عراقيون وشهادات من جامعات غير معترف بها

يدبّ اليأس في نفوس عراقيين انخرطوا في الدراسة في جامعات تمنح شهادات عليا مقابل المال، من دون جهود علمية حقيقية، بعدما دفعوا مئات الدولارات للحصول على شهادة جامعية أو عليا من هذه الجامعات، التي تفتتح فروعًا لها في المدن العراقية، من دون ترخيص من السلطات.


اكتشف عراقيون انهم تعرضوا الى عملية خداع كبيرة، من قبل جامعات تمنح شهادات لا فائدة منها، أو لقب أكاديمي لا فائدة من حمله سوى الاسم. وطالب هؤلاء الجامعات باسترداد أموالهم أو اللجوء الى المحاكم، كما طالبوا مؤسسات التعليم العالي العراقية توضيح موقفها من هذه الجامعات التي أخذت تتكاثر بشكل مستمر.

وتستفيد بعض المشاريع التجارية خارج العراق من إمكانية تسجيل نفسها على انها quot;جامعةquot; لدى غرف التجارة في الدول الغربية، من دون ان يحمل الاسم المعنى الحقيقي للكلمة، كما ان مسمى quot;جامعةquot; يعني فيما يعنيه المراكز والدورات التعليمية الابتدائية مقابل أجور، بل حتى دورات تعليم الرسم ومراكز التدريب البدني، ويمكن وفقا لذلك، لشخص مقابل مبلغ لا يتعدى السبعين يورو أن يصبح رئيسًا لجامعة.

الشهادة بلا قيمة اكاديمية أو علمية

يقول رزاق هادي الحسني، الذي حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة مقرها في هولندا، انه حين اكتشف مع مرور الأيام ان اسلوب التدريس عن بعد، وطريقة اداء الامتحانات والدرجات الجيدة التي كان ينالها من دون تعب حقيقي، جعله يشكك في قيمة الشهادة التي ينالها، وهذا ما حدث بالفعل، فحين نال الشهادة، حاول ان يقدم نفسه بصفته الأكاديمية الجديدة وشهادته الجامعية، لكن المفاجأة التي وقعت كالصاعقة على رأسه هي أن هذا الشهادة لا تتجاوز في قيمتها ثمن الورق والحبر الذي كتبت به، وهو يأسف للمبالغ التي دفعها، والتي بلغت اكثر من ثلاث آلاف دينار.

أما أسيل القادري، التي عادت الى مدينتها الحلة بعد غربة عشر سنوات في مدينة برمنغهام في المملكة المتحدة، فقد تداولت الموضوع مع عدد من الطلاب الذين يدرسون في هذه الجامعات او ينوون الانخراط في صفوفها.

وتقول القادري: تجربتي في هذا الميدان ان هذه الجامعات ليس لها معنى الجامعة الحقيقي، فقد يتفق خمسة او ستة أساتذة على إشهار اسم جامعة هو في حقيقته مشروع تجاري، ومن ثم تأسيس موقع الكتروني للجامعة، مستفيدين من التسهيلات القانونية والإدارية في بلاد الغرب، على اعتبار انها quot;شركات مسجلة في غرفة التجارة وتسمى جامعةquot;، وهي غير معترف بها في بلدانها.

وتضيف أسيل: عملت في احدى هذه الجامعات كأستاذة، لكني في الواقع لا أقوم بأي عملية تدريس سوى محاولة صيد الزبائن، ومن ثم ارسال مناهج مطبوعة على الآلة الكاتبة (ليس ثمة مناهج رسمية) الى الطلاب، وبعد اشهر ومن دون ان نعرف حقيقة مستوى الطالب ودوافعه نجري له امتحانا شكليا ليمنح بعدها شهادة.

وتضيف:معظم طلاب هذه الجامعات ممن فاتتهم فرصة اكمال الدراسة مبكرًا. ولا تجري هذه الجامعات أي اختبار لقياس مستوى الطالب، واذا اجري الاختبار فهو شكلي، ويؤدي دائما الى نجاح الطالب، لان هذه الجامعات التي تدار من البيوت لا همّ لها سوى صيد الزبون بغية الربح السريع. ويصف رزاق هادي الطالب في احدى هذه الجامعات بأنها عملية احتيال وسرقة. ويضيف على مدى أربع سنوات سددت حوالي أربعة آلاف دولار مقابل ورقة ليس لها أي قيمة.

