انقسم القرّاء حول مصير حزب الله في لبنان بعد زوال النظام السوري، لكنّ غالبيتهم أبدت قناعة بأن هذا الأمر متى حصل سيحشر حزب الله في الزاوية ويجعله منبوذًا كما هي حال تنظيم القاعدة.


جريًا على عادتها أسبوعيًا، تضع quot;إيلافquot; برسم قرائها سؤالًا تستمزج فيه آراءهم في مصير حزب الله اللبناني بعد زوال نظام الأسد. فكل التساؤلات اليوم تتناول فرضيات عدة، إذ تحوم الشكوك حول إمكانية قدرة هذا الحزب على الاستمرار في إمساكه بخيوط اللعبة السياسية، والعسكرية أحيانًا، في لبنان إن هو فقد سنده الأول، أي النظام السوري الذي أمّن له على مدار سنوات غطاءً سياسيًا باسم الممانعة العربية، وممر إمداد عسكري للسلاح الإيراني المتدفّق عليه.

وجه قاعدة

من بين أربع إجابات أوردتها quot;إيلافquot; كخيارات على سؤال استفتائها، كان أن يصبح حزب الله جماعة منبوذة على غرار تنظيم القاعدة. وقد جمعت هذه الإجابة النسبة الأعلى من أصوات القرّاء، تجاوزت نسبة 60 بالمئة منهم.

إقرأ أيضًأ
ربيع دمشق: نار في عرين الأسد!

وفي قراءة لهذا الرأي، يرى عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري مواجهة حزب الله رفضًا شعبيًا عارمًا من قبل اللبنانيين وغير اللبنانيين، بعد تأييد كبير حصده أثناء حرب تموز (يوليو) 2006 الإسرائيليّة، تجاوز الحدود اللبنانية، ليتقلص هذا التأييد بعد غرق الحزب في وحول السياسة اللبنانية ودخوله طرفًا مباشرًا في وجه فئة من اللبنانيين في أحداث 7 أيار (مايو) من العام 2008. يقول: quot;لقد أخذ حزب الله لبنان رهينة لصالح المحور السوري الإيراني، وهذا ما يرفضه غالبية اللبنانيين، حتى بعض الشيعةquot;.

بالمقابل، يرى وزير الزراعة حسين الحاج حسن أن هذه النسبة لا تشير إلى رفض اللبنانيين لحزب الله بقدر ما تشير إلى أن قراء quot;إيلافquot; لا يحبون حزب الله. فهذا الحزب لاعب أساس بين اللاعبين على الساحة اللبنانية عمومًا والشيعة خصوصًا، وعامل استقرار في البلد quot;لامتلاك المقاومة اليوم القدرة على ردع المعتدي الاسرائيلي، ولكونه مكونًا رئيسًا من مكونات المجتمع اللبناني السياسي والاجتماعيquot;.

ويشاركه في هذا الرأي الكاتب والمحلل السياسي لقمان سليم، في أن هذه النسبة دليل على وجهة نظر قراء إيلاف الذين quot;لا نعرف انتماءاتهم السياسية أو الدينية أو فئاتهم العمريةquot;. وسليم يجد دون تحليل هذا الجواب مخاطر عدة، إذ يرى أن هؤلاء المصوّتين quot;يلقون على حزب الله صورتهم عن تنظيم القاعدة، على الرغم من أنّ هذا التنظيم لم يدخل برلمانًا عربيًا، ولا يمتلك مؤسسات سياسية واجتماعية، وحتى لو كان لحزب الله وجه القاعدة إلا أنّ هذا الوجه لا يستغرق وجوهه جميعًاquot;.

من جانبه، لا يتّخذ وائل أبو فاعور، وزير الشؤون الاجتماعية، صفة الدفاع عن الحزب بل quot;عن المنطق في السياسة أو ما يجب أن يكون منطقيًا في السياسة، فحتى لو كنت مناقضًا لحزب الله في سياسته، لا يمكن في أي حال من الأحوال تشبيهه بتنظيم القاعدة في سلوكه السياسي أو العسكري ليلقى المصير نفسه، ولا يمكن نبذه إذ دلّت التجارب على مدى سنوات الحرب أن النبذ والإلغاء مستحيلان في لبنان quot;.

