تفكّر نسبة عالية من الشباب العراقي بالهجرة، خصوصًا إلى دول الاتحاد الأوروبي وإلى الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزلندا، وذلك عبر خطوط تهريب مختلفة، مدفوعين ببطالة مستشرية وأمن غائب وأمل مفقود.


تشكّل الهجرة الحلم الأاساسي والول لكل شاب عراقي ملّ البحث عن عمل من دون أي أمل، أو تعب من الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة على البلاد. وفي الوقت الذي تشير الاحصاءات إلى أن الهجرة انخفضت بصورة عملية الا أن التفكير فيها متواصل، بل ان بعض الخبراء والمعنيين بالقضية يرون أن شباب العراق لا يضيعون فرصة الهجرة إذا ما سنحت لهم.

وفي الوقت الحاضر، تتم الهجرة عبر تركيا أو روسيا، ومن ثم تهريبًا إلى الدول الاوروبية. إنه السبيل المتبع لدى الكثير من شباب العراق الحالم بالوصول إلى أوروبا بحسب سعد حسن (27 عامًا) الذي يستعد للسفر إلى تركيا، ومن ثم ينطلق عبر التهريب بالبحر أو بالجو إلى الهدف المقصود. ويؤكد حسن أن غالبية العراقيين، لا سيما الشباب الذين عادوا من سوريا، يفضلون عدم البقاء في العراق.

البطالة فالبطالة

أجريت الاستطلاعات التي بين عراقيين كانوا خارج العراق وعادوا إليه قسرًا من أوروبا أو أجبرتهم الظروف السيئة في سوريا والأردن على العودة، فأشارت إلى أنهم يفكرون بعدم البقاء في البلاد، ويسعون إلى اقتناص الفرص عبر الهجرة الشرعية أو غير الشرعية للوصول إلى أوروبا أو الولايات المتحدة أو إحدى الدول المضيفة للاجئين والمهاجرين.

يقول الباحث الاجتماعي أمير جابر، الذي عاد من سوريا بعد ثمان سنوات، إن أغلب هؤلاء - لا سيما الشباب - يغضون النظر عن الصعوبات التي تكتنف مغامرة الهجرة، والسبب هو البطالة المستشرية في العراق.
الشاب أمين علي االعائد من لبنان منذ حوالي السنة، يستعد للعودة إلى بيروت مجددًا. يقول: quot;أقمت في هذا البلد خمس سنوات، وعدت إلى العراق بعدما سمعت عن تحسن الاوضاع الامنية والمعيشية، وانتعاش حركة العمل، لكن الأمر لم يتحسّن إلا في الإعلام... لا أكثرquot;. يتابع: quot;أكد لي أهلي اكدوا أن أي عمل بسيط في العراق يوفّر دخلًا بحدود 500 دولار على اقل تقدير، لكن الأمر كان سرابًاquot;. ويشير علي إلى أن الكثير من العراقيين ينطلقون عبر التهريب من المواني اللبنانية باتجاه اليونان وقبرص ويالطا، ومن ثم إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وبالرغم من أن علي يعترف بانخفاض وتيرة الهجرة بين العراقيين قياسا لسنوات التسعينيات، إلا أن فكرة الهجرة ما زالت تراود غالبية الشباب العراقي.

حقيقة مرّة

يتخرج الطالب الجامعي باسم حسن من كلية الاقتصاد في بغداد في السنة القادمة، وهو عازم على الهجرة لإكمال دراسته في أوروبا. يقول: quot;صعب جدًا أن أجد عملًا في العراق، لهذا عزمت على الهجرة بالرغم من أنني لا امتلك المال اللازم لذلكquot;. فنحو خمسة من رفاقه ينتظرونه في اسطنبول، حيث رتبوا أمر رحلة مع مهرب سيبحر بهم نحو الأراضي اليونانية.

الباحث الاجتماعي عارف العاني أقام في السويد عشر سنوات تقريبًا، يشير إلى أن الكثير من الشباب العراقي يقصدونه للاستفسار عن ظروف الاقامة في أوروبا وإمكانية الدراسة هناك، ما يؤكد هاجس الهجرة الذي يتملّكهم. يضيف: quot;لا يصدقونني حين أخبرهم بصعوبة ذلك، فهم لا يريدون سماع كلام يقف في وجه طموحاتهم، لكن يجب أن يتقبلوا الحقيقة ولو كانت مرّةquot;.