أكاديميون عاطلون عن العمل

واستغل أكاديميون عراقيون عاطلون عن العمل في بلدان المهجر عطش العراقيين للتعليم وتوقعهم لنيل شهادات جامعية، فشرعوا بعد العام 2003 في نشر اعلانات تروج لبضاعتهم. وأسفرت عن أرباح لهم بآلاف الدولارات.

ويؤكد أكاديميون عراقيون على علم ووعي بهذه المؤسسات التجارية، وليس التعليمية، ان بعض الجامعات مقرها السكن، وكادرها التعليمي لا يتعدى الاثنين او الثلاثة.

ما يثير الدهشة ان هذا الجامعات لا تمنح شهادات في الطب مثلا، ومهن أخرى حساسة، بل انمعظمها يمنح شهادات في الإنسانيات والآداب واللغات، وهي دراسات تعتمد النص المكتوب والمرسل، الذي غالبًا ما يجمعه الطالب من الانترنت، ليقدمه على انه بحث حقيقي، لينال بعده شهادة جامعية.

ويقول سالم عبيد ان صديقًا له نال شهادة جامعية في الماجستير، رغم عدم اجادته اللغة العربية،وعدم درايته بعلومالكومبيوتر، إضافة إلى انه يلمس معاناة الدراسة الحقيقية، وكل ما فعله تقديم نصوص يرسلها بالبريد لينال الشهادة بعد ثلاث سنوات على حد زعمه. الجدير بالذكر ان دولاً أوروبية طالبت بإجراءات ضد جامعات غير معترف بها تمنح شهادات وصفتها بالوهمية.

شهود عيان

ويقول سعد الجبوري ان أخاه في السويد اخبره انه نال شهادة الماجستير، وكان يتوقع انه نالها من جامعة أوروبية معروفة، لكن حين اخبره انها من جامعة عراقية غير معترف بها لامه على ذلك، لان هذه الجامعات لا تنال ثقة واحترام الوسط الأكاديمي والجامعي العراقي. ويضيف الجبوري quot;سبق السيف العذل، لقد دفع أخي مبلغ الفي دولار، لكنه توقف الآن بعدما اكتشف انه تعرض لعملية خداع كبيرةquot;.

جامعات في المساكن

تتكاثر هذه المؤسسات التي تسمى في غرف التجارة quot;جامعةquot; من دون ان تفي بالمعنى الحقيقي لكلمة quot;الجامعةquot;، وبلغ سهولة الأمر ان عراقيين افتتحوا لهم جامعات في المساكن.

وكانت صحيفة الصباح العراقية، نشرت عام 2009، تقريرًا للمفتش العام في وزارة التعليم العالي العراقية، كشف أن مجموعة من الأساتذة العراقيين المقيمين في ألمانيا وهولندا، قد حصلوا على درجات علمية، بدون بذل أي مجهود علمي، من الجامعة المفتوحة في هولندا، والتي منحتهم إياها بمقابل مادي.

وفي دول العالم المختلفة، فان التعليم الجامعي عن بعد له برامجه وكيانه المادي والمعنوي، ويكتسب شرعية وجوده من مستوى ادائه المتطور وتوفره على نخب اكاديمية تدرس في ارقى جامعات العالم، وليس هدفه ربحيًا فحسب، كما ان خدماته واسعة وعريضة، ولا يمنح الشهادة بسهولة ويسر كما تفعلغالبية الجامعات غير المعترف بها.

الجدير بالذكر ان الجامعات الأهلية في العراق قطعت شوطًا جيدًا باتجاه بلورة شخصيتها الأكاديمية، ونجحت في رفد الشارع العراقي بالطاقات الأكاديمية الكفوءة، لكن المشكلة اليوم هو هذا التناسل والانشطار في الجامعات غير المعترف بها في دول الغرب.

