دعوات لمقاطعة الاستفتاء على الدستور في سوريا

مع اقتراب موعد الاستفتاء على مسودة الدستور الجديد في سوريا في السادس والعشرين من شباط (فبراير) الحالي، تتعالى أصوات المعارضة الداخلية بعد الخارجية ودعوتها للشعب السوري بمقاطعته، كل من وجهة نظره وزاوية رؤيته لأوجه النقص والقصور في مسودة الدستور.


دمشق: يعد تيار بناء الدولة السورية الذي يترأسه الكاتب لؤي حسين، واحداً من تيارات المعارضة السورية الداخلية التي تناولت بالدراسة مواد الدستور واتخذت موقفاً بمقاطعة الاستفتاء، لأسباب ومبررات سردتها الدكتور منى غانم، أمينة سر هذا التيار السياسي، وأحد أهم وجوهه المعروفة، فضلاً عن نشاطها النسوي المكافح لنيل المرأة السورية حقوقها ومكانتها اللائقة.

وبرأي الدكتورة منى غانم، فإنه لا يحق للسلطة السورية التفرد بصياغة دستور جديد للبلاد في خضم الصراع السياسي الذي نشهده منذ أكثر من عشرة أشهر. فأي دستور جديد يجب أن تشارك في صياغته جميع القوى السياسية والاجتماعية والمدنية الفاعلة في الحياة العامة السورية. وهذا الأمر غير متحقق إطلاقاً، فالسلطة تقمع معارضيها والمحتجين عليها بأشد أساليب القمع.

وتشير غانم إلى غياب نص ينظم العلاقة بين الدولة والمواطن، في حين يعتبر الدستور ميثاقا وطنيا يؤكد المصالحة بين جميع مكونات المجتمع، ويحول دون وقوع المظالم على أي منها من قبل غيرها أو من قبل السلطات. لهذا يجب أن تتشارك جميع القوى والأطراف ليكون الدستور عهداً وميثاقاً وعقداً اجتماعياً بينهم.

وأكدت غانم لـquot;إيلافquot; أنه quot;لا يجوز لنا الاستخفاف بصياغة الدستور واعتباره مجرد أمر تقني فحسب. فوضع الصراع الدائر في البلاد يعطي للدستور القادم أهمية بالغة في إنهائه وعدم النكوص من جديد في صراع شبيه، فالعملية أو الآلية التي يتم خلالها بناء الدستور يكون لها أثر كبير على مضمونه، أو تحديداً ما يمكن تسميته بروح الدستورquot;.

واعتبرت غانم أن طرح السلطة الآن إصلاحا دستوريا ما هو إلا محاولة للالتفاف حول محور الصراع الرئيس وحجب السبب المركزي في موقف المعارضين والمحتجين من السلطة، والذي يتمحور حول تجاوز السلطة السياسية والسلطات الأمنية للدستور والقانون والأعراف والمسؤولية. ومن ناحية ثانية (وهي أقل أهمية قياساً لما ورد أعلاه)، فإن الظروف الأمنية التي تسود البلاد لا تشكل بيئة أمنية مناسبة، فكثير من مناطق البلاد تسيطر عليها أجواء أمنية شديدة واحتلال كثيف من قبل الأجهزة الأمنية التي تزرع الرعب في نفوس السكان، فضلاً عن غياب منابر إعلامية حرة تمكّن الاختصاصيين والنخب السياسية والثقافية من عرض وجهات نظرها وآرائها بموضوع الدستور حتى تبيّن للمواطنين النقاط الرئيسة التي عليهم الانتباه إليها قبل الاستفتاء.

وتؤكد غانم quot;أننا quot;تيار بناء الدولة السوريةquot; لن نقبل بالدستور الجديد بغض النظر عن مدى توافق بنوده مع رؤيتنا. وبناء على ذلك، فإننا نقاطع الاستفتاء على الدستور، ولن نشجع السوريين على الاستفتاء عليه كحد أدنى.

ولدى سؤالها عن سبب الأهمية التي يحوزها موضوع الاستفتاء، اعتبرت غانم أنه ربما لطبيعة المرحلة السياسية التي تمر فيها البلاد، فإن النقاش على الدستور أخذ أبعاداً سياسية بحتة من حيث آلية وضعه ودور السلطة والمعارضة في هذه العملية السياسية. بيد أن الدستور الجديد يخالف في جوهره أساس عملية بناء الدساتير في العالم، إذ إن أي دستور إلى تحقيق الديمقراطية لا بد أن يكتب بروح شرعة حقوق الإنسان، ولا بد أن يركز على مفاهيم حقوق الإنسان ودولة القانون والمساواة بين جميع المواطنين.

وعن أوجه قصور الدستور الجديد، قالت غانم متحدثة لـquot;إيلافquot;: quot;لن أتحدث عن قصور الدستور المقترح في تناوله لحقوق الإنسان أو تحقيق دولة القانون ـ فما يعنيني اليوم هو غياب مفهوم المساواة بين الرجال والنساء في المسودة المقترحة، ولعل هذا القصور يأتي من غياب آلية حقيقية ديمقراطية لوضع الدستور، والذي تم من خلالها إقضاء مشاركة الحركة النسائية السورية في وضع الدستور، ومشاركة الناشطات في وضع الدستور ليس فقط من أجل عكس هواجس الحركة النسائية، بل في الأصل لتكريس مبدأ مشاركة جميع الاطياف السياسية ومنظمات المجتمع المدني في وضعهquot;.

ومن وجهة نظر غانم، فإن المساواة بين نساء الوطن ورجاله لا يكون فقط بكفالة التكافؤ في الفرص، بل في إقرار الدستور لمواطنة كاملة بين الإثنين، ولا يكون بوضع مادة ترضية لقضايا المرأة، بل تكون في سياق مساواة كامل لكل مادة من مواده، بل أكثر من ذلك، يكون بعكس الإتفاقيات الدولية التي انضمت إليها الدولة، والتي تضمن مواطنة النساء وحقوقها، وعلى رأس هذه الإتفاقيات اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة.

الناشطة النسوية السورية أكدت في ختام حديثها رفضها لجوانب القصور في الدستور وقالت: quot;لن تقبل السوريات من جديد بدستور لا يراهن على مواطنات كاملات الأهلية، ولن يرضين بدستور يدعو إلى قوانين أحوال شخصية ظالمة ومجحفة بحق المرأة. لقد عانت نساء سوريا الكثير من جراء هذه القوانين التمييزية وأكاد أجزم أن عموم السوريات لن يطقن تعديلاً دستورياً لا يضمن حقوقهن ويصون مكانتهن في أسرهن ومع أولادهن.

وختمت غانم كلامها بتوجيه دعوة صريحة إلى نساء بلدها بالقول: quot;أيتها السوريات قاطعن هذا الدستور التمييزي الذي يريد لكن مواطنة منقوصة، وأمومة مجتزأة، وزواج لا قول لكن فيه.. قاطعن هذا الدستور الذي يكرس قوانين أحوال شخصية طائفية لا تقوم على مبدأ الندية في علاقة الزواج، و تعاملكن فقط في إطار عقد نكاح... ولا تقبلن إلا ما يليق بكن كسورياتquot;.