quot;العالم الآن من أصغر ديكتاتور إلى الخمسة الكبار الذين لهم حق الفيتو، لا يؤمنون بالإقناع. لهذا أمريكا هي التي لها حق الفيتو في خرق ما يجمع عليه 96% من العالم. وحتى الأربعة الباقية فقدوا قيمة الفيتو. والعجيب أن الناس لا ينكرون حق الفيتو وأنه ضد حقوق الانسان وضد المساواة والديمقراطية وأنه عنصري ومعيق لنمو العالم وقدوة لكل الدكتاتوريين الصغار في العالم. وأنا أعتقد لما يقتنع الناس بالديمقراطية وتصير الأمم المتحدة ديمقراطية سيحل السلام بالعالم لأن المستكبرين في الأرض الذين يتمتعون بأكثر من 80% من إنتاج العالم وهم لا يمثلون إلا أقل من 20% من العالمquot;
جودت سعيد

لم ترد لفظة quot; النقض أو الفيتوquot; في قانون الأمم المتحدة، بل ورد لفظ quot;حق الاعتراضquot;. وان كان حق الاعتراض شيئ إيجابي فإن حق quot;النقضquot; المُمَارس هو في واقع الأمر عُنف صريح وإجهاض فعلي للقرارات الدوليّة وليس مجرد اعتراض. إذ يكفي اعتراض أي من الدول الخمس الدائمة العضوية فيما يعرف بquot;مجلس الأمنquot; ولو بدون إبداء الأسباب ليتم رفض القرار وعدم تمريره نِهائياً. حتى وإن كان مقبولاً للدول الأربعة عشر الأخرى.
وَفِيمَا يتناقض هذا النظام مع أبسط القواعد الأساسية للديمقراطية، فإن الدول الخمس هذه لم تُنْتَخَب لعضوية هذا المجلس بصورة ديِمقراطية، ناهيك أيضاً أنها لا تُصَوِّت على القرارات بنظام الأغلبية المعروف.

كما أن quot;حق النقض quot; المزعوم يتنافى مع أبسط الحقوق الانسانية الطبيعية لذلك فمن الخطأ تسميته بquot;الحقquot; إنه استراتيجية مخادعة لدوام الظلم وتكريس الحروب، حيث أن الاستراتيجيات المعممة في الانظمة الدولية والتي تخضع لها السياسات الخارجية تؤدي الى حتمية عسكرة الدول وتدفع لمزيد من السباق المحموم للتسلح التي تَكتب كل يوم مزيدًا من الاذلال للانسانية و الدَّمار للبشرية في تاريخ الأرض، بل وأبعد من ذلك حيث نشهد quot;تشريعات وقحة quot; لجعله مباركًا تحت مسمى quot; حق صناعة الحروب quot;!!

أليس معيبًا وعارًا على مدعِيي العدالة أن ينشئوا للعنف أنظمة quot;قضائيةquot; تلفها مؤسسات quot;أمنquot; وتحميها جيوش عسكرية جرارة وتسَّوق لها وسائل الإعلام الدِّعائي ؟؟؟
إنه تواطؤ غير مسبوق لأجهزة تسلط أقل ما يُقال فيها أنها تُفرّخ العنف باستمرار وتحصر الفكر البشري في حتمية الصراع مِما يجعل احتمالات quot;المقاومةquot; محصورة بquot;العنف المسلحquot; المضاد! فتدخل البشرية في دوامة النزاعات المسلحة المدمرة !

ان حقيقة الوضع الراهن لآلية عمل مؤسسات المجتمع الدولي لم تعد تصلح للتعامل في عالم شديد الاكتظاظ والمتشابك بطريقة بالغة التعقيد في ظل تداخل ثقافي وعولمة اقتصادية شبه كليّة ؛ وبعد أن أصبح اتخاذ أي قرار دولي عملية quot;نفعيةquot; خاضعة وبشكل دائم quot;للمصلحة الآنية quot; التي تصب في نِهاية المطاف في جيوب quot;حيتان رؤوس الأموالquot; والشركات العملاقة في العالم وشركات تصنيع الأسلحة، الأمر الذي جلب قدرًا كبيرًا من اللامساواة، واستشراء صارخ للنزعات السياسية والعسكرية التي لا تتوانى عن استخدام العنف المباشر او المقنع للوصول الى مصادر الثروة و تحقيق المصلحة الاقتصادية.