السلاح يبقى... لا يبقى

في المرتبة الثانية، حلّ الرأي القائل بإقدام حزب الله على التخلي عن سلاحه، بنسبة تجاوزت 18 بالمئة قليلًا. يرى سليم أنّ هذه نسبة تدلّ على عقلانية ما في المصوّتين، quot;إذ تمنّوا من خلال اختيارهم هذه الإجابة أن يعقل حزب الله ويتخلى عن سلاحهquot;. بينما يلفت الحاج حسن إلى العقلانية في تدني هذه النسبة، لأن الناس quot;على قناعة بالحاجة إلى هذا السلاح المقاوم، وحزب الله يحرص على فصل مسألة السلاح عن المحاور الاقليمية، على الرغم من اعترافه بأهميتها، ويحصره في محاربة العدو الاسرائيلي ، ومن هنا مشاركته في طاولة الحوار بحثًا عن استراتيجية تحرير فاستراتيجية دفاعquot;.

في المقابل، يقول حوري إن الناس على قناعة تامة بأنّ حزب الله لن يتخلى عن سلاحه، وسيبقى على موقفه اليوم وغدًا حتى لو زال النظام السوري، ولذلك quot;يسعى إلى شرعنة سلاحه الثقيل قبل حدوث هذا الزوالquot;، ومن هنا تدني هذه النسبة.

لا تأثير

ثالثًا، يفصل 12 بالمئة من المشاركين في الاستفتاء بين حزب الله والنظام السوري، أن وضع حزب الله يبقى على ما هو عليه في لبنان، على الرغم من زوال الأسد ونظامه. يردّ سليم ذلك إلى تصويت إيديولوجي ممن يرى للحزب مكانة لا يمكن أن يهزّها انهيار النظام السوري، بينما يقول حوري إن هذا الأمر مستحيل: quot;سوف تصيب شظايا الانهيار السوري حزب الله في بعض مكانته ونقاط قوته، لاسيّما أنه استعدى الثورة والجيش الحر في الآونة الأخيرة، وسمح بتهجير كل السوريين من العديد من المناطق اللبنانية الخاضعة لسيطرتهquot;. لكنّ الحاج حسن يرى أنّ حزب الله مرتبط بتحالفات مع النظام في سوريا، ومع إيران، في إطار quot;جبهة عريضة لمقاومة إسرائيل وتحرير الأراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وكفرشوبا، وحزب الله باق لا يتراجع عن مواقفه المبدئية وقادر على التأقلم مع أي حال تفرضه المتغيّراتquot;.

أما أبو فاعور فيلتزم مبدأ اعتبار حزب الله فريقًا سياسيًا لبنانيًا، يملك مقدرات عسكرية، عليه وضعها في كنف الدولة وتصرّفها، ليبقى طرفًا ثابتًا في المعادلة السياسية التي لا يمكن استثناء أحد منها.

إلى مصدره الأول

ختامًا، يرى نحو 10 بالمئة من المشاركين في الاستفتاء أن حزب الله سيتحوّل إلى إيران حاضنته الوحيدة. وهذا تصويت إيديولوجي أيضًا، بحسب سليم، يكشف هوية قراء إيلاف أكثر مما يكشف مستور حزب الله. أما الحاج حسن فلا ينكر أبدًا ما لإيران من فضل سياسي وعسكري واجتماعي على حزب الله وجمهور المقاومة.

ويقول: quot;إنها في الأصل حاضنة حزب الله والمقاومة منذ انطلاقتها، لكن حزب الله حالة جماهيرية لبنانية متجذرة في المجتمع اللبناني، مشاركة في صناعة القرار السياسي على المستوى الوطني، وفاعلة على الأرض من خلال مؤسساتها الثقافية والاجتماعيةquot;. هذا صحيح، يقول حوري، لكنّه يحصرها في طائفة واحدة، أو في بعض هذه الطائفة، التي ترجع في قرارها السياسي والديني إلى إيران، quot;لذا أرى محقّا من يظنّ أن انهيار نظام سوريا الحالي سيعيد حزب الله إلى مصادره الأولىquot;.

أيًا يكن السيناريو الذي سيواجهه حزب الله في لبنان بعد انهيار الأسد، فالكل يدعو إلى التبصّر في القرار، والتنبّه إلى خطورة أن يشيع جو من الاستعداء والتشفي بين اللبنانيين، خصوصًا أن الشارع اللبناني quot;لا يتحمّل قشة قد تقصم ظهر بعيره فتقع فأس انهيار النظام السوري في رأس السلم الأهلي اللبنانيquot;، كما يقول أبو فاعور.