ويقول سليم حسين الذي عاد من السويد، ويدرس الآن في جامعة بابل، ما يحصل بالضبط هو الآتي quot;مجموعة أكاديميين عاطلين عن العمل في معظمهم، لا يتجاوز عددهم الأربعة او الخمسة يسجلون مشروعهم في غرفة التجارة على انه جامعة مستغلين المعنى الفضفاض لهذه الكلمة في السويد وهولندا والمملكة المتحدة، وإذا توسعت اعمالهم بعض الشي يمكنهم تأجير قاعة كمكان للجامعة، وهي تحمل الاسم فقطquot;.

ويضيف... البعض وجد ان هذا المشروع مربح جدًا، فاذا حصل على خمسين زبونًا، وكل طالب يدفع في السنة حوالي الف دولار، فان الحصيلة خمسون الف دولار، من دون ان يتحمل تكاليف أخرى سوى طبع مناهج دراسية بطريقة تقليدية ومتخلفة.

ويضيف quot;لهذا السبب انشق البعض عن جماعته، وأسس جامعة في مسكنه، وهكذا تتناسل الجامعات هناك من دون ان يعرف العراقيون حقيقة ذلك، هل هي نتيجة خلافات بين أعضاء الإدارة، أو لأن المعنيين وجدوا انه من الأفضل أن يعملوا تحت أكثر من عنوانquot;.

ويرى الأكاديمي حسن الفياض ان لا إشكالية في نظام الجامعات المفتوحة شرط اتباعها معايير علمية وان تكون شهادتها معترف بها. وأضاف: بعض الجامعات تطرح نفسها على انها مسجلة في جامعة الدول العربية، لكن هذا أمر آخر يختلف عن الاعتراف، ويبدو كما لو انه عملية خداع.

وبحسب الفياض فان تطوير الجامعات الأهلية في العراق الطريق الأفضل لقطع الطريق على الجامعات الوهمية في أوروبا، والتي تحاول استقطاب الاف الدولارات. ويضيف quot;الجامعات الاهلية ستعزز (اقتصاد التعليم) في هذا الصددquot;.

وفي تصريح لمدير قسم التقويم العلمي في وزارة التعليم العالي لوسائل الاعلام أسامة الفياض ان الوزارة لا تعترف الا بالشهادة عن طريق الدراسة المستمرة والكاملة، وليس عن طريق المراسلة والانتساب، ويجب ان تكون الشهادة من ضمن الجامعات الرصينة والمعترف بها في تلك الدولة ومعترفاً بها في منظمة اليونسكو. ويمنع قانون عراقي صدر في العام 1976 قيام جامعات أجنبية في العراق وقبول طلاب عراقيين فيها.

فساد

يستغرب الفياض كيف امكن لهذه الجامعات غير المعترف بها في البلدان التي توجد فيها مثل هولندا وبلجيكا ولندن من استخدام بعض الجامعات العراقية كمراكز للامتحانات. وأضاف هذه العملية يشوبها فساد، وعلى الجهات المعنية التحقيق في الموضوع.

ويتابع quot;معلوماتي انها رتبت بموجب علاقات شخصية، ومصالح خاصة مقابل مبالغ معينة تدفعها الجامعات في الخارج الى أشخاص في الجامعات العراقية، يتولون تنظيم الامتحانات بصورة شكلية. وأضاف.. حضرت إحدى هذه الامتحانات في مدينة بابل، ولدى تحفظ حول جدية الاختبارquot;.

ويقول الباحث الاجتماعي كريم حسين ان أكاديميين عراقيين استغلوا (عطش العراقيين) الى التعليم العالي فأسسوا في العام 2003 مشاريع تجارية في حقيقتها تحت مسمى الجامعات. يضيف كريم quot;لست - ومعي نخب أكاديمية عراقية - ضد التعليم عن بعد او التعليم الرقمي، لان هناك حاجة ملحة لتعزيز التعليم التقليدي بتقنيات التعليم الحديثة، لكن يجب ان لا تمرر مقاصد الجامعات الوهمية تحت هذه اليافطة، فمعظم الطلاب الذين درسوا في هذه الجامعات يدركون اليوم ان في الامر خدعة، وان هناك عدم جدية في الموضوع برمتهquot;.