot;المُطمئنquot; للرئيس الأميركيّ باراك أوباما بمناسبة ذكرى هجمات 9/11 والذي أكد فيه أن الولايات المتحدة quot;ليست في حرب مع الإسلام لكنها في حرب مع الجماعات الإرهابية التي هاجمت البلاد وما زالت تتآمر لإيذائهاquot;، داعياً الأميركيين إلى quot;عدم الدخول في مواجهات والتحلي بالتسامح الدينيquot;.
هيلاري كلينتون: لقد زادتني عزما الإدانة الصريحة والتي لا لبس فيها ضد هذا العمل المشين والمخزي والتي صدرت عن المسؤولين الروحيين الأميركيين من جميع الديانات، من المسيحيين الإنجيليين إلى الحاخامات اليهود، كما عن المسؤولين الأميركيين العلمانيين وقادة الرأي. |
في الواقع، لم يقتصر الأمر على تصريحات أوباما التي استقبلها المسلمون حول العالم بارتياح كبير، فمعظم رموز إدارة أوباما أبدوا منذ انطلاق الشرارة الأولى للأزمة quot;رويّةquot; في التعاطي مع الموضوع انعكست على تصريحاتهم التي لم تشأ اللعب على وتر الصراع الديني الذي يدفع إليه المتطرفون من الجانبين.
وتتناغم تصريحات المسؤولين الأميركيين الكبار مع تصريحات عدد من الشخصيات السياسيّة والدينيّة المعروفة في الولايات المتحدّة والعالم، والتي أجمعت بمعظمها على إدانة دعوات القسّ جونز واعتبارها سلوكًا شاذًا عن قيم المجتمع الأميركي المعروف بالاعتدال والتسامح وتقبل الآخر.
يمكن كذلك الربط بين نتائج استفتاء quot;إيلافquot; الأسبوعيّ ومساندة بعض الجماعات الأميركيّة للجالية المسلمة في الولايات المتحدة خاصة وللمسلمين عموما، أمام دعوات القسّ المتطرفة. وإن كان السلوك في ظاهره رمزيا، إلا أنّه يؤكد في عمقه الرأي القائل بأن المجتمع الأميركيّ متسامح.كما رُصدت بالمقابل عشرات التجمعات الحاشدة والمسيرات السلميّة الغاضبة ضدّ دعوات القسّ، ناهيك عن العمل الالكترونيّ الكبير الذي قام به دعاة التسامح على شبكة الانترنت كمحاولة منهم لتخفيف حدة التوتّر بين المسلمين والمسيحيين على خلفية تهديدات جونز بإحراق نسخ من المصحف.
كلا ... إنهم متعصّبون !
من جهة أخرى، يمكن إيجاد تبريرات للموقف القائل بتعصّب الشعب الأميركيّ أي موقف الأقلية التي شاركت في استفتاء quot;إيلافquot; الأسبوعيّ.
وربما كان تناول الإعلام الأميركي والعالمي الحدث بنوع من الاهتمام والتضخيم أول تلك المبرّرات التي تجعل من القراء يؤكدون تعصب الأميركيين، فالتغطية الإعلامية بدت لكثيرين مساهمة صريحة في تأجيج الموقف والتحريض ضدّ الإسلام والمسلمين.
وبحسب تعليقات البعض من قراء quot;إيلافquot; على المواضيع ذات الصلة بموضوع القسّ المتطرف، أبدى عدد لا بأس به منهم استياءه من طريقة تعاطي الإدارة الأميركية مع الأزمة، ورأى هؤلاء أنّ كلاّ من الدولة والإدارة الأميركيتين وقفتا وكأنهما عاجزتان عن منع القسّ من تنفيذ وعوده بدعوى quot;الديمقراطيةquot;، وإنهما تسلحتا فقط بـquot;التحذيرquot; من مغبة ما يمكن أن يقدم عليه، بحجة عدم التدخل في ممارسة الفرد الأميركي لحريته.
