عندما خرج المصوِّر في تلفزيون الجديد علي شعبان الى وادي خالد لتصوير ما يجري على الحدود اللبنانية السورية، كتب بدمائه فصلاً جديدًا من ارهاب منظّم مورس ولا يزال يُمارس على العاملين في صاحبة الجلالة، إنه ببساطة ارهاب جسدي وفكري للأنظمة على الإعلام.


بيروت: أضاف استشهاد المصور التلفزيوني في قناة quot;الجديدquot; علي شعبان، بنيران أتت من الجانب السوري في منطقة وادي خالد بعد ظهر امس، شمال لبنان، بندًا ساخنًا على جدول المتابعة اللبنانية، مع انتهاء المهلة المعطاة لوقف العنف بين النظام السوري والمعارضة المسلحة.

ولئن بدا أن ثمة اجماعًا على ادانة الحادث، في ضوء التبرير السوري لاطلاق النار، والذي سيق عن لسان مصدر اعلامي في وكالة الانباء السورية (سانا)، فإن الايام المقبلة ستشهد مزيدًا من التجاذب حول هذا البند، بعدما طالب الرئيس نجيب ميقاتي quot;بفتح تحقيق ومحاسبة الفاعلينquot;، وسط مطالبات باستدعاء السفير السوري في لبنان لابلاغه موقف الحكومة اللبنانية، والذي عبَّر عنه الرئيس ميقاتي، متفقًا مع الرئيس ميشال سليمان على هذا الموقف، والذي نسب اليه مكتبه الاعلامي بأنه اتصل بسفير لبنان في سوريا وكلفه quot;بمطالبة السلطات السورية بجلاء ملابسات الحادث ومتابعة التحقيقات كي تأخذ الاجراءات القضائية مجراها وفق القوانين المرعيةquot;.

الموقف الرسمي حول الحادث تبعته استنكارات من مختلف الجهات الاعلامية لبنانيًا وعربيًا، فقد استنكرت نقابة محرري الصحافة اللبنانية، حادث الاعتداء الذي تعرض له تلفزيون quot;الجديدquot; وأدى الى استشهاد الزميل المصور علي شعبان، ووصفته بالحادث quot;المفجعquot;.

وطلبت من جميع الفرقاء quot;احترام عمل الصحافيين والاعلاميين وعدم التعرض لهم تحت أي ذريعة وتحييدهم عن صراعاتهم، لأنهم يقومون بعمل مهني مقدس في خدمة الحقيقةquot;.

كذلك استنكر إتحاد المصورين العرب، إستشهاد الزميل الشهيد علي شعبان، ودعا السلطات اللبنانية إلى التحقيق في ملابسات ما تعرض له فريق تلفزيون quot;الجديدquot;، مهيبًا بجميع الأطراف quot;إحترام الصحافيين أثناء تأديتهم واجبهم الصحافيquot;.

كما استنكرت جمعية quot;إعلاميّون ضد العنفquot; مقتل quot;الزميل في تلفزيون quot;الجديدquot; المصوّر علي شعبان على أثر تعرّضه وفريق من المحطة إلى إطلاق نار متعمد من الجيش السوري عند خط البترول - وادي خالد عند الحدود اللبنانية ndash; السورية، وإذ أدانت الجمعية quot;الاعتداء الإجرامي على فريق quot;الجديدquot;، اعتبرت أن عملية الاغتيال الموصوفة لا تخرج عن سياق محاولات نظام البعث إسكات الإعلام الحر بغية التعمية على جرائمه المتواصلة بحق الشعبين اللبناني والسوري، فضلاً عن كونها بمثابة الاعتداء الصريح والصارخ على السيادة اللبنانية.

وحملت الجمعية quot;الحكومة اللبنانية مسؤولية quot;النأي بالنفسquot; عن جرائم النظام السوري بحق اللبنانيينquot;، داعية quot;المؤسسات الإعلامية إلى التداعي من أجل وقفة تضامنية مع القتيل ضد القاتل، ومع الحق ضد الباطل، ومع الحرية ضد الدكتاتورية، وإلى محاكمة القتلة وترسيم الحدود بين البلدين سريعًا منعًا لتكرار هذه المآسيquot;.

