الزعيم الليبي السابقمعمّر القذافي

يرى مراقبون أن الزعيم الليبي السابق معمّر القذافي كان له الكثير من النفوذ على الدول الأفريقية بسبب الدعم الذي كان يقدمه إلى تلك الدول، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل الاتحاد الأفريقي بعد رحيل القذافي.


برحيل الزعيم الليبي معمّر القذافي أو ملك ملوك أفريقيا - كما كان يطلق على نفسه - تبدو الساحة الأفريقية خالية إلى حد ما من المتحفزين والمشجعين على تحقيق طموحات الإتحاد الأفريقي على غرار ما وصل إليه نظيره الأوروبي من توحيد العملة quot;اليوروquot;، وتأشيرات دخول موحدة للدول الأعضاء quot; تشينجينquot; وغيرها من توحيد القوانين والتشريعات، وتحقيق التكامل الاقتصادي والإتحاد الجمركي وغيرها من صور التنمية المتكاملة.

تبنّى القذافي الإتحاد الأفريقي بعدما خابت آماله مع العرب، وتحديدًابعدما اندلعت أزمة لوكيربي بين الغرب وليبيا، وفرض الحصار على الأخيرة، رأى القذافي أن العرب والجامعة العربية تخلّوا عنه، ولم يدعموه في أزمته فإتجه صوب أفريقيا - التي تنتمي بلده جغرافيا إليها - فقدمت له أفريقيا الدعم المعنوي، وكسر الزعماء الأفارقة وأمراء القبائل الأفريقية الحصار الجوي، وكانوا يقومونبزيارات إلى طرابلس.

في المقابل كان القذافي يغدق عليهم بالأموال والعطايا والهدايا، فنصّب نفسه عليهم ملكًا لملوك أفريقيا. والآن بعدما غاب القذافي عن المشهد الأفريقي... ما هي ملامح الساحة الأفريقية، وما هو مستقبل الإتحاد الأفريقي ومشروعاته وطموحاته؟، وهل ستتحقق المشروعات المستقبلية المدرجة على أجندة الإتحاد؟، وهل ستختفي الصراعات في بعض مناطق أفريقيا، وتتوحد الصفوف فيها، بعد غياب المموّل والداعم الرئيس لهذه الاضطرابات في هذه المناطق؟، وإلى أين تسير أفريقيا مع مستقبل الأيام المقبلة. للتعرف إلى إجابات هذه التساؤلات استطلعت quot;إيلافquot;آراء بعض خبراء الشؤون الأفريقية في مصر، فماذا قالوا؟

تدخل القذافي في شؤون الأفارقة
يقول السفير أحمد حجاج الأمين العام المساعد السابق لمنظمة الوحدة الأفريقية والأمين الحالي للجمعية الأفريقية في القاهرة إن القذافي كان يسدد نصيب بعض الدول الأفريقية الصغيرة في ميزانية الإتحاد الأفريقي، وكانت له علاقات عديدة مع عدد من الدول الذين كانوا يزورون ليبيا بإنتظام، مما جعل له صوتًا مسموعًا في هذه الدول وتأثيرًا على قادتها وقراراتها، وبالتالي شعوبها، لذلك فإنه من المتوقعبعد رحيل القذافي وتوقف هذه المساعدات أن تكون لهذه الدول وجهات نظر أخرى غير التي كانت عليها من قبل داخل الإتحاد الأفريقي.

وأكد حجاج أن القذافي بالفعل كان انتماؤه إلى أفريقيا أعلى من انتمائه إلى وطنه العربي، ذلك عندما وجد أنه لم يحدث تأثيرًا في العالم العربي كما أحدثه في أفريقيا، لكنه كان على استعداد للعودة إلى العالم العربي إذا وجد من الدول العربية تأييدًا لسياساته، كما كشف حجاج أن القذافي كان يتدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول الأفريقية عن طريق تمويل بعض العناصر المعارضة والتنظيمات والميليشيات المناوئة لهذه الأنظمة الأفريقية بالأموال والأسلحة.

تأثيرات غير واضحة
حول تأثير غياب القذافي عن المشهد الأفريقي خلال المرحلة المقبلة، وخاصة تبنيه لطموحات الاتحاد الأفريقي ومشروعاته، أشار حجاج إلىأن هذه التأثيرات لم تتضح بعد، ولكنها يمكن أن تتضح وتتبلور الصورةفي القمة الأفريقية المقبلة، والمقرر عقدها في يناير المقبل في أديس أبابا.

الاتحاد الأفريقي سيتأثر
من جانبه يؤكد الدكتور محمود أبو العينين عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة أن الاتحاد الأفريقي بطبيعة الحال يتأثر برحيل القذافي، وذلك لأن التركيبة الخاصة بالدول الأفريقية المؤيدة للقذافي وسياساته والدول المعارضة للوحدة الأفريقية وتشكيل ولايات أفريقية، وهو المشروع الذي كان يتبناه، هذه التركيبة ستتغير بالنسبة إلى مسألة تمويل الاتحاد الأفريقي كمنظمة قارية، حيث هناك 5 دول أفريقية تسدد أعلى حصة في ميزانية الاتحاد الأفريقي.

