في الوقت الذي يشعر فيه المتظاهرون العرب المحبطون بالميل إلى استخدام العنف، خصوصًا بعد التجربة الليبية الدامية، فإن محللين يذكّرون الثوار في سوريا ودول أخرى بأنّ التكتيكات والأساليب السلمية تحظى بسجل حافل بالنجاح في نهاية المطاف.


باتت هناك حاجة للتأكيد على الطابع السلمي للربيع العربي بعد الثورة الليبية الدامية

القاهرة: على عكس التكتيكات والأساليب المسلحة التي لجأ إليها الثوار في ليبيا ضمن مساعيهم الرامية إلى الإطاحة بالعقيد معمّر القذافي، والتخلص من استبداد حكمه المستمر منذ أكثر من أربعة عقود، باتت هناك حاجة للتأكيد على الطابع السلمي للربيع العربي.

فبدايةً من كفاح الزعيم الهندي غاندي ومروراً بمارتن لوثر كينغ وحتى ثورة مصر السلمية التي أطاحت في مطلع العام بالرئيس مبارك، أثبتت المقاومة المدنية نجاحها في مواجهة الطغيان، وفقاً لما أكدته اليوم صحيفة quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; الأميركية.

لم تحبذ الصحيفة في هذا السياق لجوء الثوار في سوريا إلى حمل السلاح للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، بعد نجاح كفاح الثوار الليبيين المسلح في التخلص من نظام العقيد معمّر القذافي.

وأضافت الصحيفة أنه في الوقت الذي يشعر فيه المتظاهرون العرب المحبطون بالميل إلى استخدام العنف، فإن هناك حدثين لا بد وأن يذكّروهم بأن التكتيكات والأساليب السلمية تحظى بسجل حافل بالنجاح في نهاية المطاف.

أولهما ذلك الخاص بافتتاح نصب تذكاري في واشنطن خلال نهاية الأسبوع الماضي لمارتن لوثر كينغ، في وقت يُصَوِّر فيه هذا التمثال المصنوع من الغرانيت زعيم الحقوق المدنية لالتزامه الصارم والأساسي بالمقاومة السلمية للعنصرية وأشكال الظلم الأخرى.

الحدث الثاني هو المتعلق بتلك الحركة السلمية الناجحة التي بدأت أخيراً في الهند، والتي دفعت الحكومة يوم السبت الماضي إلى اتخاذ خطوات جادة ضد الفساد.

فقد أُجبِر البرلمان الهندي على التحرك، واتخاذ إجراءات مناسبة، بعدما خرجت حشود من المواطنين إلى الشارع دعماً للناشط المخضرم، آنا هازاري، الذي أضرب عن الطعام لمدة 13 يوماً.

وأعادت التكتيكات التي استعان بها هازاري في نضاله ضد الفساد إلى الأذهان تلك التكتيكات التي كان يستعين بها مناضل الاستقلال البارز، موهانداس غاندي، الذي يعتبر رمزاً للتظاهر السلمي خلال القرن العشرين.

ثم مضت الصحيفة تشدد على أهمية تلك الأحداث، لأن الإطاحة العنيفة بالقذافي من الحكم يجب أن لا تطغى على النموذج الذي حددته الثورات السلمية إلى حد كبير التي شهدتها تونس ومصر في مطلع العام.

ولفتت الصحيفة هنا إلى أن بعض الناشطين السوريين بدأوا يتحدثون عن إمكانية الاستعانة بالسلاح في مواجهتهم مع نظام بشار الأسد، الذي قتل حتى الآن أكثر من 2000 متظاهر، وألقى بعشرات الآلاف خلف القضبان.

وأشارت الصحيفة أيضاً إلى أن هناك مخاوف الآن من احتمالية أن تصبح سوريا مثلها مثل إيران، حيث يتعرض المنشقون المؤيدون للديمقراطية إلى حالة من القمع منذ التظاهرة السلمية التي شهدتها البلاد عام 2009 عقب انتخابات الرئاسة هناك آنذاك.

مع هذا، رأت الصحيفة أن استبسال السوريين من أجل نيل حريتهم سيضيع هباءً، إذا لجأ المتظاهرون عديمو الصبر إلى حمل السلاح. وبررت ذلك بأن البنادق لن تكون مجدية من الناحية العملية أمام أسلحة الجيش الثقيلة، حتى وإن فرض الناتو منطقة حظر طيران، وأن المعارضة ستفقد الدعم السياسي والمعنوي في الخارج والداخل.

وتابعت ساينس مونيتور بقولها إن السوريين ملتفون الآن حول فكرة الحرية، وهي الفكرة التي تزيد في فعاليتها وقوتها عن الأسلحة. على عكس الوضع في ليبيا، حيث لم تكن ترتكز الشرارة الأولى للنضال ضد القذافي بصورة تامة على تأسيس ديمقراطية، فضلاً عن أنه سرعان ما تحول إلى معركة بين قبائل الشرق وقبائل الغرب. وحين بدا أن هناك مذبحة كبرى تلوح في الأفق، سمحت الأمم المتحدة لقوات الناتو بالتدخل هناك.

بعد فترة من الوقت، عثرت المعارضة الليبية أخيراً على الوحدة التي ترتكز على أساس ديمقراطي. وأوضحت الصحيفة أن التاريخ يُبَيِّن أن الأساليب السلمية، إن نجحت، تخلق الظروف الأكثر دواماً بالنسبة إلى الديمقراطية التي يمكن أن تتحقق في وقت لاحق.

وأظهرت دراسة أجرتها الباحثتان إريكا شينوويث وماريا ستيفان على حركات التمرد في الفترة ما بين عامي 1900 و2006 أن حملات المقاومة السلمية كانت أكثر نجاحاً وفعاليةً بمقدار الضعف عن نظيراتها العنيفة.

وختمت الصحيفة بقولها إن المقاومة المدنية تتطلب تنظيماً منضبطاً وحشوداً من الجماهير الشجاعة وتحولاً ذكيًا في التكتيكات، مثل الاعتصامات أو المقاطعات أو الإضرابات، على حسب الظروف.

وقد أضيف أخيراً إلى تلك التكتيكات الاستخدام الذكي لوسائل الإعلام الاجتماعي وصور الهواتف الخلوية. واتضح أن اللاعنف لا يزال أفضل وسيلة لتمزيق شرعية الأنظمة الحاكمة المستبدة في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط وكذلك للظفر بالديمقراطية.