إنه غياب النضج السياسي الذي يدفع اللبنانيين، سياسيين ومواطنين، الى اعتماد إقصاء quot;الفريق الآخرquot; سياسيًا واجتماعيًا، ولعل كتاب التاريخ من اولى ضحايا فلسفة الاقصاء والدونية في الثقافة السياسية اللبنانية.
بيروت: نحن... والفريق الآخر، عبارة تلخص عملية الإقصاء المتعمدة بين الأفرقاء السياسيين في لبنان، فكل ما نقوله كفريق يرفضه quot;الفريق الآخرquot;، ولعل ثقافة الاقصاء متجذرة فينا كلبنانيين بأقصى الدرجات، فنحن نرفض كل ما يختلف عنا اجتماعيًا فكيف لو كان الامر يتعلق بالسياسة، عندها نحارب quot;الفريق الآخرquot; بكل أسلحتنا المشروعة وغير المشروعة.
ولو نظرنا الى عبارة quot;الفريق الآخرquot; لرأينا انها مستمدة من ألعاب رياضية، تتحدث عن أهمية هذا الفريق الآخر ومدى تكاملنا معه ضمن روح رياضية تجمعنا، لكن شتان بين الروح الرياضية للفريق الآخر والروح العدائية للفريق الآخر الثاني في الحياة السياسية.
وكم نبدو في لبنان عند اعتماد عبارة quot;الفريق الآخرquot; بعيدين كل البعد عن الاغنية الفرنسية الشهيرة tu es mon autre، حيث يشكل الفريق الآخر مرآة لنا وليس اقصاء ودونية.
عبارات كثيرة تحفل بها اللغة السياسية اللبنانية تبرز عملية اقصاء quot;الفريق الآخر، لعل اشهرها ما اطلق على عملية quot;حرب الالغاءquot; بين القوات اللبنانية والجنرال ميشال عون العام 1990.
يرى الكاتب والمحلل السياسي عادل مالك في حديثه لquot;إيلافquot; ان المشكلة اللبنانية هي في جذورها العميقة، فاللبنانيون بشكل عام عرفوا الحريات بمعنى عدم قيود او احترام اي شيء يمكن ان يقيد الحريات، وبالواقع السياسي ليس للبنانيين النضج السياسي الكامل، الذي يقضي اولاً بالاعتراف بالطرف الآخر، وهذا لا يعني فريقًا معينًا في حد ذاته بل ينطبق على كل اللبنانيين، وهو امر مؤسف جدًا، لان الحياة اللبنانية السياسية يجب ان تبنى على مبدأ الاستماع الى الرأي الآخر والنقاش معه، ولكن ما هو قائم حاليًا امر مؤسف، وهو إلغاء الآخر، وكل فريق يريد السلطة له وكذلك الوطنية ويحرم على الاطراف الآخرين ان يكون لهم رأي معاكس، وهذا ليس بوطنية على الاطلاق، بل نوع من جنوح نحو الانطواء على الذات وعدم الوثوق بالطرف الآخر سواء على الصعيد الوطني او الداخي، وهو منذ سنوات طويلة ويمر بأدق مراحل، الى ان بلغ المرحلة الحالية حيث يمكن القول اليوم، ان هناك ورمًا وطنيًا بلغ مرحلة متقدمة ومؤسفة جدًا، طالما ان هذه الثقافة يعززها التأجيج والانقسامات الطائفية والمذهبية.
