بفقدان لبنان شخصية سياسية كنسيب لحود بعد صراعه مع المرض الخبيث، يصعب القول اليوم، بشهادة خصومه السياسيين والمقربين منه، إن المجتمع السياسي سينتج شخصيات بهذا العمق ودماثة الأخلاق، وخصوصًا الخطاب السياسي الرصين، الذي غدا عملة نادرة جدًا.


بيروت: نسيب لحود من السياسيين القلائل في لبنان الذين تفتخر عندما تتحدث عنهم بأنك لبناني، فدماثة أخلاقه مع الصحافيين، وحسّه الوطني، كلها أمور باتت عملة نادرة في زمن أصبح فيه الخطاب السياسي شعاره القدح والذم بامتياز، فلبنان اليوم بفقدانه شخصية كنسيب لحود، بعد صراعه مع المرض الخبيث، إنما يفقد رمزية للأخلاق ولشخصية نادرة قد لا تتكرر.

كيف يذكر رفاق الدرب وخصوم السياسة نسيب لحود؟

عندما يتذكر النائب تمام سلام نسيب لحود يقول عنه: quot;إنه كان رجلاً ملتزمًا وأديبًا ومناقبيًا، وكان يحرص على القيم الوطنية، وعلى علاقاته مع أصدقائه، ولا يتنازل عن مبادئه، ويلزم نفسه بقواعد عمل بها وتجاه الآخرين كذلكquot;.

ويرى سلام أن الوطن سيفتقد رجلاً من هذا القياس، ونأمل أن تتاح الفرصة أمام شخصيات من نوع نسيب لحود للمشاركة بفاعلية في بناء الوطن والحفاظ عليه، لأن نسيب لحود كان مؤهّلاً لأن يلعب دورًا كبيرًا في البلد، لكن الظروف لم تساعد، إذ كان مرشحًا لرئاسة الجمهورية، وكان من أجدر المرشحين، وخسر البلد شخصية مثل نسيب لحود في مركز مهم، على المستوى العام.

ويقول سلام إنه كانت تربطه بنسيب لحود معرفة شخصية وصداقة، وما يذكر عنه أنه كان دمث الأخلاق، وبعيد كل البعد عن الانتقاد والتجريح، ولا يقبل في المقابل أي تجنّ، وكان ينفعل في وجه الظلم، وكان حرًا بكل ما للكلمة من معنى. وكان يحب عائلته كثيرًا، ويحافظ عليها، وعلاقته قوية بزوجته وأولاده، وكذلك بأخيه، كانا كالتوأمين.

يضيف سلام أنه في السياسة قد لا يتم التوافق حول أحداث معينة أو مواقف، لكن الحر يبقى حرًا برأيه، ونسيب كان ملتزمًا برأيه، ولا يضحّي من أجل قناعات أو مواقف غير مقتنع فيها.

منافسة بديموقراطية

يقول النائب سليم سلهب لـquot;إيلافquot; إنه، بحكم كونه من بلدة النائب السابق نسيب لحود، هناك علاقات تاريخية تنافسية بين العائلتين، وكانت كل الفترة التي مررنا بها، تشهد منافسة، ولكنمن دونخصومة، إذ كان يتعامل ديموقراطيًا، من خلال الإقناع، وكان واضحًا بمواقفه، ويعبّر عنها، ومن القلائل الذين يحترمون القانون والدستور، وأعتقد أن quot;قماشةquot; المنافس، التي كان يتميز بها، أصبحت قليلة جدًا، إذا ما نظرنا اليوم إلى الفرقاء، فلم تعد الإمور ضمن نطاق المنافسة، بل الخصومة الحادة، وردود فعل تدل على أمور شخصية أكثر منها سياسية، وقلائل هم رجال السياسة اليوم الذين يعرفون قيمة القانون.

يقول سلهب إن المجتمع اللبناني في الوقت الحاضر لا يملك طينة الرجال مثل نسيب لحود، وإذا أردنا معالجة الموضوع يجب النظر إلى رجال السياسة اليوم، ومن خلال ثقافة معينة وتربية ما، علينا أن نتعب ونبذل جهدنا للحفاظ على الأخلاقية في التعامل، مهما كانت الوظيفة، سياسية أم مهنية أخرى، إن كانت في الإدارة أو لا، ويجب أن يكون هناك أداء في التعاطي، بإمكانه أن يبعدنا عن الجدل القائم في الوقت الحاضر.

ويضيف سلهب: quot;نسيب لحود بقي على مواقفه واحترم الدستور، والتزم بهذا الاحترام، مما يعني أنه كانت لهذا الدستور أهمية كبيرة لديه، مما جعله حتى اللحظة الأخيرة متمسكًا به، كان عنيدًا تجاه الدستور، وفي الوقت الحاضر، من خلال مقارنته بالموجود، لا نعرف اليوم أين هو الدستور.

ويؤكد سلهب أن نسيب لحود كان لديه موقف وقناعة، سمحت له أن يعطي ملاحظات للفريق المتحالف معه، وهذا عمل إيجابي، ويشير إلى ديموقراطية معينة، ويجبألا نتوافق على quot;العميانيquot; مهما كان الأمر. وصدقه تجاه حلفائه جعله يقول الحقيقة، حتى لو لم كان متوافقًا مع هؤلاء الحلفاء.

يرى فيه سلهب أنه كان سيكون رئيسًا لديه المؤهلات الشخصية كلها التي تخوله النجاح، ولكن يجب ألا ننسى للأسف أن المؤهلات الشخصية لا تكفي وحدها، فهناك الوضع الداخلي والإقليمي، الذي يسمح لنا أن ننجح أم لا، وأخيرًا يجب ألا ننسى أن رئيس الجمهورية في الوضع الحالي من خلال صلاحياته في دستور ما بعد الطائف، لا يستطيع أن ينتج كما في الماضي، ولكن مما لا شك فيه أنه من خلال أخلاقياته وقدراته الإنسانية كان سينتج كثيرًا.

...بعد مقابلة سابقة أجريتها مع النائب السابق نسيب لحودعندما كان مرشحًا لرئاسة الجمهورية، وقبل مغادرتي مكان المقابلة، تمنيت لو فعلاً يأتي رئيس إلى لبنان بمواصفات نسيب لحود، وقلتها له شخصيًا، ربما اليوم في المقلب الآخر حيث هو... كل الأمنيات يمكن أن تصبح حقيقة.