وكان تقرير لوزارة التخطيط العراقية صادر في العام 2011 أشار إلى أن نحو 17 بالمئة من الشباب العراقي يتطلع إلى الهجرة لأسباب أمنية واجتماعية واقتصادية تأتي في مقدمها مشكلة البطالة.

وتشير حوادث غرق مراكب اللاجئين المنطلقة من تركيا صوب اليونان ودول أخرى، وتلك المتجهة من دول جنوب شرق اسيا صور نيوزلندا وأستراليا، إلى أنها تحمل على ظهرها الكثير من العراقيين المهاجرين. ففي بداية الشهر الحالي، غرق 60 مهاجرًا غير شرعي، بينهم عراقيون، قبالة السواحل الغربية لتركيا والشرقية لليونان، في واحد من أسوأ حوادث الغرق بالمنطقة خلال سنوات.

مشروع ما بعد التخرج

تؤكد الشابة نورا البياتي (34 سنة) أنها لو كانت رجلًا لهاجرت اليوم قبل الغد، في دلالة على يأسها من تحسن وضعها الاقتصادي عبر الحصول على فرصة عمل، بعد مضي أربع سنوات على تخرجها من معهد المعلمين.

ويدق الطالب الجامعي عادل حسن ناقوس الخطر قائلًا إن اغلب زملائه الجامعيين يتحدثون عن مشاريع الهجرة بعد التخرج، بسبب ادراكهم صعوبة الحصول على عمل، مركزًا على أن هذه الشريحة تمتاز بديناميكيتها وحماسها وطموحها وهي تعني ما تقول.

ويؤكد تيسير الهيتي الذي عاد من اليونان الشهر الماضي، أن نحو 200 شاب عراقي يتحينون الفرصة للهجرة بطرق غير شرعية إلى دول الاتحاد الاوروبي، راسمًا طريق الهجرة الحالي بأنه يبدأ في لبنان (سابقا في سوريا)، ثم تركيا سبيلًا لبلوغ اليونان، ومن ثم الوصول إلى الدول المجاورة لها عبر مهربين أتراك يهربون المهاجرين برًا و بحرًا مقابل مبالغ مالية.

ويكلف السفر إلى أوروبا بطريقة غير شرعية نحو عشرة آلاف دولار على الأقل، بحسب تخمين بعض الشباب الذين يخططون للهجرة.

ويشير الهيتي إلى أن عددًا كبيرًا من شباب العراق وصلوا إلى الدول الأوروبية هذه السنة يعانون صعوبات كبيرة بسبب عدم اعتراف الحكومات هناك بهم كلاجئين. ويتوقع أن يضطروا للعودة إلى العراق، وإلى البطالة من دون أي أمل. يقول: quot;لكن عيونهم ستظل شاخصة نحو الهروب إلى الضفة الأخرى، إذا يعتقدون أن النعيم هو في دول المهجر تخلصًا من الإقصاء والتهميش في بلدهمquot;.

دوامة الوهم

يعتقد الموظف والباحث في مركز بابل للشباب عبد الأمير كاظم أن غياب المعالجات الواقعية والملموسة لمشاكل الشباب سيجعلهم فريسة الأحلام المؤجلة ويحوّلهم عالة على المجتمع، من دون عمل أو زواج، يدورون في دوامة الوهم التي تشل حركتهم ومبادراتهم .

من هذه المعالجات، بحسب عبد الامير، تفعيل دور القطاع الخاص ودعم المشاريع الصغيرة التي يديرها الشباب. يتابع: quot;يجب التركيز على الخريجين وإشراكهم في مشاريع القطاع الحكومي والخاصquot;.

ويعتقد حيدر سيد حسين، الاكاديمي في علم الاجتماع، باستمرار عملية إفراغ العراق من ثروته البشرية إن لم يتم تحويل البلاد إلى بيئة جاذبة للطاقات الجديدة والكفاءات، داعيًا إلى تحليل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحول دون تفكير إبن البلد في الهجرة من بلده.

أولى الخطوات في هذا الصدد تكمن في عدم اخضاع برامج التنمية والبناء لمقتضيات القرار السياسي، للحيولة دون استحداث أزمات اقتصادية واجتماعية تؤثر في استقرار المواطن ومستوى معيشته.

وكحل عاجل لمشكلة الهجرة، يقترح حسين زج العاطلين عن العمل من الشباب والخريجين في شبكة الحماية الاجتماعية، بغية حصولهم على مدخول شهري يوفر لهم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.