بدورها أبدت العلاقات الإعلامية في حزب الله، quot;حزنها العميق لفقدان أحد الزملاء الإعلاميين، المصور في قناة الجديد، الزميل علي شعبانquot;.

واستنكرت quot;هذا الاعتداء على الإعلاميين، الذين يدفعون ضريبة شجاعتهم في تغطية الأحداث، والتعرض للجسم الإعلامي والمهني الذي يحاول نقل صورة الحدثللناسquot;.

ويبقى السؤال هل يكفي أن نستنكر وأن نتأسف، يقول النائب السابق مصطفى علوش لـ إيلاف إنه بالاساس معظم الصحافيين هم رواد في مجتمعاتنا، ومهنة الصحافة في المناطق الخطرة والتي تحوي على اعمال عنف، هي مهنة خطيرة وفيها الكثير من التضحية، اذا نظرنا الى لائحة الصحافيين الذين استشهدوا خلال السنوات الماضية، نراها طويلة جدًا، وتكون عادة على أيدي الانظمة، التي تعتم على الحقيقة، لا شك أننا لا نستطيع أن نقول للصحافي الذي يغطي الاخبار، أن يقوم باحتياطاته لأنها غير موجودة.
ويرى علوش أنه لو ارادت أن تتحرك الحكومة اللبنانية لكانت تحركت للعشرات من اللبنانيين الذين قتلوا أو جرحوا على أيدي الشبيحة والنظام السوري، خلال العام الماضي، استشهاد صحافي لن يغيّر في موقف الحكومة بمنطق ما يسمى quot;النأي بالنفسquot;، من خلال الخضوع والخنوع لسلطة السفير السوري في لبنان، ويضيف علوش:quot; طبعًا أنها حادثة مباشرة وواضحة ما جرى بالأمس مع المصور علي شعبان، لكيفية تعامل المنطق السوري، أو معسكر الممانعة مع الاعلام، ولكن لنذكِّر بالتهديد القائم على رؤوس اللبنانيين على مدى أربعين عامًا، والارهاب الفكري من خلال الشبيحة الاعلاميين بشكل يومي على اللبنانيين، وعلى السياسيين، وهذا جزء لا يتجزأ من سياسة متكاملة من الارهاب.

ذاكرة عن الارهاب ضد الاعلاميين

ما حدث مع علي شعبان يعيدنا الى كل فترة كانت فيها تطالعنا شهادات شبيهة بشهادة علي، فالارهاب الفكري الذي مورس ولا يزال يمارس على الاعلاميين والصحافة كبير والامثلة لا تزال مخزنة في ذاكرة العديد من الصحافيين، ربما لا يزال الاعلاميون يتذكرون أنه مع بداية الهجوم الاميركي على افغانستان العام 2001، دمرت القوات الاميركية مكتب الجزيرة في كابول بصواريخ قيل إنها quot;طائشةquot;، ونجا بأعجوبة منها مراسل الفضائية القطرية في العاصمة الافغانية تيسير علوني، وفي حرب العراق 2003، وفي بغداد بالتحديد، quot;طاشتquot; الصواريخ الاميركية، مرة أخرى، ونجحت هذه المرة في قتل مراسل quot;الجزيرةquot; طارق ايوب، وفي تدمير مكتب القناة القطرية وكذلك قناة quot;ابو ظبيquot;.

هل يمكن اسكات الاعلام؟ هل يمكن لكل القوى أن تشن حربها على تعتيم كامل للحقيقة، إن العصا الغليظة القاتلة ضد الاعلام والاعلاميين هي أخطر ما يحصل بخاصة في زمن تغطية الحروب، فالمسألة لم تعد مجرد فرض تعتيم كامل على بعض الاخبار، ولا مجرد التعامل مع الاعلام بأساليب الاحتواء أو التخويف، فحسب، المسألة تجاوزت هذا الحد وصارت الادارات الكبرى quot;تمارس إرهاب الدولة على الاعلام، على حد تعبير الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في القاهرة وحيد عبد المجيد ( 13 ايلول /سبتمبر 2003).