مجموعة الأزمات الدولية اصدرت تقريرها الدوري حاملاً عنواناً لافتاً: طبول الحرب: quot;اسرائيل ومحور المقاومةquot;. حفل التقرير بتحليلات وتقديرات لا بد من الاعتراف بوجاهتها. لكن اللافت في التقرير في حد ذاته هو تطابق الموقف بين حزب الله وإسرائيل لجهة حتمية الحرب. الذين تحدثوا إلى معدي التقرير من حزب الله أكدوا ان الحرب المقبلة حتمية، لأسباب كثيرة، اولها، ودائماً بحسب معدي التقرير، ان الجيش الإسرائيلي في حاجة ماسة لاسترداد هيبته بعد حرب لبنان الثانية. في الجهة الإسرائيلية، أيضاً مسألة حدوث الحرب امر مفروغ منه. المناقشات تدور حول توقيتها بالمعنى اللوجستي: هل تبدأها إسرائيل في جنوب لبنان لتمتد في ما بعد إلى إيران تمهيداً لضرب مشروعها النووي؟ ام تنتظر نضوج نتائج العقوبات الدولية على إيران؟
فضلاً عن هذا التقرير الذي اعده مجموعة من الباحثين المرموقين، ثمة في الجو الدولي رائحة كريهة. جون بولتون يعلن من واشنطن ان امام إسرائيل اياماً معدودة لضرب المنشآت النووية الإيرانية. اي قبل ان تتسلم الوقود النووي المخصب من روسيا بعد اقل من اسبوع. في المحصلة تعرف إيران وأميركا والعالم العربي جيداً، ان حصول إيران على هذه الشحنة النووية يحميها من الضربة او حتى التفكير فيها. لن يغامر أحد في اميركا او خارجها في ضرب مفاعل بو شهر، لأن الضربة قد تكون نتائجها كارثية على منطقة واسعة من الخليج بسبب التسرب الإشعاعي الذي قد ينجم عن تدمير المفاعل النووي. الأرجح ان إسرائيل لا تنتظر بولتون لتنبيهها، لكن قرار ضرب إيران لم يعد منذ زمن قراراً اقليمياً تنفرد إسرائيل وحدها في تقريره. والأرجح ان القادة الإسرائيليين يراقبون بقلق احتمال ان تتقبل الإدارة الأميركية التعايش مع إيران نووية. على اي حال، ليس ثمة من شك بأن سباق التسلح في الأسابيع المقبلة في المنطقة سيشهد أكثر لحظاته سخونة. قدر المنطقة يغلي والنار حامية.
مع ذلك في وسع المرء ان يفكر قليلاً في معنى الحماوة التي بلغت اشدها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية برعاية اميركية من أجل الدخول في مفاوضات مباشرة. الحماوة اللافتة في هذا المجال تدل دلالة قاطعة ان الحروب العاجلة مؤجلة إلى وقت آخر. ثمة انجاز سياسي مطلوب قبل ان ينفخ اي كان في بوق الحروب. الإنجازات في هذا المجال هي انجازات اميركية تعريفاً ومضموناً على حد سواء. والاخفاقات هي اميركية ايضاً. لكن الفارق الجليل بين الاخفاق الأميركي على ابواب انسحاب من افغانستان وفي غمرة انسحاب من العراق، والانجاز هو الفارق بين إسرائيل منضبطة في خدمة المصلحة الاميركية في المنطقة واسرائيل منفلتة من عقالها في حال الفشل الأميركي دبلوماسياً.
اليوم يدور نقاش في إسرائيل عن الحروب السابقة بمفعول رجعي. ما يجدر ذكره في هذا النقاش ان ثمة اصوات وازنة في السياسة وصناعة الرأي العام الإسرائيلي تعتبر ان التساهل الإسرائيلي حيال صواريخ القسام التي كانت تنطلق من غزة، والإحجام عن الرد الواسع والساحق على صوايخ أخرى تنطلق من أي مكان، كان السبب الرئسي في اشتداد عود المقاومات، خصوصاً في لبنان وفلسطين. وتالياً كان يجدر بإسرائيل، على ما يقول هؤلاء، ان تقوم بعملية quot;الرصاص المصهورquot; ضد غزة في العام 2000، وان تهاجم لبنان رداً على عمليات حزب الله التذكيرية في مزارع شبعا بعد العام 2000، ولا تنتظر حتى العام 20006. ولو ان اسرائيل سلكت هذا السلوك منذ ذلك الوقت، لما استطاع حزب الله او حركة حماس استكمال استعداداتهما كما هي عليه اليوم. واقع الأمر ان هذا النقاش الإسرائيلي ينقصه عامل أساسي وحاسم ليتم اعتماده. الا وهو الانسحاب الأميركي من المنطقة مقروناً بفشل دبلوماسي في التوصل إلى تسويات في القضايا الأساسية التي تهم أميركا، وفشل مماثل في الميادين التي تحارب فيها. ذلك أن حرب الخليج الأولى التي شنها جورج بوش الأب ضد صدام حسين، والتي كانت إعلاناً رسمياً فاقعاً عن قرار اميركي بإدارة مصالحها في المنطقة من دون سطاء، هو ما جعل اسرائيل مغلولة اليد في حروبها كافة منذ ذلك الحين. صواريخ القسام الحمساوية وكاتيوشا حزب الله هما الابناء الشرعيين لصواريخ سكود الصدامية في تلك الحرب، حيث لم تجرؤ إسرائيل على الرد على العراق خوفاً من اغضاب اميركا وفضلت توزيع اقنعة الغاز على مواطنيها ودعوتهم لالتزام الملاجئ. والحال، فإن فشلاً دبلوماسياً اميركياً في اي من الملفات العالقة في الشرق الأوسط قد يقود إلى تغيير شامل في قواعد اللعبة. حينذاك يجدر بالمقاومات والممانعات ان تعيد النظر جذرياً في اساليب المواجهة التي تتبعها. وحينذاك فقط يمكن ان يصبح الحديث عن شرق اوسط جديد حديثاً جدياً. ذلك ان الشرق الجديد قد يبنى على ركام الشرق القديم، شعوباً ومدناً وحضارات ونظم حياة.