بعد خطبة نتانياهو في بار إيلان التي اعلن فيها قبوله حل الدولتين، أمكن القول، بحسب المعلقين والسياسيين، ان إسرائيل تجمع على ان الحل الأخير مع الفلسطينيين يكمن في إقامة دولتين متجاورتين. استمرت المشكلة الفعلية على الحدود والشكل من جهة أولى، وأي شعب وقيادة فلسطينيين يمكن للإسرائيليين الوثوق بهم لإعطائهم ما لهم بذمتهم من جهة ثانية. هذا في السجال السياسي. على الأرض كانت الأمور مختلفة تماماً. اصرار على الاستيطان في المناطق التي لم تضمها إسرائيل وما زالت بحسب قانونها خاضعة للاحتلال، فضلاً عن القدس الشرقية. كان ثمة سؤال بديهي يحضر حيناً ويغيب غالباً: لماذا يريد الإسرائيليون انشاء مستوطنات في أراض لن يقبل الناس هناك على السكن فيها إلا اضطراراً؟ الجواب واضح لدى البعض، وغامض لدى بعضهم الآخر. الاستيطان في quot;المناطق المحتلةquot; هو رد أمني وليس رداً ديموغرافياً. البعض من الإسرائيليين اختار ان ينشئ نظرية أمنية ndash; استراتيجية لهذا الاستيطان المبتور: إذا كنا سنرضى بحل الدولتين، فليكن الأمر على النحو التالي: كل الفلسطينيين يخضعون للسلطة الفلسطينية وكل اليهود يتبعون دولتهم. تغيير في الحدود ومفاوضة عليها. الفلسطينيون من جهتهم، يحركهم منطق مفهوم، كل دولة لها مشكلاتها ومعضلاتها. فلسطينيو 1948 مواطنون في دولة إسرائيل وعليها معالجة مشكلاتهم. وتالياً لا تعديل على حدود ما قبل حرب 1967.
هذا غيض من فيض المشكللات. مع ذلك، لم تذهب إسرائيل إلى المفاوضات المباشرة من دون فرض شروط مجحفة على الفلسطينيين. في إسرائيل وفلسطين على حد سواء، يقولون ان توقيت المفاوضات جاء بناء على حاجة أميركية داخلية لا علاقة لها بملف الصراع. الإسرائيليون ذاهبون اقوياء، والفلسطينيون ضعفاء. مع ذلك يعرف الجميع، بمن فيهم جورج ميتشل وباراك اوباما، ان احداً من الفلسطينيين لن يوقع على اتفاق يجافي وقائع الحراك السياسي والديموغرافي والحقوقي الذي استقرت عليه أحوال المناطق. وان تكثيف الاستيطان لن يغير في المعادلات هذه شيئاً بقوة الأمر الواقع. فقط ثمة من يريد اللعب باستقرار شعبه ليحقق بضعة إنجازات شخصية. كما لو أن نتانياهو يقول للإسرائيليين: ابنوا المستوطنات وسنخليها بعد حين، هذه مستوطنات بعقود إيجار تتجدد كل شهر، وسيأتي يوم تعود فيه الملكية للمالك الحقيقي. حتى ذلك الحين استمتعوا أيها المستوطنون باستثمار املاك سواكم. اليوم نذهب إلى المفاوضات بهذه الشروط لنؤجل تنفيذ هذه الاستحقاقات بضعة أشهر او بضع سنوات.
الجميع يقولون ان المفاوضات لن تصل إلى نتيجة. ذلك ان الوصول إلى نتائج يجب ان يحصل قبل المفاوضات. الإسرائيليون يعرفون أكثر من غيرهم كيف يمكن ان يصلوا إلى نتائج في المفاوضات. والفلسطينيون يعلمون ذلك جيداً. مع ذلك ثمة مفاوضات ستعقد وتنطلق من لا مكان. ليست مفاوضات من دون شروط مسبقة، فرفض الشروط المسبقة هو ايضاً شرط مسبق، لكنها مفاوضات من دون ارضية للتفاوض، ثمة قليل من وجع القلب وتعب الأعصاب سيصاب به المفاوض الفلسطيني، ثم لا شيء آخر. لن ينتج عن هذه المفاوضات حرباً ولا سلاماً. حرب هذه المفاوضات حدثت عام 2000، وسلامها حدث عام 1996. وهذه ليست أكثر من مفاوضات استذكار لما كان.