متى نتعلم في لبنان ان يكون quot;الفريق الآخرquot; مكملاً لنا وليس لاغيًا لوجودنا ونحاول إقصاءه؟ يجيب مالك:quot; لو حاولنا العثور على جواب على هذا السؤال لاستطعنا بالفعل ان نسقط سياسة التباعد بين الاطراف المختلفة، ومحاولة تقريب وجهات النظر، وبأسف شديد تبقى الكيدية السياسية هي التي تعبث بحياتنا الوطنية، بين مختلف الاطراف والاطياف المذهبية، ليس هناك من نضج في ثقافة الاحزاب، ليس كل حزب يؤمن بقناعات معينة، انما مجموعة احزاب لكنها لا تمارس فعليًا الحياة السياسية كما يجب، لا تزال انقسامات الآراء تدخل ضمن الحزبية الضيقة او ما نسميه سياسة الزواريب اللبنانية، وطالما هذا الامر مستمر ليس هناك من تطوير لتقبل الآخر والاستماع اليه وعدم تجريد الافرقاء بعضهم لبعض من وطنيتهم واحتكار هذا النوع من الوطنية، والوضع في لبنان سائر من تأزيم الى آخر.
مرحلة غياب التاريخ
لغة quot;الفريق الآخرquot; أيضًا هي التي منعت اللبنانيين من الحصول على كتاب تاريخ موحد، ففي ظل التجاذبات السياسية بين قوى 14 و8 آذار/مارس حول كتاب التاريخ، يطرح السؤال اليوم هل نحن امام مرحلة ستجمع كل سواد المراحل السابقة مرحلة اسمها غياب كتاب التاريخ الموحد بوجود فريقين متناحرين حوله، قد تغير وجه التاريخ للبعض، وقد تكرس تاريخًا آخر للفريق الآخر، قد تقود الى حرب جديدة باردة قبل تدوين حقيقة الحرب الساخنة الماضية، حقيقة تبدأ في الخلاف على الامير فخر الدين ولا تتوقف عند الامير بشير ولا عند الاحداث في العام 1860، ولا عند حدود لبنان الكبير ولا عند حدود العام 1958، ولا عند حرب السنتين ولا سلسلة الحروب التي تلتها وصولاً الى اتفاق الطائف وعملية 13 تشرين الاول/اكتوبر، وعهد quot;الوصايةquot; السورية.
حرب كتابة التاريخ وإلغاء الآخر وفريقه درات ايضًا حول احداث العام 2005 وما بعدها من اغتيال الرئيس رفيق الحريري وثورة الارز وانسحاب الجيش السوري من لبنان، وحرب تموز /يوليو، واحداث 7 آيار/مايو 2008، وتفاهم الدوحة وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية لتستقر عند وجهة نظر تطالب بوقف سرد التاريخ عند حدود العام 2005.
فهل ستكون هناك حدود للخلاف، هل سيكون كتاب موحد للتاريخ؟ ام ان الرواية التاريخية للاحداث ستظل في إطار الروايات الشعبية، بحيث تبقى لكل جماعة روايتها، وكتابها الخاص للتاريخ ويكون لكل حدث روايات كثيرة في لبنان، ام ان القوي هو من يكتب التاريخ على حد قول نيتشيه، كثيرون تحدثوا عن قوتين في لبنان لذلك لا يمكن كتابة التاريخ بوجودهما قوة الفريق، وquot;الفريق الآخرquot;، لا يمكن الحديث عن مقاومتين واحدة مسيحية واخرى اسلامية من دون عملية إقصاء أو إلغاء، كيف يمكن ان يدون كتاب التاريخ ما قاله الجنرال ميشال عون في 14 آذار/مارس 1989، عندما اعلن حرب التحرير على سوريا، حرب الضعيف على القوي، اي تحرير سيكتب كتاب التاريخ، وذاكرة لبنان، تحرير من سوريا ام تحرير من اسرائيل؟
هذا الاقصاء الذي يكتب فصولاً على خلافات كتاب التاريخ، يدخل ضمن صراع سلطة اللغة، انها ثقافة الالغاء وثقافة الدونية، ثقافة quot; انتم ونحنquot; ثقافة الفريق وquot;الفريق الآخرquot;، انها تبرز الهوية المتصدعة للمجتمع اللبناني القائمة على اقصاء الآخر وإلغائه.
التعليقات