تلتئم غدًا جلسة الحوار في قصر بعبدا، على أمل أن تتجاوز أجواء الاحتقان في البلد، لكن كل المعطيات تدلّ على أن ذلك وهم ليس إلا، والتنافر حول سلاح حزب الله سيكبر، لأن قضية السلاح نفسه ستعصى على الحل.


ثمة لبنانيون كثر يظنون عن حسن نية أنّ وقوع جلسة الحوار القادمة في لبنان غدًا الخميس، أي بعد أيام قليلة على زيارة تاريخية للبابا بينيديكتوس السادس عشر، إنما هو تدبير ربّاني لينعم هذا الحوار بنعمة الرعاية الإلهية التي أسبغها بابا روما على لبنان وأهله. ويستبشر لبنانيون عن سذاجة في أن يكون الارشاد الرسولي الجامع للأديان والأطياف والمتناقضات الطبق الرئيس على المائدة متى التقى المتحاورون اللبنانيون المتناكفون، فتداعوا لوضع الحلول على الطاولة بدلًا من المشكلات.

حسن نية البعض وسذاجة البعض الآخر لا يبدلان في المعادلة شيئًا. يلتقي الأطراف، أو من حضر منهم بعذر، فيتفقون على التناكف ويختلفون على كل ما عداه. ومن بوادر انقشاع الغيمة الباباوية المظللة، عودة الأطراف كلهم على تراشق إعلامي افتقدوه ثلاثة أيام، هي هدنة الزيارة الباباوية، في مختلف الملفات اللبنانية الساخنة أبدًا. وما يظهر من المعطيات لا يبشر بدخان أبيض من قصر بعبدا، خصوصًا في ظلّ ظاهرتين طبيعيتين في 8 آذار، مستهجنتين في 14.

حرس لا.. مستشارين نعم!

أول الظاهرتين تأكيد القائد الأعلى للحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري وجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان بصفة مستشارين. فبالرغم من التفسيرات التي قدّمها السفير الإيراني غضنفر ركن أبادي لرئيس الجمهورية ميشال سليمان حول تصريحات الجعفري، وتأكيده على أن ما قاله قائد فيلق القدس في الحرس الثوري أتى جوابًا لسؤال حول سوريا، وأن لا عناصر أو قوات للحرس الثوري في لبنان، بقي الأمر رهن الاستفهام.

فأبادي كان واضحًا في تأكيده ما قاله الجعفري، وفاضحًا في الوقت نفسه. فالجعفري ذكر المستشارين ولم يذكر المسلحين، بينما نفى أبادي وجود المسلحين ولم يذكر المستشارين، نافيًا ما لم يقله الجعفري أصلًا. وفي ذلك ما سيثير ضوضاءً على هامش الحوار، خصوصًا أن البند الأول ويكاد يكون الأوحد هو السلاح غير الشرعي وارتباطه بالشرعية اللبنانية. والسلاح غير الشرعي إنما هو سلاح حزب الله، الذي أعلن أمين عامه يومًا فخره بأن يكون جنديًا في جيش ولاية الفقيه، تاليًا في حرس ولاية الفقيه الثوري.

هذا الربط سيفاقم الهوة بين حزب الله من جهة، وبين كتلتي المستقبل والقوات اللبنانية من جهة أخرى. كما سيحرج من يقف في الوسط ممسكًا العصا من وسطها، أو محاولًا ذلك، كرئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس جبهة النضال النائب وليد جنبلاط. لكنّ مصدرًا في 14 آذار صرّح لـ quot;إيلافquot; أن الجميع يوجّه الأنظار الآن إلى جنبلاط، ومن بعده إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، كي يلعبا دورهما المعتاد في سحب فتيل التفجير الحواري، وضبط الجلسة على إيقاع هادئ، بعيدًا عن التهويل بالسبابة ومنطق quot;هذا أو اشربوا البحرquot;. فالعلاقة بين القطبين الدرزي والشيعي، وهي تحتمل دائمًا قطبًا مخفية، منسوجة لتكون شباك النجاة، لحزب الله من ناحية بري ولفريق 14 آذار من ناحية جنبلاط، بالرغم من نفي جنبلاط وحلفائه السابقين عودته إلى صفوفهم.

عقدة أكبر

أما ثاني الظاهرتين، فكانت خروج السيد حسن نصرالله لاستنشاق الهواء بعد سنوات من الخطابات المتلفزة، وليشدّ من أزر أنصاره المحتشدين نصرة للرسول واحتجاجًا على فيلم بذيء أساء إليه وإلى رسالته. يحتمل هذا الخروج أكثر من رسالة، لكنّ أهمّها التأكيد على استمرار المعركة بين حزب الله وأميركا، وتحوّل حزب الله إلى عنصر أساس في الصراع الإيراني الأميركي، وبالتالي خروج سلاحه من منطق تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، إلى منطق الدفاع عن الأمة الإسلامية المستهدفة أولًا بخنق إيران وإجهاض نوويتها في مهدها، وثانيًا باستهداف الرسول والاساءة إليه. هذا ما لم ينكره حزب الله يومًا، وما لم يهرب من الاعتراف به.

لكنّ الموقف اليوم مختلف، حتى لو طرح النائب محمد رعد ورقة الاستراتيجية التحريرية في وجه البحث في الاستراتيجية الدفاعية. فقد اتخذت المعركة اليوم أبعادًا مختلفة، خصوصًا أن الرئيس السوري بشار الأسد، كما نقلت التقارير الصحفية عن ضابط كبير انشق عن النظام السوري، يفكر جديًا في نقل أسلحة كيميائية إلى حزب الله ليستخدمها في حربه مع إسرائيل. فإن صدق هذا أو كذب، سيتحول سلاح حزب الله، الموجود منه وما قد يأتي، إلى أكثر من عقدة لبنانية في منشار الحوار. عندها، لا نفع لتحاور على ما لن يقر.