فالواقع الدولي الحالي هو في حقيقته quot;ادارة علاقات صراعquot; لا يرقى لان يكون نظامًا لان لفظة quot;نظامquot; كمفهوم حسب بيار بورديو تشير الى quot;مُركب يقوم على تضافر عدة مقومات هي : وسط اجتماعي، ومجموعة من القيم والآليات القانونية. ويتمثل دور هذه الاليات القانونية في كفالة وضع القواعد القانونية المنظمة للواقع موضع التنفيذ quot;
لذلك فإن النظام كمفهوم يشتمل على البعد القيمي و المجتمعي يكاد يكون مفقودًا في الواقع العلائقي الدولي الحالي الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن منتجات تلك العلاقة القائمة على المنفعة المادية التي تتغاضى عن الأذى الحاصل بحق الأرض كوكبًا وبيئةً وكائنات.

ومن هنا فالدور ملقى على quot;وعي شعوبquot; وقدرتها على quot;الممانعة quot; من الانخراط في عنف المادة والآلة والسلطة ؛ كما ان الوعي ومكافحة شتى انواع الظلم بالطرق السلمية يُمَثّل ورقة ضغط حقيقية على الحكومات لتبني سياسات خارجية أكثر quot;انسانيةquot;، واكثر أمنًا quot;للبيئةquot; ؛ فالحروب لم تجلب للعالم إلا الدَّمار وسباقات التسلح لم تنتج لنا الا quot;القنابل الذريةquot;، و الشركات العملاقة لم تُولد لنا الا مصانع مدمرة للمناخ حارقةً كوكبنا بغازات سامة، ويشكل quot;العصيان المدني اللاعنفي quot; إحدى أبرز الأدوات الواعية للتعبير كما ان الانخراط في انشطة حماية البيئة والدفاع عن حقوق الكائنات البشرية أحد أبرز وسائل الضغط لكبح الجشع المتنامي على كافة الصعد.

نعم، ربما نحلم quot;بنظام عالمي جديد quot; يستوعب كافة شعوب الارض، يعتمد منهجًا منفتحًا على جميع الاطراف، خالٍ من الاقطاب يستمد عناصره من القيم الانسانية المشتركة للحضارة البشرية، ويتمثل دور الاليات القانونية فيه بكفالة وضع القواعد القانونية العادلة المنظمة للواقع الانساني موضع التنفيذ.
نعم نحلم بعالم يسوده الأمان... عالم مَنْزُوع من الأسلحة الفتاكة المدمرة، عالم لا تتحكم به حفنة من الشركات.. عالم يحترم الانسان ويقدر حرية روحه.. عالم يحافظ على البيئة الطبيعية... وإننا كبناؤو حياة نربأ بأنفسنا عن كل عنف و ندين كل سلاح ونرفض كلّ حربٍ ومن أوجب واجباتنا أن نحافظ على سلامة البيئة الطبيعية الخضراء لكوكبنا.
نعم، نحلم بكوكب وادع جميل يتنفس على ايقاع منظومته الكونية، فما البشر كلهم إلا جزيئي صغير في عوالم أخرى لا متناهية تستحق منا كل عناية واحترام.

http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/

--

حق الفيتو : هو حق نقض أي قرار يُقَدَّم لمجلس الأمن دون إبداء أسباب، و يمنح للأعضاء الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهم : روسيا، الصين، المملكة المتحدة، فرنسا، الولايات المتحدة وقد اعتمد عقب الحرب العالمية الثانية.

Pierre Bourdieu: Langage et pouvoir symbolique : Coll. Points، eacute;d. Le Seuil 1982
بيار بورديو. الرمز والسلطة، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال، البيضاء ط II، 1990