حيث تسدد كل دول من الدول الخمسنسبة 15% من ميزانية الاتحاد سنويًا، وهذه الدول هيمصر وليبيا والجزائر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، أي إن هذه الدول الخمس تسدد نحو 75%من ميزانية الاتحاد الأفريقي، وتقوم بقية الدول الأعضاء في الإتحاد بسداد نسبة الـ25%المتبقية.

هزة للاستثمارات الليبية في أفريقيا
وتابع أبو العينين quot;وليبيا بعد رحيل القذافي ستظل تسدد حصتها في ميزانية الاتحاد الأفريقي، وهي ملتزمة بذلك، لكن إذا رأت الحكومة الليبية الانتقالية الجديدة أنه يتعذر سداد نصيبها في ميزانية الاتحاد السنوية أو عدم وجود سيولة حاليًا، فمعها عذرها، على أن تعوّض هذه المسألة في ما بعد، موضحًا أن المجال الذي سيتأثر بعد القذافي هو الاستثمارات الليبية في الدول الأفريقية، حيث هناك استثمارات تقدر بمليارات الدولارات، ومتوقعًا أن تتعرّض هذه الاستثمارات لهزة، سواء من حيث الملكية أو الإشراف، وسيحدث نوع من التنازع بشأنها في بعض الدول الأفريقية.

وزاد: أما النوع الآخر الذي سيتأثر هو الشخصيات والجماعات، التي كان يسعى القذافي إلى استقطابها بالأموال، في هذه الحالة سيتحولون، وستكون لهم اتجاهات أخرى، كما سيتأثر مشروع فكرة إقامة الولايات المتحدة الأفريقية، وإقامة حكومة أفريقية واحدة، ويضمها جيش واحد وعملة موحدة، وهذا المشروع كان القذافي يضغط في اتجاهه لتنفيذه، وهذا المشروع سيتوارى نسبيًا في الفترة المقبلة، وسيترك المجال للدول الأفريقية للتفكير بدرجة من الرشد والعقلانية في الخطوات العملية لتكوين وحدة اقتصادية أفريقية في المقام الأول، ثم يبني عليها قضايا أمنية ومسائل خاصة بملفات الثقافة والتقارب المشترك في المجالات الأخرى.

الساحل والصحراء مهتز
في ما يتعلق بمستقبل تجمع دول الساحل والصحراء والإتحاد المغاربي العربي بعد زوال نظام القذافي، شدد أبوالعينين على أن تجمع دول الساحل والصحراء، والذي يضم نحو 28 دولة أفريقية معرّض للاهتزاز، وسيحتاج معالجة، وخاصة مع الحكومة الليبية المقبلة، وكذلك من الدول الكبرى التي يضمها التجمع، ومن أبرزها مصر ونيجيريا والمغرب.

واصفًا الاتحاد المغاربي العربي بأنه يعيش الآن في دوامة بسبب ربيع الثورات العربي، وهي مرحلة أشد من فكرة الخلاف مع النزاع الصحراوي بين المغرب والجزائر، ومتوقعًا أن تعصف بهذا الاتحاد أنواء التغيير، لأن ليبيا وتونس أصبحت دولاًتعيش ثورة شعبية، وهناك دول أخرى يضمها الاتحاد مازالت كما هي، وأن الاتحاد كان ضعيفًا، وأن التغيير ربما في الفترة القليلة المقبلة يطال بعض دوله.

القذافي ودوره في قضية مياه النيل
يتفق أبوالعينين مع السفير حجاج في أن القذافي كان يتدخل في كثير من الشؤون الداخلية لعدد من الدول الأفريقية، وكان ينفق أموالاً طائلة في هذا الإطار، وهذا جعل دولاً كبرى في العالم تكون حذرة باتجاه القذافي ودائمًا تتعامل بحذر معه، كما تسبب في كثير من المشاكل لمصر والسودان بالنسبة إلى مياه النيل بسبب تدخله في هذه القضية مع دول حوض النيل.

مزيد من التنسيق
حول مستقبل أفريقيا والاتحاد الأفريقي بعد زوال نظام القذافي، رأى أبوالعينين أن الاتحاد الأفريقي يعبّر عن قارة، ولن تستطيع دولة واحدة أن تعصف به، وذلك لأن الاتحاد الأفريقي تحت مظلة قارية يضم نحو 54 دولة، فمن الصعب أن تؤثر عليه دولة واحدة، ولكن أعتقد أن الدول العربية الأعضاء في الاتحاد الأفريقي تحتاج مزيدًا من التنسيق في مواقفها، والترابط أكثر بين دول شمال وجنوب الصحراء وبين الدول العربية وغير العربية.

مطالبًا بضرورة تفعيل التعاون العربي ndash; الأفريقي من خلال كلّ من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي وبمعالجة بعض القضايا والتنسيق بين المنظمتين في بعض الشؤون المتداخلة والأزمات المشتركة مثل دارفور وجنوب السودان.