الناشطة الأميركية تشارلي دعت الرجال لارتداء الكوفيات والنساء الحجاب بهدف إبلاغ المبشر أنه ليس كل الأميركيين يتملّكهم البغض. |
وذهبت تعليقات أخرى ترى في المجتمع الأميركيّ مجتمعا متعصبا، إلى القول إنّ القسّ لم يتحدّث من فراغ، وإنما يقف وراءه عشرات الملايين من العنصريين والمتطرفين، من أنصار الحزب الجمهوري، وبعض أنصار الحزب الديمقراطي، وشرائح واسعة غير حزبية من دون إعلان، وكلّ ذلك يُعبر عن دوافعهم وآرائهم وعنصريتهم التي أطلقتها من عقالها حروب الرئيس الأسبق جورج ضدّ كل من أفغانستان والعراق.
كير: ما حصل كان تجاوزًا متعمدًا
من جهة أخرى، يعرب رازي هاشمي مدير مكتب كير في ولاية أوكلاهوما لـ quot;إيلافquot; عن أسفه تجاه ما عبر عنه القس، شارحا أن عمل كير الأساسي هو المحافظة على الحقوق المدنية وتعريف المواطنين المسلمين الأميركيين بحقوقهم المدنية في داخل المجتمع وفي حال رأت تجاوزات أيا كانت صغيرة أو كبيرة عليها تنبيه الجمهور العام عن هذه التجاوزات وما حدث كان تجاوزا متعمدا، مذكرا أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض لها المسلمون لحملة من هذا النوع.
وكانت كير قد نظمت حملة توزيع القرآن ردا بذلك على الحملة المناهضة للإسلام التي دعا لها القسّ.
كما يؤكد هاشمي أن حملة توزيع القرآن لم تكن الأولى التي نظمها المركز ولن تكون الأخيرة وذلك بالتعاون مع جميع المساجد الموجودة في مختلف الولايات الأميركية، عازيا أسباب حملة القس الأميركي إلى quot;الإسلاموفوبياquot; أو (الخوف من الإسلام) الناتجة من أحداث 11 أيلول 2001، والتي ساهم الإعلام العالمي في تعزيزها وتضخيمها. ويرى هاشمي أن موضوع إحراق القرآن استغل سياسيا بما يناسب عددًا من الجمهوريين الذين وظفوا الدعوة ضد الرئيس الأميركي quot;المتّهم بأنه مسلمquot;.
التطرف ولّد الإسلاموفوبيا
ويؤكد الإنشاصي بأن الإسلاموفوبيا أصبحت ظاهرة معروفة في أميركا، ومنشأ الظاهرة بعض الكنائس المتطرفة، بينما توجد كنائس أخرى تتسم بالاعتدال وتتمتع بعلاقات جيدة مع المسلمين. يضيف:quot; تلقينا الورود ودعوات معايدة من بعض الكنائس عليها إمضاءات الناس الذين عبروا عن أسفهم تجاه ما بدر من القس من تصريحات، داعيا الى عدم التركيز على الخبر السلبي الصغير والصادر عن كنيسة واحدة لا تعد أكثر من عشرين عضوا وبالتالي لا تلخّص رأي باقي الكنائس المعتدلة في الولايات المتحدة الأميركية التي تشجب هذا الفعل والكلام ولا تراه متزنا.
ويرى الإنشاصي أن حوار الأديان هو الطريق الأمثل والوحيد تقريبا لحل النزاعات وأي سوء تفاهم قد ينجم، وخصوصًا أنّ الحوار يعرّف المواطنين الأميركيين والغربيين بصورة الإسلام الحقيقية وليست بالصورة التي تروج لها بعض وسائل الإعلام الغربية بشكل متعمد على أنّه دموي عنيف ويحرض على الموت والقتل. وهو يدعو إلى التركيز على quot;العمل المثمر بين الجاليات المسلمة والمسيحية واليهوديةquot;.
التعليقات